خطر الاستمرار في ضخ النقد إلى سوق العقار بقلم د. محمد آل عباس
الاقتصاد الآنإبريل 13, 2013, 2:34 م 450 مشاهدات 0
أتذكر أنني هنا وفي هذا المنبر ـــ ''الاقتصادية'' ـــ حذرت كثيرا من انهيار سوق الأسهم قبل انهيارها بزمن، وبيّنت كيف ستحدث الصدمة في مقال بعنوان ''ارتفاع أسعار الأسهم ودور البنوك .. التنبؤ بالأزمة''، وبيّنت حينها الدور الذي ستلعبه المصارف في الانهيار المتوقع، وأنه يجب علينا أن نعمل من أجل حل هذه المشكلة قبل أن تكتمل عواملها، لكنها حدثت، والله المستعان. بعد ذلك كتبت مقالين عن الطفرة العقارية وأن الخطر يكمن في أن رجال الأعمال وقد توجهوا بجميع استثماراتهم نحو العقار، لكن قدرة المستهلكين على الشراء ضعيفة جدا ـــ بسبب أزمة سوق الأسهم ـــ ولذلك سيصاب العقار بصدمة في الطلب. ثم في مقالات أخرى تتبعت هذه الظاهرة حتى وصلت الحال بكثير من الشركات العقارية إلى أنها لم تعد قادرة على بيع وحداتها العقارية الجاهزة، وبلغت الإيرادات من بيع هذه الوحدات (صفرا) في إحدى أكبر الشركات السعودية في هذا المجال. كانت الأزمة تلوح في الأفق وبدلا من محاولة البحث عن حل جذري للمشكلة واكتشاف مكامنها الأساسية والأسباب الحقيقية في عدم قدرة المشترين على الشراء بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، جاءت التوجهات الاقتصادية شديدة الغرابة ـــ في نظري.
لقد كان الصحيح في النظرية الاقتصادية ولم يزل كذلك ترك آليات السوق تعمل، وعدم التورط في حلول الهدف منها دعم المؤسسات البنكية والتجارية على حساب المجتمع. كان يجب أن تقوم سوق العقار بتصحيح الأسعار؛ حتى تتناسب مع مستويات الطلب الحقيقية، لكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما، حيث تم دعم جانب الطلب عن طريق زيادة ضخ النقد في السوق العقارية أملا في انتعاشها، إنها النظرية الكنزية التي لم تزل تعمل حتى في الولايات المتحدة، خاصة في أزمتها المالية الأخيرة. فلقد جاءت الحلول لتجنب الصدمة العقارية لدينا من خلال دعم الطلب، على أساس أن العرض كاف والدليل وجود وحدات عقارية لا تجد من يشتريها؛ لذلك وفقا للنظرية فإنه لو تم ضخ النقد في أيدي الناس فسيعودون للشراء بشكل طبيعي، ما يحفز السوق العقارية للنشاط والعودة للمسار. لكن هذا في نظري لم يكن صحيحا. ذلك أن المشكلة في سوق العقار في المملكة معقدة جدا ولم تدرس حتى الآن كما يجب، بل نحن نبحث عن حلول قشرية وفق فكر بسيط وحلول مستوردة.
