مفهوم السلطة في الكويت: بأي معنى؟ بقلم احمد عقله العنزي
زاوية الكتابكتب نوفمبر 15, 2013, 1:44 م 5765 مشاهدات 0
الجدلية التي يحاول هذا المقال مناقشتها وتحليلها ومن ثم تطويرها هي جدلية مرتبط بمفهومنا للسلطة في خطابنا السياسي الكويتي؟ وهدف هذا المقال هو - بدون شك - المساهمة في تفكيك خطابنا السياسي وفحص مفاهيمه ومضامينه من الداخل آملين إعادة موضعته في سياقة الموضوعي والعقلاني. ولإيضاح ذلك سنبدأ بطرح الأسئلة التالية: هل الشعب الكويتي - كما جاء 'ولو شكلياً' في دستور 62 أن الأمه مصدر السلطات- هو بالفعل من يحكم نفسه بنفسه في اطار نظام ديمقراطي مؤسساتي ؟ أم أن الاسرة الحاكمة هي التي تحكم منفرده ضاربه بالشعب ودستوره عرض الحائط؟ أم هما الاثنان معاً؟ ويمكن طرح هذا السؤال بصيغه أخرى أكثر وضوحاً : عندما نتحدث عن السلطة في الكويت فما الذي نعنيه بها؟ هل هي الأمير أم الشعب أم نظامنا الدستوري أم هي أمر آخر؟
يقدم لنا الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو تفسيراً جديراً بالنظر ويمكن توظيفه فيما نحن بصدده الآن حول جدلية أو مفهوم السلطة, فهو يرى أن السلطة لا تعني بالضرورة حاكماً يحكم أو مؤسسة تدير شؤون الناس ولا حتى دستور أو قانون يُفرض بالقوة, فالسلطة تتمظهر في سياقات متعددة وتأخذ أشكالاً مختلفة وهي تعني فيما تعنيه تلك النظم والأعراف والقوانين التي تعمل وفق استراتيجيات معلنه تارة وفي الخفاء تارات أخرى, بمعنى أن السلطة الحقيقية هي تلك التي 'لديها القدرة على الظهور أو التخفي بحسب استراتيجياتها ومصالحها, لكنها في معظم الحالات لا تكون دوماً في الواجهة والمقدمة بل تعمل بصمت وبعيداً عن الأنظار وبحرية شبه مطلقة, وغني عن البيان بأن السلطة هنا مرتبطة الى حد كبير بالحرية التي يتمتع بها الفرد (أو المؤسسة) بحيث يمكن القول بأن من لا يمتلك الحرية لا يمتلك بالتالي سلطة! ومن هنا يمكن أن نعرف السلطة – وفق تصور صاحبنا فوكو - بأنها ذلك 'الكود' الغير معلن أو 'الشيفرة' أو 'المزاج' أو 'اللاوعي' الثاوي خلف الأحداث والذي يحدد ويوجه مسار التاريخ السياسي والاقتصادي للشعوب ويجعل هذه الأحداث تدور في فلكه بحيث يتحكم في النهاية بمصائر البلاد والعباد دون الحاجة للظهور للعلن. بل ان الظهور للعلن قد يجعل من هذه السلطة في مرمى الهجوم والمقاومة وفقاً للقاعدة التي تقول بأن ما نستطيع تحديده نستطيع بالتالي تسميته ومحاصرته ومن ثم القضاء عليه بسهولة!
وبناءً على هذا التصور يمكن ان نحدد مفهوم السلطة في الكويت بعلاقاتها الخفية الغير معلنه والغير مكتوبة (الكود), أي علاقات القوى بين أطراف محددة استطاعت في لحظة تاريخية معينة ان تحدد مسار تاريخنا السياسي برمته, ولتوضيح ذلك نقول بأن مفهوم السلطة في الكويت يعتمد بشكل أساسي على طبيعة علاقات ومصادر القوة والسيطرة والنفوذ أي ان من يمتلك هذه المصادر السلطوية هو من سيمتلك في نهاية المطاف السلطة والارادة السياسية وسيكون قادراً بالتالي على تحديد مسار النظام والخطاب السياسي سواء بشكل معلن ومباشر أو غير معلن وغير مباشر, ولتقريب هذه الصورة نقول بأنه اذا كان الشعب مثلاً مالكاً لثرواته ومقدراته ومالكاً بالتالي لإرادته فإن هذا الشعب سيكون حتماً مالكاً لمصادر سلطته وقوته وقادراً بالتالي على رسم خريطته السياسية بإرادته الحرة, وعندها فقط يمكن القول فعلاً بأن هذا الشعب هو مصدر السلطة بحيث يستطيع منحها لمن يثق بإدارته وحكمه وفق نظام ديمقراطي قائم على مبدأ التداول السلمي للسلطة!
