تنافر بين سوقي العمل والتعليم في الولايات المتحدة بقلم إدوارد لوس
الاقتصاد الآنإبريل 22, 2013, 4:13 م 995 مشاهدات 0
حين سأل توني بلير المستشارةَ الألمانية أنجيلا ميركل عن سر المتانة التي تتمتع بها ألمانيا، قالت: ''لأننا لا نزال نصنع الأشياء''. وهو سؤال تسمعه كثيراً في الولايات المتحدة هذه الأيام. وسيكون من قبيل المبالغة أن نقول إن ألمانيا أصبحت مثالاً يُحتذى من جديد، فهناك قدر كبير من الاعتراض على طريقة برلين في معالجة أزمة اليورو على نحو يحول دون أن تُعتبَر ألمانيا كذلك. مع ذلك حين يتعلق الأمر بسوق العمل، تعاني الولايات المتحدة حالة متصاعدة من ''الشعور بالحسد نحو ألمانيا''، على حد تعبير أحد المحللين.
يقول إريك شبيجل، الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز في الولايات المتحدة، وهي الشركة التي تميزت بأن باراك أوباما استشهد بها في آخر خطابين له عن حالة الاتحاد: ''يسألني الناس باستمرار ما هو سر نجاحنا''. إن قيام الرئيس الأمريكي بإيراد اسم شركة ألمانية ربما يبدو أمراً غير ذي شأن – رغم أن التنفيذيين في الشركات المنافسة الصامتة، مثل جنرال إلكتريك، لا ينظرون إلى الأمر بهذه الطريقة. لكن أوباما كان فقط يكرر ما كان يقال على نطاق واسع على لسان كثير من زعماء الأعمال واتحادات العمال في الولايات المتحدة. فقد تساءل عضو ديمقراطي في مجلس الشيوخ من الوسط: ''هل نستطيع تكرار الأنموذج الألماني؟''.
إذا كان القصد هو التكرار بصورة شاملة ''بقضها وقضيضها'' فالجواب سيكون بالنفي. ذلك أن ألمانيا توجه تقريباً نصف طلاب الثانوية فيها للدراسة في الفرع المهني ابتداء من عمر 16 سنة. وهذا من شأنه أن يعتبر في الولايات المتحدة تقسيما زائدا عن الحد، بل وحتى مناقضا للروح الأمريكية. وأكثر من 40 في المائة من الألمان يصبحون ''تلاميذ تحت التدريب''، أما في الولايات المتحدة فإن 0.3 في المائة فقط من القوة العاملة تفعل ذلك. لكن لأن معدل المشاركة الأمريكية في العمل مستمر في الهبوط – في الشهر الماضي قرر 496 ألف أمريكي آخر التوقف عن البحث عن عمل – فإن كثيراً من السياسيين الأمريكيين ينقبون في ألمانيا بحثاً عن أجوبة.
وأصبح الأمر لافتا. ففي الفترة الأخيرة قام ريك سنايدر، حاكم ولاية متشيجان الجمهوري، وجون كاسيش، حاكم ولاية أوهايو الجمهوري، بجولة في الأكاديميات المهنية في ألمانيا. بل إن السفارة الألمانية في واشنطن وضعت برنامجاً بعنوان ''مبادرة المهارات'' للإجابة عن جميع الأسئلة الآتية من أواسط أمريكا.
وقال دبلوماسي ألماني: ''هذا ليس أحد البلدان النامية، وبالتالي لسنا بحاجة إلى إرسال فرق من الخبراء الفنيين إلى الميدان. كل ما نحاول فعله هو الإجابة على حب الاستطلاع بخصوص الأنموذج الألماني''.
وكلما استمر الانتعاش الاقتصادي في ضعفه، ازداد حب الاستطلاع المذكور. وتواجه الولايات المتحدة تبايناً يزداد اتساعا بين احتياجات سوق العمل وما يُنتِجه النظام التعليمي.
وهناك جانبان لهذه المفارقة الظاهرية. الأول، أن الولايات المتحدة تفتقر إلى المهارات. فلديها نسبة بطالة عالية في وقت توجد فيه 3.5 مليون وظيفة متاحة، وفقاً لمكتب إحصائيات العمل. ويجادل بعض الاقتصاديين بأن ''فجوة المهارات'' الأمريكية هي أمر وهمي – فلو كان هناك نقص في المهندسين لكان هناك تضخم في الرواتب، وهو ما لم يحدث. ويبلغ متوسط تكلفة ساعة العمل للعامل الأمريكي في قطاع التصنيع 32 دولاراً، بينما يبلغ 48 دولاراً في ألمانيا. ومع ذلك يصر أصحاب العمل الأمريكيين على أن النقص في العمالة الماهرة مشكلة متزايدة.
ويغلب على الولايات الأمريكية أن تتنافس فيما بينها في تقديم الإعفاءات الضريبية. وهذا الأمر مفيد للكازينوهات، لكن كثيراً من الولايات، مثل متشيجان وأوهايو، تدرك الآن أن أكثر ما يطمع فيه المستثمرون الراغبون هو العمالة الماهرة. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأخيرة من بين 29 بلداً من حيث الاستعداد للعمل لدى الذين يغادرون المدارس الثانوية. كما أن 46 في المائة من الذين يذهبون إلى الجامعات لنيل شهادة بعد أربع سنوات يخفقون في إكمال دراستهم في ست سنوات. ويقول تنفيذي أمريكي رفيع المستوى في شركة ديملر الألمانية لصناعة السيارات، التي توجد لديها عدة مصانع في الولايات المتحدة: ''إن الحصول على إعفاء ضريبي لا يعوِّض عن وجود خطة أعمال سيئة، كل ما في الأمر أنه يؤجل الألم. إذا كانت لديك خطة جيدة، فإن ما ينبغي أن تبحث عنه هو أشخاص يتقنون العمل''.
والجانب الثاني هو أن هناك عدداً كبيراً من حاملي الشهادات الجامعية في الولايات المتحدة يعملون في أعمال لا تحتاج إلى مؤهلاتهم. فنحو نصف الأمريكيين الذي يحملون شهادات يعملون في وظائف لا تحتاج إلى تلك الشهادات، وفقاً لدراسة أجراها مركز القدرة والإنتاجية الجامعية. و15 في المائة من سائقي سيارات الأجرة في أمريكا يحملون شهادات، بعد أن كانت هذه النسبة 1 في المائة في 1970. بالمثل، 25 في المائة من موظفي المبيعات من خريجي الجامعات، بعد أن كانت 5 في المائة في 1970، بل إن نسبة مذهلة تبلغ 5 في المائة من عمال النظافة يحملون شهادة البكالوريوس. ولا بد أن عملهم يعطيهم لحظات ليلية لا نهاية لها للندم على القروض التي اضطروا للحصول عليها في سبيل الدراسة الجامعية. ولا تنسجم سوق العمل وسوق التعليم بصورة جيدة إلا في رأس النظام. ذلك أن حملة الدكتوراه وشهادات الدراسات العليا هم الفئة الأمريكية الوحيدة التي تتمتع برواتب متصاعدة، وفي الغالب تكون متصاعدة بصورة عجيبة.
والجواب بسيط بالنسبة لشركة مثل سيمنز التي يعمل لديها 60 ألف موظف في الولايات المتحدة، والتي أدخلت منذ فترة قريبة تصنيع القطارات إلى الولايات المتحدة (في مصنع بالقرب من ساكرامنتو). وهو أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إنعاش نظام الكليات المتوسطة التي تمنح درجات مهنية بعد دراسة سنتين لكنها عطشى للتمويل. كذلك على الولايات المتحدة أن تقع من جديد في غرام نظام التلاميذ تحت التدريب. وقد بدأ بنجامين فرانكلين حياته المهنية متدرباً في مطبعة في بوسطن. وكثير من اتحادات العمال الأمريكية، مثل المختصين في القطع الصحية وتصنيع المراجل، كانوا يدربون هؤلاء العمال بأنفسهم. ولعل من الأفضل أن يتذكروا تاريخهم.
والآن ربما تكون عين سيمنز على شهادة ثالثة من أوباما. فقد تلقت الشركة في الفترة الأخيرة ألفي طلب للتوظيف للحصول على 50 وظيفة شاغرة في نورث كارولينا. ولم ينجح في اختبار القابلية سوى 10 في المائة منهم. وتدرب سيمنز الآن ستة أشخاص من تاركي الثانوية بتكلفة 165 ألف دولار لكل شخص تحت التدريب، للعمل في وظائف مهجنة تجمع بين الهندسة الميكانيكية وعلوم الكمبيوتر. ويعمل هؤلاء في وظيفة مشرفين على الروبوتات. وتأمل سيمنز في أن يتوسع برنامج ''العاملين تحت التدريب'' في الولايات المتحدة. وهي تُخَرِّج عشرة آلاف عامل تحت التدريب في ألمانيا، وهي بلد يبدو أنه يعاني مشكلات أقل من حيث نقص العمالة الماهرة، أو زيادة المؤهلات على الوظائف. ويقول شبيجل: ''هناك إمكانية عظيمة من أجل إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة. لكن إذا كانت الشركات تعاني مصاعب في العثور على أشخاص مؤهلين، فإن كثيراً من هذا لن يتحقق''.
تعليقات