المشكلة في سوق العقار أن العرض كان قليلا ولم يزل قليلا جدا، بل يتناقص والسبب ـــ في جزء منه ـــ التدخل الواسع من الجهات الحكومية في شأن تطوير المخططات والشروط المبالغ فيها، مع عدم مشاركة الصناديق الحكومية أو البلديات والأمانات في تطوير المخططات وفقا لتلك الشروط وتوفير أراض بشكل واسع كما كان يحدث من قبل. بدأت أزمة العقار عندما تدخلت الأمانات ـــ بشكل غير مدروس ـــ في فرض شروط صعبة على تطوير المخططات العقارية؛ ما تسبب في إحجام المطورين عن التطوير والرضا فقط بالبيع على مستوى الخام، أو ـــ إذا تم التطوير ـــ رفع الأسعار بشكل كبير؛ أملا في الاسترداد السريع للاستثمارات. وهذا خلق فجوات عقارية واسعة في كل المدن كما تباعدت المخططات عن المركز وزادت أسعارها، وبالتالي زادت الأسعار بشكل جنوني كلما اقتربت من المركز. في المقابل ركزت معظم الاستثمارات على بناء الوحدات السكنية مفردة ومعزولة ومتباعدة (أي ليست على شكل مخططات واسعة وكبيرة) والتي كان يتناقص حجمها ويزداد سعرها بشكل جنوني. ومرة أخرى ـــ وبدلا من حل مشكلة تعارض الأنظمة مع حالة السوق وترك السوق تصحح ذاتها بلا تدخل عنيف وتحت وطأة الضغوط الإعلامية الكبيرة ـــ اتجه الجميع إلى الحل السهل الذي في المتناول وهو زيادة ضخ النقد في أيدي الناس من أجل رفع قدرتهم على الشراء وذلك دون أن يصاحب هذا التوجه تعديل لأنظمة تطوير العقارات أو مشاركة جادة من الصناديق الحكومية ووزارة الإسكان في تطوير مخططات واسعة وتوفيرها بأسعار معقولة حتى يتم حل جانب المعادلة (العرض و الطلب).
توجهت الدولة إلى زيادة القرض العقاري وسهلت إجراءاته كثيرا، حتى وصل المبلغ إلى 500 ألف ريال، وبالاتجاه نفسه؛ ولأن مشكلة السوق العقارية في العرض وليست في الطلب، فقد ارتفعت الأسعار أكثر مع زيادة القرض، ولم يعد المواطن يستفيد من عرض الـ500 ألف، بل قرر الكثير منهم تأجيله، وهو الأمر الذي دفع بالصندوق العقاري أخيرا إلى طرح فكرة برنامج جديد مع المصارف من أجل رفع القرض إلى مستوى مليون ريال ومرة أخرى دون معالجة جانب العرض الذي يتعرض لضغط كبير دون حلول واضحة، وهذا أدى إلى أن يرتفع سعر المتر وفي أقل من عام واحد إلى أكثر من 100 في المائة في بعض المناطق، وارتفعت أسعار الشقق وهي وحدات سكنية صغيرة من 300 ألف ريال قبل سنتين أو ثلاث إلى مليون ريال حاليا. فهل ساعدت التوجهات على حل معضلة ـــ أو قل فخ ـــ العقار أم أننا ما زلنا نصبّ الزيت على نار ملتهبة؟
اليوم ينتظر المواطن برنامج الرهن العقاري الذي ـــ كما أعتقد ـــ سيقوده إلى مقصلة الأسعار بلا رحمة ففي تقرير منشور على موقع قناة CNBC الاقتصادية تم تقدير حجم القروض العقارية في السعودية بسبب برنامج الرهن العقاري بنحو 32 مليار دولار سنويا، وأن اللوائح لم تأخذ في الاعتبار مشكلة رئيسة في قطاع الإسكان السعودي، وهي عدم وجود سكن ملائم وبالسعر المناسب للقدرة المالية للمقترض السعودي. كما أورد التقرير أن أحد المصارف الكبرى في السعودية لديه 400 ألف طلب مقدم للحصول على قرض عقاري من مواطنين تؤهلهم مرتباتهم للحصول على قرض، لكنهم لا يجدون العقار المناسب وأن هذا الرقم تضاعف.
القلق الذي أشعر به، لا يقف هنا فقط، بل إنه أصبح قلقا كبيرا على بنية الاقتصاد، فالسؤال: إلى أين تقودنا هذه التوجهات؟ ما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل؟ الذي أخشاه هو أن تحدث أزمة في أي أمر أو أي مكان ـــ أزمة غير متوقعة وليس لها علاقة مباشرة بالعقار (مثلا المياه، أو الوقود، أو الطاقة ـــ لا قدر الله) ماذا سيحصل لقدرة الناس على سداد قيمة المنازل المرهونة للمصارف؟ وماذا سيحصل للمصارف التي تبنى محافظها على أسعار وهمية للعقار وتبالغ بسبب ذلك في التوسع في التمويل. الحقيقة أنني قلق، لكن ليس عندي إجابة.
تعليقات