عن تفكك العالم العربي!.. يكتب خليل علي حيدر

زاوية الكتاب

كتب 2116 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  هل يتبعثر العرب

خليل علي حيدر

 

كان الخوف السائد سياسياً هو احتمال تفكك العالم العربي واليوم ينتشر الحديث عن مخططات التفتيت!
وكانت نظرية أخرى ترجح اختفاء بعض دول مجلس التعاون لصالح دولة كبرى منها، واليوم نسمع ونقرأ أن هذه الدولة نفسها مهددة بالانقسام الى دول ودويلات!
فما الذي قد يحدث حقاً وفق احتمالات وديناميات «التفكك والوحدة» في العالم العربي بعد «ثورات الربيع العربي»؟ وما دور «النزاع السوري» في تفكك المشرق العربي؟ وهل العراق وليبيا مقبلتان على الانشطار؟ وهل لبلدان المنطقة الخليجية درب آخر ومسار؟
مجلة «السياسة الدولية» الدورية، التي تصدر عن مؤسسة الاهرام في مصر، خصصت لهذا الأمر الخطير عدة ابحاث في كراسة بعنوان «التفكك» Disintegration، العدد 195، يناير 2014، قام بإعدادها باحثون سياسيون منهم د.خطار ابو دياب من باريس، ود. نادية سعد الدين من الاردن، ود.خالد حنفي علي من مصر، ومحمد عزّ العرب، الباحث بالمركز.. فماذا قالوا؟
ليس بالضرورة أن يكرر التاريخ نفسه في المشرق، أو أن نشهد «سايكس بيكو» جديدة في هذه المرحلة. ففي مناسبات عديدة، منها حرب العراق - ايران، او حروب لبنان، او حرب العراق 2003، «ثبت ان الدولة الوطنية بحدودها ووحدتها الانسانية قد صمدت، على الرغم من الانقسامات المذهبية والتجاذبات الخارجية».
لقد اصبح النظام العالمي القديم وراءنا، ولم يعد دور الغرب مركزياً، وثمة تراجع أمريكي وكسوف اوروبي، كما لا تملك موسكو عناصر القوة الكافية لمقارعة واشنطن الا في مسارح محددة مثل المسرح السوري. وتمثل المسألة الكردية مفتاحاً لإعادة تركيب سورية فالشعب الكردي، بين 35 و40 مليون نسمة، هو اكبر شعب في العالم من دون دولة. لم يكن للأكراد من اصدقاء الا الجبال، حسب الحكمة التي يرددها كبارهم. يقال ان سورية قد تم تقسيمها الى ثلاث دول، علوية وسنية وكردية. غير ان مصير «كردستان» بيد ايران وتركيا والعراق وسورية وبيد اكراد هذه الدول الاربع مما يعني احتمال وجود 8 وجهات نظر في القضية!
فليس من مصلحة الداخل العراقي او المحيط الاقليمي والدول الغربية انقسام العراق او تفككه، لما له من تداعيات خطيرة لن تتوقف عند الساحة العراقية فحسب. «ورغم تهديد اقليم كردستان العراق بين الفنية والاخرى بالانفصال، فانه ليس جدياً، وانما يتم توظيفه سياسياً». الاقليم الكردي، لن يستفيد من الانفصال، يقول الباحث، حيث يبقيه منطقة مغلقة محاطة بتركيا وسورية وايران، بدون منافذ بحرية او مرفأ تجاري. كما انها لا تستطيع ايصال نفطها الى الاسواق الدولية من دون موافقة الجارة تركيا، التي لا تؤيد نزعة الانفصال الكردية، والتي ترى فيها تركيا كذلك تهديداً حقيقياً لأمنها وكيانها، كما لا تؤيد ايران وشيعة العراق ايضا مثل هذا الانفصال. وليس لدول الخليج مصلحة في تفكك العراق وبخاصة المملكة العربية السعودية، اذ قد يؤدي هذا الانقسام الى تعزيز نفوذ الشيعة واحكام قبضتهم على حكم العراق.
ان السؤال الأكثر إلحاحاً في المشهد الليبي، يقول باحث، هو: «هل ستفكك الدولة»؟ هناك مفاعيل محفزة للتفكك فليبيا لا تملك نواة مركزية جغرافية، حيث انها دولة مترامية الاطراف تبلغ مساحتها قرابة مليون و800 الف كيلومتر مربع، موزعة جغرافيا بين اقليمين اولهما صحراوي يشكل غالبية مساحة البلاد، والآخر «متوسطي» على ساحل البحر، «مما ادى الى خريطة سكانية مبعثرة ومتباعدة تميل للتركز بجانب الساحل، مثل طرابلس، وليس في القلب الذي امسى ميتاً. كما خلف التباعد الجغرافي بين الأقاليم تبايناً في التطورات التنموية والثقافية». فطرابلس في الغرب، والقريبة من أوروبا، أكثر انفتاحاً وتعليماً وسكاناً، تليها «برقة» في الشرق، بينما الجنوب ظل أكثر عزلة.