لندخل في الرهان ونقول بأن مفهوم السلطة اذن يتحدد بناءً على علاقات القوة والسيطرة والنفوذ التي تمكن من يمتلكها الاستئثار بالثروة والارادة السياسية على السواء, لذك فمن يمتلك مفاصل الاقتصاد أو الثروة سيمتلك تبعاً لذلك القوه الفعلية أي سيمتلك زمام السلطة ومقاليدها، والواقع الموضوعي يؤكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك بأن من يضع يده على هذه الثروة أو 'سلطة المال' هي الطبقة التجارية لا الاسرة الحاكمة ولا حتى الشعب. وبناء على ذلك فان مفهوم السلطة تحدده القوى الاقتصادية وفق تصوراتها الخاصة ومصالحها التجارية, نعم قد يكون لبعض أفراد الأسرة الحاكمة نفوذ اقتصادي محدود لكن لا يمكننا الجزم بأنهم هم المحرك الأول واللاعب الرئيسي في شكل وطبيعة الاقتصاد الكويتي والذي يحدد بدوره طبيعة ومسار نظامنا السياسي والاشكالات المرتبطة به. اذن فالفرضية التي سندلل عليها في هذا المقال هي ان الاسرة الاقتصادية – أو طبقة التجار- هي 'العنصر الثابت' في معادلة الحكم وتداول السلطة بل وتحديد مفهومها إجمالاً, وهي التي رسمت - ومازالت - ملامح نظامنا السياسي ونظامنا الاقتصادي الرأسمالي الرعوي.
ولتأكيد ذلك نقول بأن تاريخنا السياسي يؤكد ويدعم هذه الفرضية, فهو يقدم لنا شواهد كثيره - تغص بها كتب التاريخ - على أنه لم يأت حاكماً أو أميراً للكويت إلا وقد أتى بموافقة أو دعم ومؤازرة طبقة التجار, بل من الصعوبة بمكان وصول أحد أبناء الأسرة الحاكمة الطموحين لسدة الحكم أو مسند الإمارة ما لم يكُن متماشياً ومتوافقاً مع 'مزاج' الأسرة الاقتصادية, أي أن الأمير- أي أمير - ولكي يكون أميرا عليه أولا وقبل كل شيء أن يحصل على موافقة ودعم التجار. بل سنذهب لأبعد من ذلك ونقول بأنه من الصعوبة بمكان 'لمؤسسة الحكم' ان تتخذ قرارات مصيريه دون موافقة الاسرة التجارية خصوصا اذا كانت هذه القرارات تمس النظام الاقتصادي الرأسمالي للكويت كفرض الضرائب على التجار مثلاً, أو حتى قرارات سياسيه او غيرها من القرارات التي من شأنها ان تضر بشكل مباشر أو غير مباشر بمصالح التجار ومراكز نفوذهم, ولنا في قضية مرسوم الصوت الواحد خير مثال، فعلى الرغم من ان الشعب قد دخل في جدل واسع وأزمة سياسية خانقة بسبب مرسوم الصوت الواحد إلا أن هذا الجدل لا يحسمه الشارع أو حتي البرلمان الصوري بل يحسمه مؤسسي وأقطاب غرفة التجارة والقوى الاقتصادية وفقاً لمصالحها الخاصة, بدليل أننا نسمع اليوم بصيغ جديده لقانون الانتخاب وفق 5 دوائر بصوتين أو وفق 10 دوائر بصوت واحد وهي كلها مشاريع طرحتها سابقاً اقطاب تجاريه.
دعماً لفرضيتنا المحورية في هذا المقال سنقدم عدة أمثلة وشواهد تاريخية حول آلية اختيار الحاكم في الكويت منذ نشأتها والتي من شأنها أن تضيء لنا ما نعنيه بالسلطة من جانب ومكانة التجار المركزية في مفهوم السلطة ونظامنا السياسي من جانب آخر.
