أسعار الأرز بين البورصة والمحال بقلم د. فهد بن عبد الله الحويماني

الاقتصاد الآن

1310 مشاهدات 0


 


تتجاوز هذه الأيام أسعار بعض أصناف الأرز الهندي وزن 40 كجم 270 ريالاً للكيس، ويتساءل الناس عن سبب ارتفاع السعر على الرغم من أن أسعار عقود الأرز العالمية تبين أن 40 كجم من الأرز يباع في حدود 50 ريالاً فقط. زيادة على ذلك، هناك اختلاف بين الأسعار التي ترصدها وزارة التجارة والصناعة من خلال مؤشر السلع الاستهلاكية، وبين ما يجده الشخص في الأسواق، وهذا التباين في الأسعار يحدِث نوعاً من التشويش في ذهن المواطن الذي يبحث عن الحقيقة ويشك في نزاهة بعض التجار. في هذه المقالة نستعرض طبيعة عقود أسعار الأرز في الأسواق العالمية والأسس المستخدمة في بيع وشراء عقود الأرز.

تقدم بورصة شيكاغو للسلع عقوداً خاصة بالأرز يتم تداولها بشكل يومي، وصلت أسعارها إلى أعلى من 16.50 دولار لوزن 100 رطل في أول الشهر الفائت، وأصبحت الآن في حدود 14.50 دولار؛ ما يعني أن سعر الكيلو جرام الواحد حالياً 1.20 ريال، أي نحو 48 ريالاً لكل 40 كيلوجراما. غير أن هناك عددا من النقاط الواجب مراعاتها، لكيلا تكون المقارنة في غير محلها؛ فهذا السعر خاص بأنواع الأرز المماثلة للأرز الأمريكي صنف رقم 2 طويل الحبة، الذي يأتي على هيئة أرز خام - يسمى الأرز الخشن - أي كما هو عليه بعد حصاده من الحقول وقبل أن ينزع منه القشرة القاسية المغلفة للحبة وتنظيفه. تزن هذه القشرة نحو خُمس وزن الحبة؛ ما يعني أنه بعد نزع القشرة وإزالة الطبقة الشفافة من الحبة والتخلص من أي شوائب أو حبوب متشطبة أو مكسرة، يقل الوزن الصالح للتسويق بمقدار ثلث كيلو جرام. بل إن مواصفات العقد تشترط ألا يقل الوزن المتحقق من كيلو جرام الأرز الخشن عن 65 في المائة من الوزن الأصلي، وألا تقل نسبة الحبات الكاملة من الأرز، أي التي ليس بها تشطبات أو كسور عن 48 في المائة من إجمالي الحبوب، ولا يسمح بأي حبوب متغيرة اللون، باستثناء ـــ كحد أقصى ـــ 150 حبة أرز متغيرة اللون بشكل طفيف لكل كيلو جرام من الأرز. هذا يعني أن سعر 1.20 ريال للكيلو جرام هو سعر الجملة للأرز الخشن، قبل التنظيف والتعبئة واستبعاد غير الصالح وقبل الشحن والعرض في المحال، فيمكن تقدير سعر البيع النهائي بين ثلاثة وأربعة ريالات للكيلو جرام، أو بين 120 إلى 160 ريالاً للكيس زنة 40 كيلو جراما. لذا ينبغي ألا ننظر إلى أسعار البورصة كأسعار نهائية للمستهلك، خصوصاً أن نظام البورصة يسمح بزيادة السعر عن المتفق عليه أو خفضه إن تجاوز المواصفات المحددة أو نقص عنها.

أما أسعار الأنواع الأخرى من الأرز، خصوصاً أرز بسمتي الهندي، فهي لا تتم من خلال البورصات، بل هي عقود فردية بين الموزعين في الهند وباكستان وبين الموردين في دول الخليج وإيران وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ويتميز الأرز الهندي من نوع بسمتي بنكهته المميزة ورائحته العطرية، وهذا مصدر كلمة بسمتي التي تعني ''ذو الرائحة''، وتأتي حبته طويلة وتتمدد من الأطراف عندما يتم طبخه، وهو المفضل لدى الأسر الخليجية ويتمتع بسعر عالِ مقارنة بجميع أنواع الأرز الأخرى، التي يصل عدد أنواعها إلى أكثر من عشرة آلاف نوع، أقربها سعراً للبسمتي هو الأرز التايلندي ''هوم مالي'' أو أرز الياسمين؛ كون لونه أبيض مثل لون ورد الياسمين. حالياً يباع الأرز البسمتي عالي الجودة بنحو 1500 دولار للطن المنظف، أي سعر الكيس وزن 40 كيلوجراما نحو 225 ريالا، وهذا هو السعر الذي يمكن مقارنة أسعار الأرز في المملكة استناداً إليه، غير أنه في ظل عدم وجود بورصة نشطة لهذا النوع من الأرز، وعدم وجود منافسين ـــ حيث إنه يزرع فقط في الهند وباكستان ـــ فسيبقى سعره معرضاً لاضطرابات كبيرة، ليست دائماً مرتبطة بأسعار الأرز العالمية.

جدير بالذكر أن هناك دراسات في شرق آسيا تطالب بإيجاد سوق عقود مستقبلية للأرز في شرق أسيا، لكن لا يزال هناك تردد لأسباب عدة، أهمها أن سوق العقود يحتاج إلى عدد كبير من المتعاملين لتكون السيولة اليومية مناسبة للتداول وجذب المضاربين والمتحوطين. فحتى عقود الأرز في شيكاغو، أكبر سوق سلع في العالم، ليست نشطة بشكل كبير، مقارنة بالقهوة والقطن والسكر، حيث نجد، على سبيل المثال، أن عدد العقود اليومية التي يتم تداولها هذه الأيام في حدود 500 عقد فقط، بعدد إجمالي للعقود المبرمة لشهر أيار (مايو) نحو 14 ألف عقد، علماً بأن العقد الواحد يمثل نحو 91 طنا.

كما أن من غير الممكن لأسعار الأرز أن تتغير بشكل فوري تماشياً مع الأسعار العالمية، نظراً لكون التجار يقومون بإبرام عقود مستقبلية على الأرز، سواء من خلال بورصات السلع الرسمية أو من خلال عقود مستقبلية خاصة، ويتم التسليم في وقت لاحق. هذا يعني أن مزارعي الأرز يبيعون عقود أيار (مايو) من بداية العام بسعر محدد، خاضع لقوى العرض والطلب؛ بهدف تجنب مخاطر تقلب أسعار الأرز. وفي المقابل، نجد أن التاجر السعودي كذلك يدخل في اتفاقية عقد يلتزم به شراء كمية معينة بسعر معين في محاولة لتخفيف تقلب الأسعار وتذمر المستهلكين. على سبيل المثال، تحدث حالات يقوم فيها التاجر بشراء عقود أيار (مايو) بسعر 5600 ريال للطن، ثم خلال أسابيع قليلة ينخفض سعر الطن إلى خمسة آلاف ريال للشهر نفسه. وعلى الرغم من ذلك، سيستلم التاجر الكمية في أيار (مايو) ويدفع مبلغ 5600 ريال للطن، ثم ينتظر وصول الكمية ليتمكن من بيعها في الأسواق. في هذه الحالة تجب مراعاة وضع التاجر وعدم التسرع بمطالبته بخفض الأسعار. وفي المقابل، قد يرتفع سعر الأرز لأيار (مايو) إلى ستة آلاف ريال للطن، بينما اشتراه التاجر بسعر 5600 ريال، هنا قد يستغل بعض التجار الوضع ويرفعون السعر بحجة أن الأسعار في ارتفاع.

ختاماً، هناك أصناف عدة من الأرز مختلفة الأسعار، يصل السعر المعتاد في بعضها إلى أكثر من أربعة أضعاف أصناف أخرى، كما أن الأسعار المعروضة في بورصة شيكاغو هي للأرز الخشن قبل الفرز والتنظيف، فتكون الأسعار الفعلية أعلى من ذلك بنسبة 50 في المائة أو أكثر. أما أرز بسمتي فهو الأغلى سعراً وهو معرض لاضطرابات سعرية بسبب محدودية المزارع، وعلى الرغم من وجود أرز أمريكي يسوَّق باسم ''تكسمتي'' وهو قريب من شكل أرز بسمتي وطعمه، إلا أنه ليس له القبول نفسه لدى المستهلك الخليجي. وأعتقد أن وزارة التجارة تلعب دوراً مهماً في محاولة تهدئة الأسعار من خلال نشرة أسعار السلع الاستهلاكية، إلا أن من الضروري توعية المستهلكين بأن الأسعار المنشورة لا تعني أسعاراً حكومية محددة، كما على مراقبي الأسعار إدراك أن طبيعة العقود المستقبلية لا تسمح بتغير السعر بشكل فوري في الأسواق، سواء صعوداً أو هبوطاً.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك