مصر بين الشرعية والشريعة
زاوية الكتابخالد الطواري: الدستور الجديد والازمة الاقتصادية اسباب ثورة 30 يونيو
كتب أغسطس 12, 2013, 8:13 ص 3142 مشاهدات 0
أزمة مصر ينقسم الغالب فيها الى متخذ لراي من منطلق اسلامي شرعي او من يبني رأيه وموقفه على اسس ديموقراطية
وكلاهما وجهات نظر تحترم وتناقش على حسب الاسس والمعايير سواء كانت أسس و قواعد شرعيه اذا كان المنظور شرعي او على أسس و مبادى الديموقراطية اذا كان الموقف مبني على اساس ديموقراطي
لكن البعض للأسف لا يكاد يكون له معيار ثابت او منظور واضح فتجده تارة يتحجج بالأسس والمبادئ الديموقراطية وتارة أخرى يستشهد بالقواعد الشرعية الاسلامية عن ولي الامر الذي تختلف عن المبادئ الديموقراطية فيقع بتناقض كبير!
وفي وسط هذا اللبس والتداخل كتبت هذا المقال لأبين وجهة نظري بالمعيارين المختلفين ورأيي فيهما
من الناحية الديموقراطية الدستورية 'الشرعية'
الرئيس مرسي حصل على الرئاسة بانتخابات حرة ونزيهة وهو رئيس شرعي ومن الجدير بالذكر انه لم ينل على الاغلبية المطلقة او الساحقة بل كان بفارق ضئيل عن منافسه الذي يمثل نظام ما قبل الثورة وبنسبه %51 وهذا يدل على انقسام حاد بين الشعب حتى قبل توليه الرئاسة وهو ما يفسر ما حصل لاحقا
خلال فترة حكمه التي امتدت لسنة حدثت الكثير من الامور الذي اثارت غضب اجزاء مختلفة من الشعب منها ما هو دستوري كالإعلان المكمل والاستفتاء على الدستور ومنها ما هو اقتصادي كالأزمة الاقتصادية وازمة الكهرباء والبنزين ومنها ما هو سياسي كالاستقالات الاحتجاجية من شخصيات الاحزاب المختلفة خصوصا اليسارية الذي شاركت بمناصب مختلفة في بداية حكم الرئيس مرسي ومنها ما هو اجتماعي ديني كالتقارب المصري الايراني وما دار عن نشر التشيع مما اثار التيار الديني المحافظ
وان كانت جميع الاسباب السابقة ساهمت بالوصول لأحداث 30 يونيو ولكن اكبر قضيتين المسببتان لنزول الشعب للشارع في 30 يونيو بأعداد كبيرة هما الدستور الجديد والأزمة الاقتصادية
الدستور صيغة توافقية يحتكم لها الشعب لأجيال طويلة قادمة وكان يجب ان تتم بتوافقية ومشاركة وموافقة اكبر عدد ممكن دون اقصاء او تفرد لكن عندما بدأت الخلافات مع بداية صياغة الدستور والاستقالات من مجموعة من الاحزاب من لجنة تشكيله أخطأ الاخوان بالاستمرار بصياغته بتفرد دون مفاوضات مع المنسحبين او حتى تقديم تنازلات للوصول لصيغه توافقية على دستور يحتكم له الجميع مما جعل الاحزاب المعارضة تعلن مقاطعتها للاستفتاء على الدستور وهذا ما تم حيث صوت على الدستور 32.9% فقط من الشعب المصري. 63.8% فقط صوتوا بنعم
اي ان من وافق على الدستور الجديد هو 21% فقط من ناخبين الشعب المصري !!
اما الازمة الاقتصادية فانا متيقن انه لدول اقليمية وخصوصا الخليجية واحزاب داخلية داخل مصر دور فيها وانا ما حصل في مصر هو 'خنق' اقتصادي لنظام الاخوان الحاكم
لكن دون الخوض بالتفاصيل ومبررات هذه القوى الخارجية والداخلية لمعاداة نظام الاخوان فالسؤال الأهم هل هناك حكم بالتاريخ لم يكن له اعداء داخليون وخارجيون يحاربونه ويتمنون فشله؟ فأما ان يتجاوز النظام الحاكم العقبات الموضوعة امامه فينتصر او لا يتجاوزها فيفشل ويندثر
النشطاء السياسيون هم من اثار حنقهم مشكلة الدستور اما عامة الشعب والمواطن المصري البسيط فانه لا ينزل للشارع بهذه الطريقة الا اذا 'انضرب' بجيبه كما يقولون وهذا كان بالأزمة الاقتصادية وانقطاع الكهرباء وازمة البنزين وقد زرت شخصيا مصر في شهر مايو ورأيت الكثير من المصريين يتذمرون من سوء الاحوال الاقتصادية
هذا اوصل مصر لحالة من الغليان ما قبل 30 يونيو وشعبية الرئيس مرسي التي بدأت ب51% يوم فوزه بالرئاسة تناقصت بشكل كبير جدا وكانت المطالب الاولية للمعارضة هي تغيير النائب العام وتشكيل حكومة ائتلافية فقط ولكنها قوبلت بالرفض مما زاد من حالة الغضب حتى ارتفع سقف المطالب ووصلت لمطلب الانتخابات رئاسية مبكرة
الانتخابات الرئاسية المبكرة ليست بدعة ديموقراطية فهي ممارسة متعارف عليها بالديموقراطية تطالب بها المعارضة احيانا في حال الانخفاض الشديد لشعبية الحزب الحاكم واحيانا الحزب الحاكم نفسه يطلبها اما ليسلم الحكم للمعارضة خصوصا اذا كانت هناك ازمة اقتصادية فيحرجها اما الشعب او احيانا اذا كانت شعبيته مرتفعة جدا فانه يدعو لها لتمديد فترة حكمه اذا شارفت على الانتهاء
ولعل اقرب مثال لازمة مصر هو استقالة الرئيس الفرنسي شارل ديجول سنة 1969 قبل أن يكمل مدته الدستورية، وذلك حينما لم يمنحه الشعب الفرنسي نسبة التأييد في الاستفتاء على اصلاحاته الدستورية المقترحة، هذا وديغول هو بطل تحرير فرنسا !