بغض النظر عن 'اسطورة' انتخاب الكويتيين الأوائل لصباح الأول حاكما للكويت والتي يرددها مؤرخو السلطة ومثقفيها بلا أدلة منطقية أو شواهد مقنعه وهي بدون شك أسطورة لا تصمد كثيراً أمام التحليل العلمي الجاد والرصين؟ نقول بغض النظر عن تلك الأسطورة يمكننا الانطلاق من حقبة مبارك الكبير الذي تصفه المصادر التاريخية بمؤسس الكويت/الدولة بطابعها الوظيفي! لقد أسس مبارك الصباح دولته التي كانت تمتد الى ما قبل مؤتمر العقير 1922 الى القصيم شرقاً وللزبير شمالا وجنوبا الى جبل منيفة في الشرقية. الشيخ مبارك الذي تصفه المصادر التاريخية 'بأسد الجزيرة' على الرغم من أنه كان يُحبذ لقباً آخر حيث كان يصف نفسه في رسائله الموجهة للإنجليز - والتي نشرها د.سلطان القاسمي في كتابه 'بيان الكويت' - حيث كان يوقعها بكلمة ' خادمكم مبارك', نقول اسس 'الشيخ مبارك' الكويت بنفَس أممي وبجيش عرمرم يتكون من ثمانون ألف جندي تقريبا من أبناء الباديه اللذين قادهم تحت راية أو 'بيرق' ابن صباح, واستطاع مبارك بهذا الجيش - وبتكتيك بريطاني بطبيعة الحال- ان يعزل الكويت عن الدولة أو الخلافة العثمانية وهو ما مهد أيضا لعزل بقية دويلات الخليج العربي ودشن لمرحلة سياسية جديدة في تاريخ الجزيرة العربية ككل والكويت على وجه التحديد وهي مرحله نسميها عادةً بمرحلة الدولة الوظيفة. لا نريد الخوض كثيراً في تفاصيل حقبة مبارك الصباح فهي استثناء ومنعطف جديد في تاريخنا السياسي خصوصا ان مبارك الذي كان يتصف بالجبروت كان يجسد بحق مقولة الملك الفرنسي لويس الرابع عشر ' أنا الدولة والدولة أنا', والملاحظة التي نود تسجيلها هنا ان فترة حُكم الشيخ مبارك كانت تمثل بالفعل 'كابوساً' للتجار الذين كانوا يسيطروا على الميناء والنشاط البحري دون رقابة فعلية أو سلطة مباشرة من أسرة الصباح الحاكمة, لذلك قام مبارك بفرض الضرائب على التجار وشتت جمعهم ولسنا بحاجة الى التذكير بهروب التجار من الكويت بسبب سياسته الاقتصادية الصارمة والمتشددة.
لكن بعد وفاة مبارك وابنيه جابر وسالم - اللذان لم يحكما لفترة طويله - تنفس التجار الصعداء وبدأوا يدخلون في المعادلة السياسية خصوصا بعدما انهكتهم الضرائب التي فرضها مبارك الصباح واستمرت بعهد ابنيه جابر وسالم مما نتج عنه حالة افلاس شبه تامه لطبقة التجار والتي تزامنت أيضا مع ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني الذي ضرب تجارة اللؤلؤ والانشطة البحرية المرتبطة بها, لذلك وبعد وفاة سالم الصباح رفض التجار ولاية احمد الجابر - وهو الحاكم المؤهل لذلك - وجابهوه بعريضة (وثيقة 1921 التي كانت أشبه بقميص عثمان!) تطالب الاسرة الحاكمة بالموافقة على انشاء مجلس شورى يمنح الأعيان من التجار حق ادارة الشؤون التجارية لميناء الكويت تحديدا وإلغاء الضرائب التي انهكتهم, وأنهم - أي التجار- لن يوافقوا على المبايعة إلا للحاكم الذي يقبل بهذه الشروط، ووضعوا بناء على ذلك ثلاثة اسماء من ابناء الاسرة الحاكمة وانهم سيبايعون منهم من يقبل بشروطهم وهؤلاء الثلاثة كانوا في الحقيقة الطامحين والمتنافسين على مسند الإمارة وهم احمد الجابر وعبدالله السالم وحمد المبارك. وبالفعل قبِل احمد الجابر بشروط التجار على مضض للظفر بمسند الإمارة وكان هذا أول انتصار وقيد مباشر تفرضه طبقة التجار على الاسرة الحاكمة, وهو ما يعكس أيضا وبدون أدنى شك موقفاً قوياً وصلباً من قبل طبقة التجار حيث عزز مكانتهم السياسية وأدخلهم بالتالي كطرف مباشر في السلطة أو الارادة السياسية أمام أبناء الاسرة الحاكمة لاحقا فأصبح معظم ابناء الاسرة الحاكمة يحاولون جاهدين كسب ود ورضا التجار طمعاً في دعمهم. لكنها ايضا تعكس من جهة أخرى شروط القوي في معادلة السلطة ذاتها, فالتجار هم من يختار الأمير لا بقية الشعب وهو ما انعكس لاحقاً على تحديد مسار تاريخنا البرلماني الذي وُلد مشوهاً من حيث أنه يعكس علاقة وطبيعة التحالف الاستراتيجي بين الاسرة الحاكمة والطبقة التجارية البورجوازية.
لقد ادرك عبدالله السالم منذ الوهلة الأولى لتولي احمد الجابر الحكم هذه القوة والمكانة المهمة التي لطبقة التجار في معادلة السلطة, فبدأ يتودد لهم متجنباً اثارتهم والصدام معهم بل وحرص على تلبية كل مطالبهم، والدليل علي ذلك انه عندما ساءت علاقة التجار بأحمد الجابر وخصوصا في منتصف الثلاثينيات أي بعد اكتشاف النفط!! بدأ التجار يطالبون بمجلس تشريعي بل ووصل بهم الأمر أولا لمطالبة المقيم البريطاني في الخليج بعزل الاسرة الحاكمة ممثله في أحمد الجابر وتعيين مستشار بريطاني محله لإدارة شؤون الكويت وذلك على غرار الحكم البريطاني في البحرين آنذاك وعندما فشلت تلك المحاولة قام التجار وأنصارهم - وبدعم اذاعة قصر الزهور العراقية وبدعم مباشر من الملك غازي في العراق الذي حرك جيشه للكويت - بمحاولة انقلاب مسلح ضد احمد الجابر وتحصنوا ومن معهم في قصر نايف 'جبهة التجار' بينما تحصنت 'جبهة الأسرة الحاكمة والكويت' أي احمد الجابر وابناء الباديه وخصوصا العجمان والرشايده بقصر السيف وعندما اشتدت المفاوضات وحمي الوطيس ووصلت الى حد الصدام المسلح تدخل عبدالله السالم (الذي يمثل الأسرة الحاكمة وهو أيضا الطامح للحكم) ويوسف بن عيسى (الذي يمثل الأعيان من التجار) ودارت مفاوضات دراماتيكيه انتهت بتسليم مفاتيح مخزن السلاح الذي كان بحوزة التجار ونزع فتيل الأزمة على الوجه الذي انتهت عليه؟! لكن تلك الأحداث والدور المهم والمركزي الذي قام به عبدالله السالم والذي كان يميل بوضوح لمهادنة التجار وتخفيف غضبهم قد اعطى عبدالله السالم مكانه هامه لدى الطبقة التجارية.
وهذا ما تم بالفعل فبعد وفاة احمد الجابر لم يجد عبدالله السالم صعوبة كبيرة في دعم ومساندة التجار له كحاكم خصوصا بعد اعتراف الانجليز به حاكما للكويت في 25 فبراير 1950م الذي تحول - ويا للغرابة- ليوم احتفال وطني! لم يتصادم عبدالله السالم مع الأسر الاقتصادية أو طبقة التجار, بل على العكس تماما, فقد منحهم 'الجمل بما حمل' كما يُقال. وتعتبر فترة حكم عبدالله السالم - وهي أسوأ فترة مرت في تاريخ الكويت السياسي-الاقتصادي! - العصر الذهبي لتكدس الثروة وتورمها في أرصدة الطبقة التجارية. لا يمكننا في هذا المقال السريع ان نسرد كل المكاسب التي ظفر بها التجار في عهد عبدالله السالم - وقد نتطرق لها في مقال آخر - لكن يمكننا القول إجمالاً بأنه قدم لهم كل التسهيلات والمساعدات التي مكنتهم من الاستيلاء على عائدات الثروة النفطية التي وصلت أوجها وذروتها في عهده, بل استطاع التجار صياغة دستور 62 الأجوف لا لتقييد سلطة الاسرة الحاكمة فحسب وانما الإرادة الشعبية الحقيقية برمتها, وكان الهدف من إلغاء الإرادة الشعبية هو ضمان عدم اطلاق الاسرة الحاكمة - والشعب أيضا- يدها للتصرف في عائدات الثروة النفطية وإبقاءها بالمقابل تحت سلطة الطبقة التجارية من خلال شركاتها التي تشرف على هذه الثروة ولن يتم ذلك إلا برسم دولة مؤسسات شكلية! تكون السلطة فيها لمن وضع هذا الدستور ويضع يده بالتالي على مفاصل الاقتصاد, ومن هنا يأتي دستور 62 باعتباره عقدا أو بالأحرى صيغه تفاهميه توافقية بين الاسرة الحاكمة والقوى الاقتصادية وفق مبدأ لكم السلطة - ولو شكلياً- ولنا الثروة كما شرحنا ذلك في موضع آخر.
