ناصر المطيري يكتب: مسيحي في تنظيم الإخوان!
زاوية الكتابكتب أغسطس 12, 2013, 12:55 ص 1037 مشاهدات 0
النهار
خارج التغطية / مسيحي في تنظيم الإخوان المسلمين!
ناصر المطيري
«القوقعة» عنوان رواية اختطفت مني أيام العيد الثلاثة الماضية فكنت أسيراً لفصولها الشيقة والشاقة حيث مضت بي رواية مصطفى خليفة في رحلة قاسية من عذابات الإنسان في سورية في حقبة زمنية ماضية وكأني أراها تتمثل أمامي اليوم..
مصطفى خليفة مواطن سوري مسيحي الديانة فجأة وجد نفسه في زنزانة السجن الصحراوي في سورية بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين!
إنّه زمن «القوقعة»، حيث يختلط كل شيء. لا حدود فاصلة بين الماضي والحاضر، هي ليست مجرد رواية يقصّها علينا أحدهم. هو نص يختزن الرعب، الخوف، الظلم.. الاحتضار. تدور الأحداث في ثمانينيات القرن الماضي، أثناء احتدام الصراع المسلّح بين النظام السوري والاخوان المسلمين.
يعود «مصطفى خليفة» إلى بلاده من فرنسا، بعد حصوله على إجازة في الاخراج السينمائي. «بلادي (سورية) في حاجة إليّ أكثر من أي دولة اخرى». وهكذا كان. يترك مصطفى خلفه كل شيء: صديقته، مقاهي باريس، حقوق الإنسان، البيرة، وأشياء اخرى..
يصل إلى المطار. يوقفه الأمن السوري. يأخذونه إلى التحقيق، بتهمة الانتماء إلى تنظيم «الإخوان المسلمين»، علماً انه مسيحي حسب الهويّة، وملحد في المعتقد. وهناك، يختفي مصطفى لمدّة 13 سنة، ثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوماً، في سجون النظام.
يسرد مصطفى يوميّاته كما عايشها. من يومه الأول في التحقيق، حتى آخر لحظة خرج منها من السجن. نصّه البسيط، الواقعي، والفجّ ينقلك دون تكلّف، إلى مساحات مليئة بالحقد، الكراهية، والذل. لم يكن في حاجة للأسلوب الأدبي الجذاب ليدخلك إلى ذلك العالم المظلم. ربّما الوضع المزري الذي عايشه طيلة تلك الفترة كان كافياً ليتجذّر في شخصيته، وذاكرته ومستقبله.
يدخل مصطفى إلى عمق المجتمع، من ثقب جدار الزنزانة، التي يتلصّص من خلالها على ساحة السجن الصحراوي. هناك، يلتقي بالأبرياء، المقاتلين، المناضلين والمجرمين. يلتقي بأطفال، شباب، رجال وعجزة. يلتقي بمثقّفين، خرّيجي جامعات، أطبّاء وغيرهم. يلتقي بالحمر (أي الشيوعيين واليساريين)، والخضر (أي الإسلاميين بكل تياراتهم الفكرية والسياسية). جميعهم سجناء النظام.
للحظة، يطغى الخيال على النص. من أساليب التعذيب المبتكرة إلى طريقة التعامل مع السجناء، مروراً بالأجواء داخل السجن (ظروف صحيّة، الأمراض المعديّة، علاقة السجناء ببعضهم بعضاً). ولكن الأحداث بفجاجتها تفرض ذاتها على النص، لتذكّر القارئ بأن ما يقرأه هو وقائع حقيقية، جرت فعلاً في مكان ما في سورية.
هو نظام مريض، التراتبية العسكريّة تسيطر على تفاصيله. تترك الرواية لدى القارئ انطباعات كثيرة عن المجتمع، النظام والحركات الدينيّة المتشددة. من خلالها، تستطيع أن تفهم أكثر بنية العلاقات الأمنية داخل النظام، وتعرف اكثر من أين تستمد الحركات الدينيّة تعصبها في مواجهة النظام القائم، وأسباب صمود السجناء في ظل ظروف حياتيّة قاسية وظالمة وقاهرة.
أهميّة النص، رغم طابعه الروائي، الذي كتبه مصطفى خليفة بأنه أرّخ، بشجاعة، لحقبة خاف الكثيرون من الكتابة عنها، وتعريتها. أرّخ لحقبة مندثرة من التاريخ الحديث لسورية، سترسم ملامح حقبات مضت واخرى حاضرة وما سيأتي على المشرق عامةً، وسورية خاصة.
تعليقات