مرسوم الصوت الواحد في ميزان الدستور الكويتي
زاوية الكتابكتب إبريل 3, 2013, 11:38 م 4904 مشاهدات 0
في ضوء الخصومه الدستوري المعروض حالياً على المحكمة الدستورية الكويتية بشأن مدى دستورية المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية سوف نقوم ببيان مدى دستورية المرسوم بالقانون المشار إلية وذلك في إطار النظام الدستوري الذي يقوم علية الدستور الكويتي .
وتتحصل وقائع النزاع محل الدعوىالدستوريةــــ أنه بتاريخ 6 أكتوبر2012 صدر مرسوم أميري رقم (241) بحل مجلس الأمة. وبتاريخ 21 أكتوبر 2012، صدر المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية متضمنا استبدال نص المادة الثانية من القانون المشار إليه، وقد نصت على أن (تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلاً التصويت لأكثر من هذا العدد). وكان النص قبل التعديل يمنح الناخب الحق في التصويت لأربعة مرشحين فقط , أي الأثر القانوني الجديد الذي استحدثه هذا التعديل هو الانتقاص من حق الناخب من الاختيار من المرشحين من أربعة إلى مرشح واحد فقط. وقد تمت الانتخابات الأخيرة وفق المرسوم بالقانون المشار إليه .وعرض هذا المرسوم بالقانون على مجلس الأمة وقد أقرة . وقد تم الطعن بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية أمام المحكمة الدستورية ولا تزال الخصومه تتداول أمامها .
وحيث أن المادة (6) من الدستور الكويتي نصت على أن(نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر للسلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور.).
وقد بينت المذكرة التفسيرية للدستور بأن النظام الديمقراطي الذي تبناه طريقاً وسطاً بين النظامين البرلماني و الرئاسي مع انعطاف أكبر نحو النظام البرلماني بقصد ان النظام الرئاسي مطبق في الجمهوريات و يتطلب كون رئيس الدولة منتخباً من الشعب , كما قصد المشرع من هذا الانعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية .
ويستفاد مما تقدم بان المشرع الدستوري أخذ في النظام السياسي الديمقراطي و البرلماني من حيثالرقابة البرلمانية و الذي بطبيعته يقوم على ركيزتين اساسيتين هما أولاً: الفصل بين السلطات وثانياً: والتوازن بين السلطات. والسلطات المقصودة بها هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.
وقد ثبّت الدستور الكويتي مبدأ 'الفصل بين السلطات' حين نص في المادة (50) منه على ان(يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور. ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور.).
أي أن المشرع الدستوري قد قرر صراحة مبدأ الفصل بين السلطات بدلاً من تقريره دلالة من واقع الأحكام الخاصة بالسلطات العامة (المذكرة تفسيرية لدستور الكويتي)
وهو ما قررته المحكمة الدستورية في مناسبة القرار الصادر بجلسة 18/11/1982 في طلب التفسير رقم 3 لسنة 1982 والقرار الصادر بجلسة 11/4/2005 في طلب التفسير رقم 3 لسنة 2004) ...
فاعتبرت أن :
(( الدستور رسم لكل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية المجال الذي تعمل فيه، محدداً اختصاصها واستقلال كل سلطة بذاتها بما يحقق المساواة والتوازن بينها توازناً لا يجعل لإحداها مكنة استيعاب الآخرين، وأقام الدستور توزيع هذه الاختصاصات على أساس مبدأ فصل السلطات، دون أن يجعل ذلك فصلاً تاماً، بل فصلاً مصحوباً بالتعاون والتآزر فيما بينها، وبما يسمح بتعدد الأفرع لنشاطها، وبوجود قدر من التداخل، وموازنتها ببعض، مع تبادل الإشراف والرقابة فيما بينها، وجعل الدستور استعمال السلطات لوظائفها ينتظمه دائماً التعاون المتبادل بينها على أساس احترام كل منها لأحكام الدستور، والنزول على أوامره ونواهيه)).
فبموجب أحكام المواد (51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 58 ، 101، 102 ، 123، 127 و130) من الدستور أكدت المحكمة الدستورية أن الدستور الكويتي حدد المسؤولية الوزارية عن مباشرة الاختصاصات في نوعين : مسئولية فردية أمام الأمير، وأمام مجلس الأمة، كما أنه مسئول بالتضامن مع رئيس الوزراء وباقي الوزراء عن السياسة العامة للدولة أمام الأمير، جاعلاً الدستور الإشراف المتبادل بين السلطات والتعاون بينها هو محور النظام الدستوري كله، ولا ريب في هذا المقام أن هذا التعاون أكثر ما يكون ظهوراً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فللسلطة التنفيذية الحق في :
1. اقتراح القوانين، والحق في التصديق عليها، وإصدارها (مادة 65).
2. إصدار مراسيم لها قوة القانون في حالة الضرورة (مادة 71).
3. إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين (مادة 72).
4. دعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد (مادة 85) .
5. ورفض دورته (مادة 89 ).
6. وحق حل المجلس (مادة 107) .
وفي المقابل للسلطة التشريعية حق الرقابة على أعمال الحكومة وتصرفاتها، ولمجلس الأمة حق :
1. إبداء الملاحظات على برنامج كل وزارة جديدة (مادة 98).
2. وله في مواجهة رئيس مجلس الوزراء، والوزراء حق السؤال (مادة 99).
3. وحق الاستجواب (مادة 100) .
4. وحق سحب الثقة من الوزراء فرادى (مادة 101) .
5. وحق الاحتكام إلى رئيس الدولة في حالة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (مادة 102) .
6. وحق إجراء التحقيق (مادة 114).
7. ومناقشة الميزانية وإقرارها (المادتان 141 و145).
وحيث أن مبدأ فصل السلطات السالف بيانه يقتضي أعماله الأخذ في مبدأ توازن السلطات العامة وهو ما أقر المشرع الدستوري بأن قرر لكل من السلطة التشريعية و التنفيذية سلطات متقابلة لضمان هذا المبدأ ويعتبر العمود الفقري للنظام البرلماني في القانون المقارن الذي يقوم على دعامتين رئيسيتين وهما أن يكون لمجلس الأمة طرح الثقة في الحكومة و يقابلها ان للحكومة حل مجلس الأمة وذلك على التفصيل التالي .
وحيث أن المادة 101 من الدستور الكويتي نصت على أن (كل وزير مسئول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فوراً. ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناء على رغبته أو طلب موقع من عشرة أعضاء اثر مناقشة استجواب موجه إليه. ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في الطلب قبل سبع أيام من تقديمه.
ويكون سحب الثقة من الوزير بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس فيما عدا الوزراء. ولا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة.).
ونص في المادة( 102) منه( لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة، ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به.
ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.
وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة).
ونصت المادة (107) من الدستور على أن (للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. فإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل.
فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن. ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد. ).
وبالتالي فإن الرقابة البرلمانية التي تتمثل - بالسؤال والاستجواب والتحقيق- على أعمال الحكومة, وما قد ينتج عن الاستجواب بعد مناقشته متى ما قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فوراً أو طلب عدم التعاون مع رئيس الوزراء,و تعتبر من مظاهر التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن مقتضيات النظام الدستوري ومن خصائصه الجوهرية ومستلزماته الذي يقوم على أساسه نظام الحكم في دولة الكويت.
يقابل هذه السلطات الممنوحة للسلطة التشريعية سلطات أخرى أقرها للسلطة التنفيذية لضمان تحقيق مبدأ التوازن فيما بينهما؛ إذ للسلطة التنفيذية تملك تأجيل اجتماعات مجلس الامة المادة (106) من الدستور و لها أن تطلب حل مجلس الامة بمرسوم مسبب كما قرر الدستور في المادة (107) , و إذ نص الدستور على أن الأداة القانونية لكلا الإجرائيين هي المرسوم و من المقرر في النظام الدستوري الكويتي أن إجراءات إصدار المرسوم تكون بعد موافقة مجلس الوزراء أي الحكومة التي تقوم بإعداده و بيان أسبابة و هو ما قرره الدستور في المادة (55) إذ نصت على أن( يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه ) و كما هو مقرر في قاعدة التوقيع المجاور .
يستفاد مما تقدم ان النظام الدستوري الكويتي قد أخذ بمبدأ توازن السلطات العامة و الذي يعتبر نتيجة منطقية للنظم الدستورية التي تأخذ في مبدأ فصل السلطات العامة مع تعاونها كما قرر الدستور الكويتي على النحو الأنف ذكره , و لإعمالهما رسم الدستور و قرر مجموعة من السلطات لكليهما تقابل الأخرى , و أن ديدن هذه القاعدة التي تهدف إلى حفظ التوازن بين السلطات يتم عبر طرق، منها إعطاء القدرة والصلاحية لكل واحدة من السلطات لشلّ أعمال السلطة الأخرى عندما تمارس عملاً له علاقة بأعمال السلطة الأخرى عن طريق منح كل عضو سلطة الحكم وسلطة الردع معاً، وهي من وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى، فيتولى العضو الأول الوظيفة التقنينية وهي السلطة التشريعية، والثاني تنفيذها وهي السلطة التنفيذية ، والثالث فصل الخلافات التي تنجم عنهما وهي السلطة القضائية ، ومن هذا التعاون والتكامل ما يضمن تحقق هذان المبدئيين.
