محنة الخطوط الجوية الكويتية نتيجة لأزمة ضعف الدولة.. برأي النيباري

زاوية الكتاب

كتب 2156 مشاهدات 0


القبس

الخطوط الجوية الكويتية.. ضحية أزمة الدولة

عبد الله النيباري

 

محنة الخطوط الجوية الكويتية هي نتيجة لأزمة الدولة وضعف نظامها السياسي ويتجلى ذلك في عجز النظام عن اتخاذ قرار حاسم مدروس، والتردد في تنفيذ ما اتخذ من قرارات وإساءة التنفيذ وتدخل مصالح أصحاب النفوذ وقوى الفساد، بالاضافة الى غياب الرؤية وانعدام الارادة السياسية.

لهذه الأسباب تعاني الخطوط الجوية منذ عشرين سنة وحتى الآن من التعثر، من دون أن تُتخذ خطوات تتسم بشيء من الجرأة لانتشالها من محنتها والنهوض بها لمجاراة التطورات الهائلة التي طرأت على صناعة النقل الجوي.

 

التأسيس

تأسست الخطوط الجوية الكويتية في الخمسينات من القرن الماضي كأول ناقل وطني في منطقة الخليج، وكانت من الخطوط المتميزة الى أن جاء الغزو العراقي، فتعرض أسطولها للنهب والتدمير، ولم تكن هنالك محاولات جادة من الحكومات المتعاقبة لمعالجة وضعها، تركت لقدراتها الذاتية في إعادة بناء الأسطول بالاقتراض من البنوك لشراء طائرات وتأجيرها، والى حد ما عادت لوضع قريب من السابق بامتلاك وتأجير حوالي 17 إلى 18 طائرة، لكن قدرتها المالية تعجز عن مزيد من التطوير، فالخسائر التي مُنيت بها يفترض أن تعوضها ميزانية الدولة، وكان أحد المعوقات عدم اقرار حساباتها الختامية من قبل مجلس الأمة، إلا أن ذلك لم يكن سببا كافيا لإحجام الحكومة عن اتخاذ قرار جدي بانتشالها.

 

ا لخصخصة

بدأ التفكيرفي خصخصة الكويتية عام 1994 كحل لمعالجة وضعها، إلا أنه منذ ذلك التاريخ، وبعد مضي 20 سنة، بقيت تعاني من تردد الحكومة، فالخصخصة لم تتم وفي الوقت نفسه لم توفر لها الأموال للنهوض بوضعها. في منتصف الطريق، أي بين 2005 و2007 طرح مشروع شراء وتأجير 36 طائرة بالاستعانة بشركة الافكو الكويتية لتأجير وتمويل شراء الطائرات، الا أن ذلك المشروع أُجهض بسبب رغبة أصحاب النفوذ في الانتفاع من هذه الصفقة، فالمشروع لم يكن يلبي أطماعهم!

في عام 2008 أُقر أول قانون لخصخصة الكويتية، ومع ذلك لم تتخذ إجراءات حاسمة للتنفيذ، التردد والتخبط كانا سيدي الموقف، القانون تعرض لسلسلة من التعديلات، آخرها القانون الأخير الذي أُقر مؤخرا وتضمن تعديلات على التعديلات في قانون 2008 والمرسوم بقانون لسنة 2012.

 

خطوة جادة

أخيرا أقدمت «الكويتية» على خطوة جادة بشراء 25 طائرة إيرباص وتأجير 12 طائرة، مما يرفع طاقة الأسطول الى 37 طائرة، وهو العدد الذي تضمنه مشروع تطوير «الكويتية» عام 2007 بشراء وتأجير 36 طائرة، الذي لو تم تنفيذه حينها لكانت الكويتية الآن أمام المرحلة الثانية، ربما للوصول بأسطولها الى 80 طائرة أو أكثر.

المشروع الحالي أيضا يتعرّض للعراقيل، فهنالك هجوم من قبل البعض على «الكويتية»، لأن شراء طائرات وزيادة الأسطول يعنيان رفع قيمة شراء «الكويتية» من أقل من 400 مليون دينار الى ما يقارب ملياري دينار، وهو ما يفوق قدرات الشركات على تحمّل أعباء رأسمالية بهذا الحجم.

 

الخطوط الجوية الإماراتية

في السنوات العشرين الماضية تأسست ونمت العديد من الخطوط الجوية في دول الخليج، وحققت تطورات هائلة من حيث حجم الأساطيل وعدد الركاب المحمولين والمحطات التي تصل اليها، وحجم الايرادات والمصروفات والموظفين العاملين فيها.

أبرز التطورات شهدتها الخطوط الجوية الإماراتية، التي تأسست عام 1985 برأسمال عشرة ملايين دولار، وباشرت عملها باستئجار أربع طائرات، واليوم تملك 211 طائرة، ولديها تحت الطلب عدد ضخم من الطائرات تفوق قيمتها 50 مليار دولار، من بينها 140 طائرة A380 الضخمة، ووصل عدد ما حملته من ركاب الى 39 مليون راكب، بإيراد بلغ 19 مليار دولار، وعدد موظفين بلغ 40 ألف موظف، واصبحت الاماراتية واحدة من أكبر أربع شركات طيران عالميا.

نقارن ذلك بالخطوط الكويتية بحجم أسطول 18 طائرة في حالة ليست جيدة، وإيرادات لم تتجاوز 250 مليون دينار (875 مليون دولار)، وخسائر متراكمة فاقت 500 مليون دينار كمعدل، وعدد الموظفين تراجع من 5538 موظفا الى 4349 موظفا، عدد الكويتيين بينهم تراجع من 2500 الى 1992 موظفا، ولم يزد معدل عدد الركاب على 2.5 مليون سنويا.

 

شركات خليجية

والى جانب الاماراتية نشأت أيضا «طيران الاتحاد» و«طيران قطر»، فشركة طيران الاتحاد التي تملكها أبوظبي تأسست عام 2003، تملك 96 طائرة ولديها تحت الطلب 173 طائرة، وتحمل 10 ملايين راكب سنويا بإيراد 4.8 مليارات دولار، ويعمل لديها 10656 موظفاً.

وهنالك الخطوط الجوية القطرية التي تملكها حكومة قطر، وتأسست عام 1993 وبدأت عملها عام 1994 باستئجار طائرة بوينغ 767 من الخطوط الكويتية، اليوم تملك الخطوط الجوية القطرية أسطولا يضم 127 طائرة، ولديها تحت الطلب 173 طائرة، تتجه الى 96 مطارا، وحملت 15 مليون راكب، وهنالك شركات أصغر حجما مثل طيران الشرق الأوسط اللبنانية، وشركة مصر للطيران، وكلها أوضاعها أفضل من الخطوط الكويتية.

 

تحديات الخصخصة

هذه المقارنات توضح مدى التخلف الذي تواجهه الخطوط الكويتية بسبب العجز والتخبط في ادارة شؤون الدولة، مما انعكس على مؤسساتها وإحداها الخطوط الجوية الكويتية. السؤال الآن: هل سينفذ مشروع لخصخصة الخطوط الجوية الكويتية؟ في الحقيقة هنالك تحديات تواجه مشروع الخصخصة،

أولها: حجم الاستثمارات الرأسمالية المطلوب توفيرها للارتفاع بمستوى الكويتية الى ما يقارب شركات الطيران في دول الخليج، أي بالوصول الى حجم أسطول يفوق المائة طائرة، وهو ما يتطلب توفير تمويل يقارب 25 مليار دولار، وهذا قد يكون أكبر من قدرة القطاع الخاص على تدبيره.

يضاف الى ذلك أن الأرباح في صناعة النقل الجوي ضئيلة، وفي أحيان كثيرة تتحول الى خسائر، وذلك لطبيعة النقل الجوي الذي يتطلب الاحتفاظ بطاقة استيعابية محددة، عدد طائرات وخطوط طيران وموظفين وتكاليف تشغيل باهظة، خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود والعديد من شركات الطيران الكبرى، مثل لوفتهانزا الألمانية والجوية البريطانية عانت فترات خسائر في بعض السنوات، وحققت أرباحا ضئيلة في سنوات أخرى.

فالخطوط الجوية الألمانية التي يبلغ رأسمالها 8 مليارات يورو وإجمالي أصولها 28 مليار يورو وتملك 284 طائرة وعدد موظفين يبلغ 118 ألف موظف وايرادات بلغت 28 مليار يورو عام 2011، لم تحقق إلا أرباحا ضئيلة، بلغت 13 مليون يورو، أي أقل من %0.2، والخطوط البريطانية التي حققت أرباحا بعد الخصخصة، لكنها عادت لتواجه خسائر في عام 2009/2008 بلغت 300 مليون جنيه استرليني.

 

معايير لنجاح «الكويتية»

لذلك فإن معيار النجاح للخطوط الكويتية يجب ألا ينظر اليه من ناحية تحقيق الأرباح، فذلك أمر محفوف بالمخاطر، والمعيار لإعادة تطوير الكويتية هو -الى جانب وجود ناقل وطني يحمل اسم الكويت الى مختلف دول العالم، هنالك معيار مهم وهو استقطاب العمالة الوطنية، ففي سنة 2002 كان عدد الموظفين 5538، الكويتيون بينهم 2496 موظفا، واذا كان يؤخذ على الكويتية تعرضها للتوظيف السياسي، الا ان القسم الأكبر من موظفيها من طيارين ومهندسين واداريين، ومن يعمل في استقبال الركاب، أعداد كبيرة تؤدي عملا منتجا، وهو ما تتطلبه طبيعة العمل في الكويتية كدوام النوبات خلال الأربع وعشرين ساعة، ومعيار المساهمة في ايجاد فرص العمل لاستيعاب الداخلين الى سوق العمل، وهو أهم ما تحتاجه البلد. فعلى سبيل المثال زيادة حجم الأسطول من 18 طائرة الى 36 طائرة يتطلب زيادة الموظفين بنسبة تقترب من الضعف أي من 8000 الى 10000 موظف واذا ما وصل حجم الأسطول الى 100 طائرة، فقد يؤدي ذلك الى خلق 30 ألف فرصة عمل، وهو حجم الطيران القطرية 127 طائرة وثلاثين الف موظف.

لذلك فالمعايير لقياس أداء الكويتية يجب أن يكون لمصلحة خلق فرص عمل للمواطنين وهذا ما نحن بأمسّ الحاجة اليه، الى جانب وجود اسم الكويت في مختلف مطارات العالم.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك