سوق العمل.. فضلا لا نريد مشروع إدارة أزمة! بقلم عبد الوهاب الفايز
الاقتصاد الآنإبريل 9, 2013, 4:48 م 694 مشاهدات 0
مؤسسات وهيئات التشريع والرقابة في الدولة، والأجهزة الحكومية التنفيذية، والجامعات ومؤسسات إنتاج الفكر، وقيادة الرأي العام، وهيئات ومنظمات المجتمع المدني والنفع العام .. كل هؤلاء ونحن معهم، أي المجتمع بكل فئاته وأطيافه.. الآن تستدعي الضرورة الوطنية منا العمل الجاد لأجل أن نعيد التماسك والهيبة والحميمية لـ (الأسرة) في المجتمع السعودي، نعيد أدوارها الحيوية التي فقدناها، ولعلنا نمسك بما بقي من هذه الأدوار!
هذه قضية وطنية حيوية نسارع إلى طرحها مجددا بعد تطور الأوضاع الأخيرة التي تستهدف (تصحيح أوضاع سوق العمل)، عبر تنظيم قطاع تجارة التجزئة، وأيضا تنظيم ساعات العمل لدى القطاع الخاص. هذان المساران، إذا لم يعقهما عائق أو يحبسهما حابس، سيؤديان إلى نجاح ما نحن بصدده وهو: تكريس دور الأسرة في مجتمعنا لتكون الحاضن الطبيعي للشباب، أي أن تكون مؤسسة اجتماعية حيوية للتنشئة الاجتماعية.
ثمة توجه حكومي سيقود، بإذن الله، إلى تحقيق هذه الحاجة الوطنية (أي تماسك الأسرة)، وهذا التوجه يقال على خجل وخوف، وكأنه يعكس الحالة النفسية الأخيرة للقطاع العام، فالمساعي الجارية والمتعددة إلى التصحيح والتطوير تقدم للرأي العام بهدوء وحذر وخوف، كأننا نقدم على مكروه!! ومن هذه المساعي التي نسمعها همسا - رغم أهميتها - توجه وزارة العمل لقصر الدوام في القطاع الخاص على فترة واحدة.
كما ذكرت، إذا تحقق هذا التوجه وأصبح ملزما فإننا سنجني منافع عديدة. من هذه المنافع تقليل الزحمة في الشوارع عبر تقليص فترات الذروة للحركة المرورية إلى فترتين بدل أربع، وفي هذا إقلال للتلوث وللحوادث المرورية، وترشيد للتكلفة الاقتصادية المترتبة على حركة الموظفين، وترشيد لاستهلاك الطاقة وهناك جانب مهم وهو تهيئة الفرصة للإقبال على وظائف القطاع الخاص وزيادة الاستقرار فيها، والأهم من ذلك كله هو: تهيئة الظروف إلى اجتماع الأسرة وعودة.. (مائدة العائلة).
في تجربة البنوك السعودية درس مهم يجب أن نستفيد منه الآن. قبل عشر سنوات كان الدوام في البنوك يتم على فترتين وكان هذا الوضع حينئذٍ عامل طرد للموارد البشرية التي تم تأهيلها وتدريبها، وهذا التسرب كان مقلقا رغم أن المميزات والحوافز المادية التي تقدمها البنوك تفوق ما يقدم في قطاعات أخرى، وأدركت مؤسسة النقد وقيادات البنوك خطورة ذلك في المدى البعيد، لأن الكوادر التي تتسرب من البنوك لا تبقى في القطاع، بل تتسرب إلى قطاعات أخرى. لذا كانت المبادرة إلى تقصي المشكلة وحينئذ اتضح أن (دوام الفترتين) كان سببا قويا لنمو المشكلة.. وتم التصحيح. الآن القطاع البنكي يشهد حالة استقرار في الموارد البشرية، بل يأتي في قائمة القطاعات التي تحظى بالإقبال لطالبي الوظائف.
دوام الفترتين قاتل معنويا ومرهق اقتصاديا، والغريب أننا بقينا نواجه هذه المشكلة على المستوى الوطني لسنوات عديدة.. وأخيرا أدركنا خطورة المشكلة، والخوف أن يتبدد هذا الإدراك ونعود القهقرى كما كنا نفعل في السابق، أي سياسة ترحيل المشاكل!
ثمة جانب مهم تتحدث عنه وزارة العمل وهو تعديل إجازة نهاية الأسبوع لتكون يومين كاملين للقطاع الخاص. هذا التوجه أيضاً حيوي ويأتي داعما للضرورة الوطنية لإعادة بناء الأسرة السعودية. ولهذا مزايا نفسية واجتماعية عديدة تخدم المرأة العاملة بشكل مباشر، ولعل هذا التوجه يتحقق، والقطاع الخاص ربما يقاوم هذا التوجه، ومن حقه أن يقول رأيه ويبدي مبرراته، لكن في المنظور الوطني الشامل وعلى المدى البعيد هم المستفيدون، فالضغوط النفسية في بيئة العمل المعاصرة والمستقبلية وتعقد الحياة في المدن الكبرى، عوامل مباشرة تؤثر في إنتاجية الموظف.
الإصلاحات الجارية لسوق العمل ضرورية وحيوية وتخدم استقرار المجتمع والدولة على مسارات متعددة، وأثرها الإيجابي يتعدى إلى الأجيال القادمة. المهم أن تكون الدولة ذات إرادة وعزيمة إذا وصلت القناعات إلى خطورة الوضع القائم، (إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة... فإن من فساد الرأي أن تترددا)، والمهم أن تكون هذه الإصلاحات ضمن مشروع وطني مستمر تقوم عليه مؤسسات اعتبارية لا يعترض عملها الاستثناءات أو المحبطات، مشروع ينفذ عبر خطة عمل واضحة.. المهم ألا يكون مشروع (إدارة أزمة)، أو مشروع (المسؤول الأوحد).. فضلا أخرجونا من هذه الذهنية للإدارة!
تعليقات