انهيار الذهب يفشل في إقناع محبيه بالتخلي عنه بقلم جاك فارشي
الاقتصاد الآنإبريل 22, 2013, 4:15 م 1439 مشاهدات 0
عندما بدأ ديفيد جورنول المتاجرة في المعادن النفيسة وهو في الـ 21 من عمره عام 1981، كان يتخوف من نهاية الأسبوع. كان هناك عدد قليل فقط من الشجعان ممن لديهم الاستعداد للتداول بعد ظهر يوم الجمعة من كل أسبوع، لأنه كان من المحتمل أن تنهارالأسعار بحلول يوم الإثنين.
جلب له هذا الأسبوع ذكريات الماضي. ففي يوم الإثنين الماضي عانى الذهب انخفاض أسعاره بنسبة 8.5 في المائة، وهو أقوى هبوط للأسعار منذ عام 1983، حين كانت آخر سوق صاعدة تعاني سكرات الموت، وحين كان تأَرْجُح الأسعار يومياً بنسبة 10 في المائة أو أكثر يعتبر شيئاً عادياً.
يقول جورنول، رئيس رابطة سوق السبائك في لندن، وأحد أكبر متداولي الذهب سناً في العالم: ''أشعر وكأننا عدنا لتلك الأيام الخوالي''.
وحرك الانهيار في أسعار الذهب موجات من الفزع في عالم الاستثمار. وبعد عشر سنوات من الأسعار المرتفعة، لم يعد الاستثمار في الذهب حكراً على عدد قليل من المختصين وجامعي العملات، ولكنه أصبح موضع اهتمام عام بين غالبية المستثمرين الذين تراوح فئاتهم من صناديق المعاشات وأوقاف الجامعات إلى المودعين والمتقاعدين من سولت ليك سيتي إلى شنغهاي.
لكن التفاؤل حول استمرار الارتفاع في الأسعار تبخر الأسبوع الماضي، عندما هوى الذهب 243 دولاراً في الفترة من صباح يوم الجمعة إلى مساء يوم الإثنين، وهو أكبر تغير في الأسعار يتم تسجيله بدلالة الدولارات، وثالث أكبر تغير من حيث النسبة المئوية.
ويقول عاملون في المصارف وضعوا سماعات الهاتف بجانب الجهاز حتى لا تأتيهم مكالمات، إن هواتفهم ظلت ترن طوال النهار بمكالمات مليئة بالتخوف من العملاء الموسرين الذين تم إقناعهم بإبقاء ما بين 2 و10 في المائة من ثرواتهم في الذهب.
وبحسب بول كرون، المؤسس وكبير الإداريين الاستثماريين الرئيسين في سيترين كابيتال مانجمنت، صندوق التحوط الذي يركز على المعادن: ''تحركت الأسعار خلال 24 ساعة كما تحركت في سنة كاملة، وصُعِق كثير من الناس بسبب ذلك''.
ربما كان المستثمرون في الذهب مصدومين، لكنهم لا يستطيعون الادعاء بأنه لم يتم تحذيرهم. فقد تمتعوا بارتفاعات فلكية طوال عقد من الزمان، عندما حلقت الأسعار بنسبة زادت على 600 في المائة لتصل إلى 1920 دولاراً للأونصة في أيلول (سبتمبر) 2011، في الوقت الذي اجتاحت فيه المخاوف النظام المالي ودفعت المستثمرين باستمرار للبحث عن ملجأ في المعدن النفيس.
لكن عند كل ارتفاع جديد في الأسعار كان هناك مكابر رافض يعتبر الذهب استثماراً غير عقلاني. ووصف جورج سوروس الذهب بأنه ''الفقاعة الفائقة في الأصول'' – على الرغم من بقائه مستثمراً في الذهب حتى أواخر العام الماضي، عندما باع جميع مقتنياته تقريباً من الذهب. أما وارين بوفيت، فقد سخر من المستثمرين في الذهب بقوله ''إنهم يستخرجون الذهب من الأرض فقط لدفنه مرة أخرى ثم يدفعون للناس للبقاء حوله لحراسته''.
وعلى مستوى أيديولوجي أقل، أخذ متداولو الذهب يفقدون حماستهم له بعدما وعد ماريو دراجي في تموز (يوليو) الماضي بأن البنك المركزي الأوروبي سيفعل ما في وسعه للحفاظ على عملة اليورو.
ومنذ ذلك الحين، عادت لليورو عافيته، وصعدت أسواق الأسهم وابتعد مركز اهتمام المستثمرين عن الذهب. ويقول تروي جايسكي، وهو مدير أول للمحافظ في مؤسسة سكاي بريدج التي تستثمر في صناديق التحوط: ''بدأ المستثمرون يتساءلون: لماذا كان علينا أن نمتلك هذا الشيء مرة أخرى؟''.
وهناك عوامل خاصة بالذهب ألقت بثقلها على السوق. مثلاً، انخفضت مشتريات الذهب بصورة حادة في الهند عام 2012 عندما تباطأ النمو الاقتصادي فيها وزادت الحكومة الضرائب على الواردات، في محاولة للتقليل من عجز في الحساب الجاري. وكان الطلب الصيني على الذهب، الذي حلق عالياً في العام السابق، ثابتاً إلى حد كبير في العام الماضي وسط نمو اقتصادي ضعيف.
هذا الطلب المخيب للآمال من البلدين اللذين يشكلان معاً نحو 40 في المائة من الاستهلاك العالمي للذهب، كان يعني أن مشتريات المستثمرين الغربيين أصبحت أكثر أهمية لدعم أسعار المعدن النفيس.
لكن ذلك الشراء لم يحدث، فالصناديق المشتركة التي يجري تداولها في البورصات، والتي ساعد إنشاؤها منذ عقد من الزمان على ترويج الاستثمار في الذهب، بدأت برمي مقتنياتها في الأسواق. وباعت في أول ثلاثة أشهر من العام رقماً قياسياً بلغ 132 طناً من الذهب، وهو ما يعادل الإنتاج السنوي لجنوب إفريقيا.
وأصبح المدى الذي ابتعد فيه المستثمرون عن حبهم للذهب واضحاً الشهر الماضي، عندما هددت اتفاقية إنقاذ قبرص من ديونها برمي منطقة اليورو مرة أخرى في الأزمة. وأدت فصول مماثلة من ارتفاع الأسعار لرفع الذهب إلى مستويات عليا جديدة، لكن الأسواق لم تكترث هذه المرة، حيث بلغت نسبة الارتفاع أقل من 2 في المائة.
وعندما تبين في الأسبوع الماضي أن قبرص وافقت على بيع ذهبها للمساعدة في عملية الإنقاذ، انقلب الانزلاق الهادىء إلى اندحار. وقال جوناثان سبول، مدير قسم المعادن النفيسة في بنك باركليز، إن هذا كان ''نقطة التحول'' بالنسبة لأسواق الذهب. وقال بنك جولدمان ساكس إن بيع قبرص لذهبها يمكن أن يكون بداية ''لعملية أوسع لتسييل احتياطيات الذهب عبر البنوك المركزية الأوروبية الأخرى''، وأوصى بالمراهنة على انخفاض أسعار الذهب.
وبعض صناديق التحوط فعلت ذلك بالضبط، ما ساعد على البدء بسلسلة عمليات بيع دفعت بالأسعار في البداية إلى أقل مستوى لها منذ عشرة أشهر، ثم إلى أدنى مستوى منذ سنتين. وقال مدير قسم المعادن النفيسة في بنك كبير يتعامل في الذهب: ''شعرنا بالخوف الشديد إلى درجة أننا عجِزنا عن الحركة. لم يكن أحد يتوقع ما حدث''.
لكنّ للذهب سحراً قوياً. وسيحتاج الأمر إلى أكثر من انهيار الأسعار الأسبوع الماضي لإقناع المتحمسين له ببيع ما لديهم.
ويشبه فيليب كالبويك، العضو المنتدب في شركة بريشَس ميتالز الاستشارية في هونج كونج، أكثر المتحمسين للمتاجرة في الذهب بعصبة حرب العصابات ''بِتر ـ إندرز''، وهي مجموعة من عصابات حرب البوير التي بقيت تحارب حتى بعد أن أصبح واضحاً أنهم خسروا الحرب. ويقول: ''إذا نظرت إلى آخر فترة من السوق الهابطة، فستجد أن المؤمنين الصادقين استغرقوا وقتاً طويلاً للغاية قبل البدء بعملية البيع – أو كان عليهم الانتظار حتى يموتوا ثم يقوم أبناؤهم ببيع ذهبهم''.
ومن بين أهم البارزين من ''بِتر ـ إندرز'' اليوم جون بولسون، الملياردير ومدير صندوق التحوط الذي برز اسمه عندما راهن ضد صندوق الإسكان في الولايات المتحدة قبل الأزمة المالية. ففي 2009 قرر بولسون تحويل جزء كبير من موجوداته إلى ذهب بدلاً من الدولار، ما جعله واحداً من أكبر المالكين لسبائك الذهب في العالم. وهو يجادل بأن القرار الذي اتخذه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنوك مركزية أخرى للانخراط في التسهيل الكمي، أو ''طباعة النقود''، سوف يؤدي في النهاية إلى انفلات التضخم وتخفيض قيمة العملات الورقية مثل الدولار. لكن انهيار الأسعار الذي حدث الأسبوع الماضي لم يجعله يغير رأيه.
ويقول جون ريد، الشريك والمحلل الاستراتيجي لدى شركة بولسون وشركاه: ''استمرت الحكومات الفيدرالية بطبع العملة بمعدل لم يسبق له مثيل، وبذلك خلقت الطلب على الذهب باعتباره بديلاً عن العملة. وفي حين أن من الممكن أن يكون الذهب متقلباً في المدى القصير، وأنه يمر بمرحلة من التعديلات الدورية، إلا أننا مقتنعون بأنه لن يكون هناك أي تغيير في الاتجاه العام في المدى البعيد الذي يتسم بزيادة الطلب على الذهب بدلاً من الطلب على العملة الورقية''.
لكن تداولات بولسون أخذت تفقد حظوتها لدى الآخرين. فعلى الرغم من ثلاث جولات من التسهيل الكمي قام بها الاحتياطي الفيدرالي، والبرامج دائمة التوسع التي تضعها البنوك المركزية في سويسرا وبريطانيا واليابان، يظل التضخم منخفضاَ وتوقعات السوق بخصوص التضخم المستقبلي تظل خافتة.
وفي الحقيقة، يعتقد بعض المتداولين أن الأثر التضخمي لكل جولة من جولات التسهيل الكمي كان يتناقص في كل مرة، ولم تجلب الجولة الثالثة والأخيرة في الصيف الماضي إلا قدراً قليلاً من الارتفاع في أسعار السلع. والوعد الشجاع الذي قطعه بنك اليابان على نفسه بمضاعفة القاعدة النقدية للبلاد بنهاية السنة المقبلة لم يفعل شيئاً يذكر لتحريك هذه القناعات.
ويقول توم كيندال، محلل المعادن النفيسة في بنك كريدي سويس: ''هناك خوف ضمني من عودة الانكماش الاقتصادي مرة ثانية للأسواق. تستطيع البنوك المركزية أن تضمن السيولة والمخاطر المالية، لكنها تستنفد طاقتها القتالية من حيث دفع الاقتصاد إلى الأمام''.
ويعتقد بعض المستثمرين المنافسين أن بولسون سيثبت أنه على حق، إذ أكد المستثمران البارزان، ري داليو من صندوق بريدجووتر، وبيل جروس من مؤسسة بينكو، الأسبوع الماضي رأيهما الذي يقول إن أسعار الذهب ستتحسن.
لكن التمسك بهذا الرأي من الممكن أن يكون مكلفاً. ويقول كلابويك: ''هذا الإجماع على أن التقشف خاطئ، وأن السياسة النقدية الفضفاضة أكثر فأكثر هي الصحيحة، وأن على المقرضين أن يتحملوا الضربة، هذه كلها أمور تتعلق في نهاية المطاف بالتضخم العالي والأسعار العالية للذهب. لكن ربما تمضي سنوات قبل أن يحدث ذلك''.
في هذه الأثناء، يصبح الاستثمار في الذهب بصورة متزايدة مثل مسألة التمسك بالعقيدة: سيكون هناك تصخم أعلى، ولن تكون الحكومات قادرة على عمل شيء حيال ذلك.
ولا يوجد عجز في الطلب على مثل هذه العقيدة: حتى في الوقت الذي كان فيه بولسون مشغولاً الأسبوع الماضي بإيقاف المكالمات الهاتفية الآتية من المستثمرين، كان هناك الآلاف من الناس ممن تقل قيمتهم الصافية عنه يشترون الذهب.
ويقول مصرفيون إن الطلب على الذهب في شكله المعدني كان هائلاً، ووصل إلى أقوى مستوياته منذ عدة سنوات، إذ كانت صفوف المشترين تتشكل خارج محال بيع الذهب عبر آسيا، وتجار قِطع العملة في الولايات المتحدة استنفدوا مخزونهم.
وفي محل كايباي، أكبر محل لبيع الذهب في بكين، اصطف الناس صباح يوم الجمعة في طوابير لشراء ألواح الذهب. وقالت امرأة كانت تنتظر دورها: ''أنا هنا لشراء ألواح الذهب لأن أسعاره منخفضة''.
ويقول سونيل كاشياب، رئيس قسم المعادن النفيسة والعملات الأجنبية في بنك نوفا سكوشيا في آسيا، وهو متعامل رئيسي في سبائك الذهب: ''الطلب المادي مذهل تماماً، هناك خوف حقيقي من التضخم''.
ولا يرى المشترون سبباً يذكر للبيع لمجرد أن الأسعار انخفضت. وتتساءل توبينا كاهن، التي تدير محلاً للمجوهرات في شيكاغو: ''إذا لم يكن جون بولسون قلقاً بخصوص سعر الذهب، فلماذا يُفترض أن أشعر أنا بالقلق؟ أنا لن أبيع ذهبي أبداً يا حبيبي، لا مجال لذلك. أنا فقط أقوم بتلميعه، وهذا يجعلني سعيدة''.
تعليقات