الكلمات قد تقتل أحياناً

زاوية الكتاب

كتب 5401 مشاهدات 0


يحكى أن  مجموعة من الضفادع كانت  تتقافز مسافرة في احدى الغابات ..وفجأة.. وفي الطريق اصطادت بئر عميقة ضفدعين. فتجمعت الضفادع حول البئر فتسلق بعضاً منها غصون الأشجار ليبصروا ما حل بأصدقائهم فهال الضفدعين عمق البئر فصاحوا بالضفدعين: ليس هناك أمل في أن تخرجا من هنا حَيين أبدا فالبئر سحيقة... أنتما في عداد الأموات الآن .. لا معنى لأي جهدِ سوف تبذلانه. وعلت الضفدعين رغبةً بعدم التنازل عن حياتهما بهذه السهولة وأخذا يقفزان عالياً  محاولين الخروج وتواصلت في نفس الوقت النداءات المثبطة لعزيمة الضفدعين من الضفادع الأخرى. انصاع أحد الضفدعين لكلام الضفادع فاعتراه اليأس وسقط ميتاً بعد أن حل به الإرهاق. أما الضفدع الآخر فاستمر بالقفز بكل قوته رغم محاولة الضفادع الجهيدة لثنيه عن القفز ومطالبته بالاستسلام للمصير ووضع حد لهذا الألم. ولكنه أخذ يقفز أسرع حتى وصل لخارج البئر وسط دهشة وذهول الجميع: كيف فعلت ذلك؟ فأوضح لهم بلغة الإشارة أنه أصم فهو لم يسمع ما كانوا  يصرخون به من نداءات مثبطة. وفسر نداءاتهم عن طريق الخطأ بأنها نداءات تشجيع على الاستمرار بالقفز... نعم إنها الكلمات .. وقوة الحياة والموت التي تكمن في اللسان فكلمات مشجعة ممكن أن تبث الروح  بالنفوس المحطمة والمهمومة من جديد فتشجعها وتحييها لنهار متفائل وتهبها نفس مطمئنة لليل هادىء ومستبشرة بغد أفضل . وبالمقابل الكلمات المثبطة قد تقتل إبداعاً وتضعف مهارة وتوقف نجاحاً. والكلمة على مدى التاريخ فتحت بلاداً وهزمت جيوشاً وحفزت  جنود. وتسببت في مقتل شعراء فالمتنبي قتل بسبب بيت شعر قاله. فالكلمات أدوات محركة ومؤثرة تهتز لها مسامع شعوب وتتبدل فيها أحوالها. . يقول علماء النفس ان قوة الكلمة تعادل أو ربما تتفوق على أية قوى أخرى لأنها تمس الروح والعقل والقلب  بينما القوى الأخرى قد تمس الجسد فقط. الكلمة التي تنطلق من الأفواه قد تقتل احياناً نفس الرصاصة التي تنطلق من فوهة المسدس. بعض الكلمات قد تحطم قلوب وتترك بصمة ومخزون قاسي من الذكريات الحزينة في النفس. فقد نخسر بهذه الكلمات أناس وقلوب ربما لا تعوضنا الحياة بأمثالهم. وقد نخسر راحة أنفسنا وضمائرنا.... من هنا.. علينا أن نتمهل قبل الشروع بالقتل بكلماتنا وقبل ان نشهر سيوف الكلمات القاتلة و كذلك علينا ان نتسائل دائماً هل من سوف نقتلهم بالكلمات سيعفون عنا؟ فليس الكل يملك روح الصفح فللقلوب والأرواح طاقات تحمل وتجمل محدودة. فهل لنا أن نراقب مسدسات أفواهنا وأقلامنا حتى لا تنطلق منا كلمة قاتلة .. وإن لم تقتل فقد تترك بالنفس جرح غائر لا يقوى الزمن على مداواته.. وعلى سبيل محبة الناس.. احترموا الجميع فلا تقولوا كلمة فيها إقلال من شأن أحد أو جرح لشعوره أو احتقار لذاته. دربوا أنفسك على عبارات التقدير لأنفسكم.. لأولادكم.. لأخوتكم.. لمرؤسيكم.. وحتى خدمكم ومع ذلك فالنفوس لا تخلو من الزلل.. وإن كان لابد من توبيخ أو عتاب.. فتخيروا ألفاظكم..ووجهوا من غير أن تجرحوا.. ولتسبق عبارات المدح والتقدير عبارات التوبيخ. واعلموا أن الكلمة الطيبة أو القاسية لا تنسى . وإن كان الانسان يموت فإن الكلمة لا تموت كما لا يموت أثرها بين الناس.

الآن - رأي: د. دلال عبد الهادي الردعان

تعليقات

اكتب تعليقك