وفي اعمال ذلك نجد ان الدستور قد وضع عدة قيود على السلطتين في ممارستهما السلطات تجاه الأخرى ,وسنتناول بالشرح السلطة الممنوحة للسلطة التنفيذية وهي حل مجلس الأمة و هل هذه السلطة مطلقة أو مقيدة وذلك باعتبارها جزء من محل الدراسة .
فنجد المشرع الدستوري وضع سببين قانونيين لحل البرلمان ووضع قيود على كل الحالتين وتتمثل الحالة الأولى التي قررها المشرع الدستوري في المادة (107) فقد اعطى السلطة التنفيذية سلطة حل مجلس الأمة في مرسوم أميري مسبب وقيد هذه السلطة بأنه لا يجوز حل مجلس الأمة مرة أخرى لذات السبب , ويفترض هذا النص أن في حال صدر مرسوم اميري بحل مجلس الأمة لسبب محدد وتمت الانتخابات وفق الإجراءات المقررة قانوناً وعاد ذات المجلس المنحل أو أغلبية أعضائه لا يجوز هنا حل مجلس الأمة مرة أخرى بذات السبب السابق ويتضح جلياً هدف المشرع من أشراك الشعب في الحكم .
و اما في الحالة الثانية و التي قررتها المادة 102 من الدستور التي وضع فرضيتها المشرع الدستوري و هي في حال إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة 101 عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.
وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة, أن الدستور الكويتي لم يأخذ بالنظام البرلماني في مسألة إسقاط الحكومة بأكملها وأستعاض عنها بنظرية حديثة إقترنت بالدستور الكويتي وهي فكرة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أي الغاية التي توخاها المشرع الدستوري هو تحكيم الشعب المتمثل في هيئة الناخبين في الفصل بهذه المسألة ورتب على نتيجة اختيارهم بقاء رئيس مجلس الوزراء أو عزله.
ويتضح مما تقدم فأن المشرع الدستوري قد جعل في كل من حالتين حل مجلس الأمة الأنف شرحهما من هيئة الناخبين هم القيد و الحكم باعتبارهم الرقيب على السلطة الممنوحة للسلطة التنفيذية المتمثلة في حل مجلس الأمة.
بعد عرض النظام الدستوري الذي أخذ به المشرع الدستوري الكويتي سنقوم بعد ذلك بتطبيق هذه الأحكام الدستورية على وقائع الخصومة المعروضة على المحكمة الدستورية بحسبان انها الجهة المعنية في الفصل بهذا النزاع كما قرر الدستور في المادة 173 منه التي نصت على أن ' يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها. وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأن لم يكن. ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح'.
كذلك قررت المادة الأولى في قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973 الاتي ' تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم.'
ويستفاد من ذلك أن المحكمة الدستورية هي المحكمة المختصة بحكم الدستور في الرقابة على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين ,و أن الرقابة القضائية لدستورية القوانين تعتبر عامل لحفظ التوازن بين السلطات الثلاث لاستعمال كل منها سلطتها على الوجه المبين بالدستور .
وحيث أن بتاريخ 6 أكتوبر2012 صدر مرسوم أميري رقم (241) بحل مجلس الأمة. وبتاريخ 21 أكتوبر 2012، صدر المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية متضمنا استبدال نص المادة الثانية من القانون المشار إليه، وقد نصت على أن (تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلاً التصويت لأكثر من هذا العدد). وكان النص قبل التعديل يمنح الناخب الحق في التصويت لأربعة مرشحين فقط , أي الأثر القانوني الجديد الذي استحدثه هذا التعديل هو الانتقاص من حق الناخب من الاختيار من المرشحين من أربعة إلى مرشح واحد فقط.
وحيث أن السلطة التنفيذية قد استندت في إصدار المرسوم بالقانون محل هذه الدراسة على نص المادة (71) من الدستور، والتي تمنح الأمير الاختصاص بإصدار مراسيم لها قوة القانون وفق ضوابط وشروط وردت في صلب المادة. وتنص المادة (71) على أنه 'إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.).
وحيث أن المستقر عليه أن الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ، والرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها ، إلا أن هذا لا يعنى إطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور( المحكمة الدستورية العاليا المصريه بتاريخ 2/2/1985 فى القضية رقم 67 لسنة 4 قضائية ) . ويردد ذات المبدأ المجلس الدستوري الفرنسي فى قراراته أنه لا يراقب ملاءمات التشريع التى يستقل المشرع بتقديرها ، وذلك إلا فى الحالة التى يصدر فيها عن المشرع خطأ واضح أو ظاهر فى التقدير ، ينطوى على مخالفة لنص فى الدستور أو مبدأ من المبادئ ذات القيمة الدستورية ، ففى هذه الحالة يعتبر القانون مخالفا للدستور لتجاوز المشرع حدود سلطته التقديرية ( قرار المجلس الدستوري بتاريخ 16 يناير 1982 ، رقم 132 لسنة 1981) .
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بمصر انه يجب أن تتوفر للقيود التي يفرضها المشرع على تنظيم العملية الانتخابية أسس ضبطها بما يصون حيادتها ويحققها الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها، وأن أي نظام ديموقراطي للحكم يفترض أن يكون حق الاقتراع فيه منضبطاً وفق قواعد محددة يكون إعمالها منصفاًوعادلاً فلا يباشره المواطنون مثقلاً بقيود تؤثر في وزن أصواتهم لتضعفها أو تفرقها (المحكمة الدستورية العليا بمصر، الحكم الصادر بجلسة 3 فبراير 96 القضية رقم 2 لسنة 16ق.(
وترتيباً على ما تقدم وكان الثابت من الوقائع السالف ذكرها أن السلطة التنفيذية بعد ما صدر مرسوم حل مجلس الأمة قامت بإصدار المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية وقلصت عدد الأصوات التي يحق للناخب الإدلاء بها من أربعة أصوات إلى صوت واحدوهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تغيير هيئة الناخبين الممثلة بالشعب, ولما كانالمشرع الدستوري قد جعل في كل من حالتين حل مجلس الأمة السالف شرحهما من هيئة الناخبين هم القيد و الحكم باعتبارهم الرقيب على السلطة الممنوحة للسلطة التنفيذية المتمثلة في حل مجلس الأمة. , ومن المنطقي أن هيئة الحكم المتمثلة في هيئة الناخبين الذي يعرض عليها النزاع أو التي انتخبت مجلس الأمة المنحل و شاهدت أسباب حل مجلس الأمة و عايشتها فمن ثم تكون هي ذتها التي تفصل به بكامل هيئاتها دون تغيير, ويقصد بهذا أن هذا المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 قد خالف القيد الدستور الذي وضعة المشرع الدستور وهو تحكيم الشعب في حل مجلس الأمة و أفرغ النص الدستوري من محتواة, وهو ما يؤدي إلى أهدار مبدأ توازن السلطات العامة السالف شرحه الذي أعتنقه المشرع الدستوري , و ذلك بأنه يغلب السلطة التنفيذه على السلطة التشريعية بعيد عن الرقابة التي تطلبها المشرع الدستوري المتمثلة في الشعب , و أن هذا التصرف من السلطة التنفيذهبلا رخصة من السلطة التأسيسية، مما يعرضه للسقوط في حومة عدم الدستورية.
وأضف إلا ذلك أن بعض يرى الفقة –وبحق- أن التعديل في الدوائر الانتخابية في غياب البرلمان يكون الهدف منه تشتيت أصوات المعارضين في هذه الدوائر التي يكون لهم ثقلهم فيها بنقلهم الى الدوائر الأخرى التي للحكومات فيها أغلبية من الموالين لها بما يضمن الحد من نجاح المعارضين لها ومن حصولهم على أغلبية مقاعد البرلمان، وعادة ما يكون ذلك في الدول التي يوجد بها نظام الأحزاب والتكتلات السياسية، وقد سمي هذا التلاعب باسمgerrymamder نسبة الى حاكم ولاية ماساشوبيتش الأميركية Gerry الذي كان يشتهر بهذا الفن في القرن التاسع عشر، وقد انتقل هذا الفن الى فرنسا، فاستخدمته حكومة نابليون الثالث فيفرنسا، واستخدمته حكومات فرنسية أخرى لدرجة أنه كان السبب في استبعاد نظام الانتخاب الفردي في فرنسا سنة 1951 (نظم الانتخابات في العالم وفي مصر د. سعاد شرقاوي ود.عبدالله ناصف ط1994 – ص83).
ويؤيد ذلك الرأي د.عادل الطبطبائي اذ يرى انه (المرسوم بقانون لا يستطيع أن يعدل قانون الأنتخاب سواء كان مجلس الأمة منحل أم غير منحل لأنه يتعارض مع المباديء الدستورية التي تحكم عملية الحل) ,( انظر في ذلك د.عادل الطبطبائي, النظام الدستوري في الكويت ص 590 و ص 591 ).
وحيث أنه لاينال مما تقدم إن مجلس الأمة وقد أقرالمرسوم بقانون المطعون فيه، فإنه بذلك يكون قد طهره مما شابه من عيوب دستورية، ذلك أن إقرار مجلس الأمة له لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذى نشأ عليه مرسوم بقانون دون تطهيره من العوار الدستورى الذى لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار فى ذاته أن ينقلب به المرسوم بقانون المذكور إلى عمل تشريعى جديد يدخل فى زمرة القوانين التى يتعين أن يتبع فى كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التى حددها الدستور فى هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.
وتأسيساً على ما تقدم جميعه فأننا ننتهي بهذه الدراسة الى عدم دستورية المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية وذلك لمخالفته لمبدأ توازن السلطات العامة وذلك على النحو السالف بيانه.
تعليقات