ان هذا الانتصار أو المكسب الذي احرزته الطبقة التجارية البورجوازية والذي تم تتويجه بإعلان دستور 62 النخبوي عزز من مكانة وقوة هذه الطبقة, فجعل صباح السالم يدور في فلك هذا 'التوافق' الذي تمت صياغته من خلال هذا الدستور, فأخذ بالفعل يسعى لكسب ود التجار أو 'أعيان البلد' واضعي الدستور والداعين له، فحينما طلب عبدالله السالم من التجار ان يرشحوا له نائبا (أي ولياً للعهد) يخلفه في الحكم، يذكر احمد الخطيب في كتابه 'الكويت من الامارة الى الدولة ص 261' بأن صباح السالم عندما علم بهذا الأمر أبلغه - هو وعبدالعزيز حسين وخالد المسعود (وهم حلفاء سياسيين للتجار!)- بأن له علاقات طيبه وتواصل مستمر مع القنصل البريطاني! وانه أيضا لم يتأخر في سداد ديون التجار!! بخلاف غيره من ابناء الاسرة؟ وكانت هذه رساله واضحه من صباح السالم بانه يطلب الدعم من التجار 'لانتخابه' نائباً للأمير أي الأمير الذي سيخلف عبدالله السالم في الحكم، وهذا ما تم بالفعل. وفي عهد صباح السالم كانت المنافسة على اشدها بين جابر الاحمد وجابر العلي على خلافة صباح السالم في الحكم ، ولأن جابر الأحمد كان له دور كبير عندما كان رئيساً لدائرة المالية (وزارة المالية لاحقاً) في اشراك التجار في مشاريع اعمار وبناء الكويت إبان الطفرة النفطية في الخمسينيات والستينيات وكان له أيضا دوراً بارزاً في تمكينهم من مؤسسات الدولة وأهمها المجلس الاعلى ومجلس الإنشاء الذي اشرف على مشاريع الاعمار والتنمية الرديئة في الكويت وهو ما حقق للتجار ثراءً خيالياً فاحشا فكان من الطبيعي ان يُرد له الجميل في ذلك الكرم الحاتمي بدعمه لمنصب الأمير خلفاً لصباح السالم وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!!
أما الخلاف حول منصب الامارة بين فرعي السالم والأحمد فهو قريب عهد وتفاصيله معروفه للجميع وقد صرح أحد الشخصيات المهمة بأن الفضل في تعيين الأمير وبالتالي حسم ذلك الخلاف يعود لعائلة الخرافي التجارية وتحديدا لجاسم الخرافي.
كل تلك الشواهد التاريخية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك فرضيتنا الرئيسية القائلة بأن السلطة, مفهومها وشكلها, يتحدد بناءً على طبيعة هذه العلاقة الضمنية المتينة بين الأسرة الحاكمة والطبقة التجارية وهي علاقه قد لا تكون مكتوبه في دستور واضح المعالم لكنها - كما ذكرنا آنفا- تعتبر مثل 'الكود' الذي يشابه الأعراف القبلية الغير مكتوبة والتي تعمل وتأخذ سلطتها كسلطة غير مرئية أعلى من الدستور ذاته! ومن هنا فإن هذا 'الكود' الخفي والغير معلن صراحةً يجعل من الطبقة التجارية الطرف الأهم والأقوى في معادلة السلطة التي يأتي على رأسها الحق في اختيار الحاكم. مما يعني من جهة أخرى أن الحديث عن مفهوم الشعب هو حديث لا طائل منه ولا معنى له إطلاقاً في ظل هذا المفهوم للسلطة القائم على هذا التحالف الاستراتيجي, ما لم يكُن هذا الشعب طرفاً حقيقياً وفاعلاً في معادلة السلطة والحُكم!
د.أحـمـد عـقـله العنزي
تعليقات