الوضع بمصر في 30 يونيو كان يستلزم حل لأنهاء حالة الاحتقان والغضب الشعبي وان كان مرسي قد قبل بعزل النائب العام وتشكيل حكومة ائتلافية في آخر خطاباته لكنه كان متأخرا جدا فالمطالب ارتفعت مزهوة بحالة الغضب الشعبي العارمة وأصبحت اما التنحي او انتخابات مبكرة وهو ما رفضه مرسي وكان هذا السبب الذي يحتج به الجيش لتدخله وعزل مرسي لأنهاء حالة الاحتقان وتجنب حرب أهلية على حد تعبير قياداته.... وكم تمنيت أن تتم انتخابات مبكرة وتجنبت مصر هذه الأزمة فلقد كنت ارى الانتخابات المبكرة الحل الأسلم في حينها
ما حدث بعد عزل مرسي هو الاغرب فعدة دول ومنها دول الخليج سارعت بالاعتراف بالنظام الجديد بمصر والدول العظمى بالعالم آثرت الصمت خصوصا بالبداية وغض الطرف عما يدور في مصر وطالبت على استحياء بعودة 'نظام' ديموقراطي مدني للحكم بأسرع وقت دون تحديد ان كان هذا النظام السابق المعزول او نظام جديد وكأن لسان حالها يقول انتهوا سريعا من التغيير واجراء انتخابات حتى نعترف بالحكم الجديد ولا تحرجوننا مع شعوبنا ولا نناقض مبادئنا الديموقراطية امام العالم
فقط تركيا هي الدولة الوحيدة المؤثرة نوعا ما الذي احتجت علنا على ما حدث في مصر وطالبت بعودة الرئيس المعزول مرسي
وهذا يدفعني للتساؤل ما السياسة الخارجية الفاشلة جدا الذي انتهجها الاخوان حتى تجتمع الدول العظمى والعالم على تنفيذ مثل هذه المؤامرة على حد قولهم؟ اليس وظيفة السياسة الخارجية ايجاد حلفاء والمحافظة على علاقات قوية مع مراكز القوى بالعالم لضمان عدم حدوث مثل هذا الشيء؟!
كانت خيارات الاخوان بعد عزل مرسي مباشرة أربعة فقط
1- محاولة خلق ضغط عالمي دولي بقيادة دول عظمى رافض لعزل الرئيس مرسي واجبار الجيش على اعادته لمنصبه واعادة الحياة المدنية والديموقراطية لمصر
2- محاولة شق صف الجيش المصري وانقسامه حيث يتراجع السيسي طوعا او قصرا عن عزل مرسي واعادة الجيش لمرسي رئيسا كما حدث بانقلاب فنزويلا على شافيز الذي عاد بعد 48 ساعة
3- القبول بالأمر الواقع وما حصل والمشاركة بالعملية السياسية القادمة وكأن شيئا لم يكن
الخيارين الاول والثاني لم يتمكنوا من تحقيقهم واما الخيار الثالث فمرفوض لديهم خصوصا بعد الملاحقات السياسية والتهم التي اتهموا فيها قيادات اخوانية ومن بينهم مرسي نفسه
وهنا اختار الاخوان الخيار الرابع وهو المواجهة والتصعيد والرفض بالنزول للشارع وعلى الرغم ما يخدعون فيه اتباعهم لضمان بقائهم بالميادين فهم يعلمون يقينا ان هذا لن يؤدي لعودة مرسي رئيسا ولكن يضعهم في موقف اقوى للمفاوضة حول شروط التهدئة خصوصا بعدما خرجوا بعد عزل مرسي من المولد بلا حمص كما يقولون
ولعل اهم ما يسعى له الاخوان بالتفاوض من موقف قوة هو ايقاف الملاحقات السياسية واسقاط التهم وضمانات سياسية واقتصادية عدة حول حزبهم ومواردهم المالية وقد يكون لهم مطالب مستقبلية ايضا للنظام السياسي القادم
وهذا ما اتوقع ان يتم بالأيام المقبلة وألا دخلت مصر بنفق دموي مظلم
من الناحية الشرعية “الشريعة'
أنا لست شيخ دين ولا طالب علم ولكن مما افهمه واعتقده وهو راي يحتمل الخطأ ان مرسي ولي أمر مسلم ولا يجوز عزله وما تم خطأ ولو كان هناك القدرة العسكرية والسياسية الداخلية والخارجية على حد سواء على اعادته لمنصبه لكان هذا واجبا ولكن لعدم توافر تلك القدرة اصبح الجيش في حكم الحاكم المتغلب ولا يخرج عليه حقنا لدماء المسلمين ومن باب درء المفاسد والدعوة للخروج على الجيش بهذه الطريقة تهلكة لدماء السلمين وتعريضهم لفتنة وقوة لا يقدرون عليها وحتى لو لم يعتبر الجيش ولي أمر للمسلمين متغلب
ولعل مما يطرأ على بالي كلام قرأته للدكتور عجيل النشمي-وهو المقرب من الاخوان المسلمين- نشر بجريدة الوطن ما نصه ' لأن يظل الحكم عسكريا أهون من ان تستحل الدماء لان حساب الدماء لا يعدله شيء'
خالد مطلق الطواري
تعليقات