ومما يهدد ليبيا أكثر، آثار استبداد السلطة، والانحياز في توزيع الثروة النفطية في ظل النظام السابق، وضعف المؤسسة العسكرية. وذلك لأن الرئيس القذافي «سعى الى اضعافها خوفاً من ان تكون اداة التغيير السياسي في المجتمع، ولذا شكلها من ولاءات قبلية وعشائرية وغالبية قياداتها من المقربين له».
واذا كانت لغة اللامركزية الأكثر بروزاً من الانفصال في الشرق، فالأمر يختلف في «فزّان» جنوب ليبيا، حيث تختلط الرغبة في الانفصال بالصراعات القبلية الحادة. ولقد حول القذافي المؤسسة العسكرية الليبية الى كيان اشبه بالمليسيات الشعبية، وهناك اليوم ما يقرب من 125 الف شخص يحملون السلاح، كما يوجد اكثر من مائة ميليشيا مسلحة على اساس مناطقي، تمارس مهام الامن الداخلي.
وقد تنامى «التيار الجهادي» الرافض للدولة والرافع لشعارات تطبيق الشريعة. ورغم ان الجماعات الجهادية لعبت دوراً ملموساً في قتال القذافي، فإنها مثلت في مرحلة ما بعد سقوطه عائقاً أمام عملية بناء الدولة.
ماذا عن المنطقة الخليجية ودول مجلس التعاون؟
هناك مجموعة من الاجتهادات ترجح التفكك، يقول باحث. منها «عدم تبلور الهوية الوطنية للدولة الخليجية. فتأتي علاقة الفرد البحريني أو السعودي او الاماراتي بقبيلته وعشيرته وطائفته، قبل علاقة المواطنة». وهناك ثانياً في بعض دول المجموعة، فجوة الثقة بين الحكم والمعارضة السياسية Trust Gap، ووفقاً لما طرحه «فوكو ياما»، تعد الثقة شرطاً رئيساً لايجاد مجتمع اقتصادي وسياسي متماسك.
غير ان الأوضاع القائمة، يضيف الباحث، تشير الى «صعوبة حدوث ثورة وطنية في غالبية دول الخليج، وانما الاقرب للحدوث هو انفجار بؤر ثورية في مناطق محدودة».
والسبب وجود عوامل تحد من التفكك في المنطقة الخليجية، احداها «احترام الشرعية السياسية، فمعظم المواطنين في الملكيات الخليجية يرغبون في ان تطول التغيرات حكوماتهم لا النظام بأكمله او الدولة ببُنيتها، نظراً لسهولة الوصول من جانب افراد المجتمع الى متخذ القرار السياسي».
وهناك سبب آخر في قوة التماسك، هو سياسة الدولة الريعية وارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي، حيث «حظيت خمس دول خليجية بمراكز متقدمة في المرتبة الـ 13 عالمياً، والكويت في المرتبة 32 والسعودية 33 عالمياً. وهذه المستويات العالمية من السعادة في منطقة الخليج يتوقع ان تعمل ضد الثورات الشعبية والانتفاضة الجماهيرية».
وهناك كذلك شبكة عميقة من العلاقات الاجتماعية والمصاهرة على الرغم من حدوث تغير نسبي في توجهات شباب القبائل في عدد من دول الخليج، وبصفة خاصة في حالة الكويت، للمشاركة في السلطة فضلاً عن الاستحواذ على الثروة».
ومما يقيد الثورة والتفكك في هذه المنطقة، يضيف الباحث، اختلال التركيبة السكانية: «فالتركيبة السكانية لدول الخليج مكتظة بشتى انواع البشر من مواطنين ووافدين، الذين يختلفون من حيث القيم والعادات، وكل جالية تنتمي الى وطن، وتحمل جنسيته، وتتفاعل مع مجتمعها الاصلي أكثر من تعاملها مع التجمع الذي تقيم فيه من اجل العمل، ومصير السكان الوافدين غير مرتبط بمصير السكان المواطنين، ومستقبلهم ليس واحداً، كما ان لكل عمالة ظروفاً مختلفة وحسابات ربما تكون متعارضة».

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك