عبدالمحسن حماده: استجواب الجراح اغتال القيم

زاوية الكتاب

كتب 458 مشاهدات 0


استجواب الجراح واغتيال القيم عدد القراء: 52 04/07/2007 د. عبدالمحسن حمادة جاء الإسلام لينقل البشر من الظلمات الى النور ليعيشوا في ظل مجتمع فاضل تنظمه منظومة من القيم، يقول صلى الله عليه وسلم 'إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق'، ولما سئل عن احب الناس الى الله قال: 'أحسنهم خلقا، فالاخلاق في نظر الاسلام ليست من الامور الهامشية التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي من عماد الحياة ويظل التمسك بها من اهم اسباب التقدم والازدهار الحضاري، ومن دونها تنهار الدولة، ولقد انهارت امم وتداعت حضارات قوية لتخليها عن قيمها الفاضلة. ضمن هذا الاطار سنتحدث عن الاستجواب الذي تم في المجلس في ،6/25 ونعتقد انه قد تم فيه انتهاك لبعض القيم المهمة التي نستقيها من ديننا وتاريخنا، ومن القيم الجديدة المستنكرة التي ظهرت في ذلك الاستجواب، الجهر بالسوء، يقول تعالى: 'لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم'، فالله حرم على عباده ان يجهر بعضهم لبعض بالكلام السيئ الذي يؤذي الانسان ويؤلمه سواء في نفسه او اسرته او اقاربه، ليسد الطرق التي يتسرب منها الشر الى جسد الامة، ومن انواع الجهر بالسوء التي حرمها الاسلام ذكر عيوب الناس والتحدث بها واشاعة الفاحشة ونسبها الى افراد معينين، لما تحدثه من اثار ضارة في حياة الناس وعلاقاتهم الاسرية والاجتماعية، وكذلك من القيم المستنكرة التي برزت اثناء الاستجواب، اسلوب التخاطب مع الآخرين بصوت عال مرتفع لارهاب المسؤولين. ولقد نهى الله عن هذا الاسلوب بقوله على لسان لقمان وهو ينصح ابنه 'واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير'، فهو ينهاه عن صفة من صفات المتكبرين ويأمره ان يخفض صوته اثناء حديثه مع الناس، لأن خفض الصوت من أدب الحديث فهو يزيد المتحدث وقارا، اما من يرفع صوته في وجه مستمعيه ويزعق لهم في القول فهو سيئ الادب. ولا يحق لأحد ان يعتقد ان وصوله إلى منصب قيادي يعطيه الحق ان ينظر الى ذاته نظرة فوقية ويحط من قيمة الاخرين وينظر اليهم نظرة دونية فيها من التعالي والتكبر. ومن القيم المستنكرة في ذلك الاستجواب التجسس على الناس في بيوتهم والتقاط صور لهم من دون اذنهم وعرضها على الملأ، ولقد اكد الدين الاسلامي على ان للناس حرمة لا يجوز ان تنتهك بالتجسس عليهم وتتبع عوراتهم حتى ولو كانوا يرتكبون اثما طالما انهم مستترون غير مجاهرين، يقول ابن الهيثم انه قال لعقبة بن عامر، وهو احد الصحابة، ان له جيرانا يشربون الخمر وانه سيستدعي الشرطة ليأخذوهم، فقال له: لا تفعل فإني سمعت رسول الله يقول 'من ستر عورة فكأنما أحيا موؤودة في قبرها'، وجعل الرسول تتبع عورات الناس من صفات المنافقين، عندما قال 'يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، ومن تتبع عورة اخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله'، ومن اجل الحفاظ على حرمة البيوت يقول صلى الله عليه وسلم: 'من اطلع في بيت قوم بغير اذنهم فقد حل لهم ان يفقأوا عينه'، وقال 'من استمع الى حديث قوم وهم له كارهون صب في اذنيه الآنك يوم القيامة'، ولعلنا نتذكر قصة عمر، رضي الله عنه، مع الشباب الثلاثة الذين وجدهم في حال سكر ودخل عليهم البيت وقادهم الى السجن، ولما اراد ان يقيم عليهم الحد في الصباح، قالوا له: 'اننا اخطأنا في شرب الخمر ولكنك اخطأت يا امير المؤمنين في ثلاث: لقد تسورت علينا البيت، والله يأمر ان تأتوا البيوت من ابوابها لا من ظهورها، ودخلت البيت بدون استئذان، وتجسست علينا والله نهى عن التجسس، ولقد ندم عمر، رضي الله عنه، على فعلته واخلى سبيلهم. لقد حدث هذا في عصر الرسول وعصر الصحابة ولا شك انه افضل من عصرنا، وشرعوا فيه من القوانين التي يجب ان نتمسك بها لحماية حقوقنا وصون حريتنا وكرامة بيوتنا، والآن نجد جميع الدول المعاصرة المحترمة تتشدد في سن القوانين التي تحافظ على حرمة البيوت وعدم انتهاكها حتى للجهات الرسمية الا بإذن من القضاء، ومن المؤكد ان قانون الجزاء الكويتي المستمد معظمه من الشريعة الاسلامية، فإنه يدين انتهاك حرمة البيوت وتصوير اهلها واستغلال تلك الصور للتشهير باصحابها والطعن بشرفهم، فإذا كان هذا العمل محرما فهل يجوز لمجلس الامة ان يرتكب عملا محرما يحرمه الدين ويجرمه القانون؟ واذا كان ذلك العمل من المحرمات فهل النتائج التي توصل اليها المجلس في تلك الجلسة صحيحة ام باطلة؟ وهل يحق لمن طعن بشرفهم ان يرفعوا قضايا في المحاكم ام ان القوانين لا تطبق على الاعضاء فهم فوق القانون ويجيزون لأنفسهم ان يدوسوا على شرف المواطنين وكرامتهم؟ ان المجلس الذي نكن له كل تقدير واحترام والذي يشرع القوانين فيجب ان يكون اول من يحترم تلك القوانين ويبتعد عن الوقوع في الشبهات.
القبس

تعليقات

اكتب تعليقك