جهود فرنسية لفرض رؤية حكومية لاقتصاد الإنترنت بقلم هيو جيمس وجيمس
الاقتصاد الآنمارس 18, 2013, 3:24 م 539 مشاهدات 0
صرح نيكولا ساركوزي خلال توليه رئاسة فرنسا بأنه لا يجب السماح للإنترنت بأن يصبح 'غرب متوحش'. وقال ساركوزي المحافظ، بينما كان يؤيد تشريع عام 2009 للبدء في التعامل بحزم أكثر مع التنزيلات غير القانونية، إن الإنترنت 'لا يمكن أن يكون مكانا غير خاضع لقانون، حيث يُسمح للأشخاص بسلب الأعمال الفنية بلا حدود'.
وفتحت السلطات الفرنسية جبهة جديدة هذا الأسبوع. والآن في ظل دعم حكومة فرانسوا هولاند الاشتراكية، طلب منظم الاتصالات في الدولة من النائب العام في باريس التحقيق في 'سكايب'، خدمة إجراء الاتصالات الهاتفية عبر الإنترنت المملوكة لشركة 'مايكروسوفت' التي تحظى بشعبية، بسبب فشلها في التسجيل باعتبارها خدمة تشغيل اتصالات.
وبالنسبة لبعض المراقبين، تعكس هذه التحركات غريزة فرنسية كلاسيكية لممارسة السيطرة على الأسواق الجامحة.
ويقول أحد رجال الأعمال الفرنسيين: 'ليس من المدهش في الحقيقة أنه مع تحول الإنترنت إلى جزء كبير بهذه الدرجة من الاقتصاد، لفت انتباه المهندسين الفرنسيين. وهناك تقليد قوي هنا يقول إنه مجرد السماح للأمور بأن تحدث، لا يمكن أن يكون هو الرد الأفضل'.
ولكن هل تشير فورة الإجراءات في جميع أنحاء الاكتساح الواسع لأنشطة الإنترنت، إلى هجوم ربما يكون مدمرا على مصدر للنمو لازم للغاية في اقتصاد متصلب؟ أم ببساطة هل تتصرف السلطات الفرنسية بقوة أكثر للتمكن من التعامل مع مشكلات تزعج المنظمين في جميع أنحاء العالم؟
وجاء هذا التحرك ضد 'سكايب' بعد سلسلة من الإجراءات موجهة لشركات إنترنت أخرى كبيرة في الأشهر الأخيرة.
وفي أواخر كانون الثاني (يناير)، وافقت شركة جوجل على ضخ 60 مليون يورو في قطاع الصحف المتداعي في الدولة، بعد أن هدد هولاند، إيريك شميدت، رئيس شركة جوجل، بإصدار تشريع يجبر الشركة على مشاركة إيراداتها من روابط تصل بمقالات وسائل الإعلام الفرنسية ومقتطفات التقارير الإخبارية إذا لم تعقد صفقة مع الناشرين (لم تشمل الاتفاقية النهائية مثل هذه المشاركة في الإيرادات).
وكانت 'جوجل' أيضا محط اهتمام 'سي إن اي إل'، هيئة حماية البيانات الفرنسية، التي قادت التحقيق نيابة عن المنظمين الأوروبيين في سياسات الخصوصية الخاصة بالشركة. وهددت الوكالة باتخاذ 'إجراء قمعي' هذا العام إذا لم يمتثل 'جوجل' للمطالب الخاصة بمد مستخدميه بمعلومات وافية عن كيفية استخدام بياناتهم.
وفي الوقت نفسه، أمرت محكمة فرنسية 'تويتر' بأن يحدد الأشخاص الذين كانوا وراء سلسلة من التغريدات المعادية للسامية وتغريدات أخرى عنصرية ظهرت باللغة الفرنسية على موقع مدونات مصغرة هذا العام.
ولا يُخفي جيلز بابينت، أحد المستثمرين الفرنسيين البارزين عبر الإنترنت، الذي يقوم بدور 'النصير لما هو رقمي' لدى المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، في فرنسا، استياءه مما يرى أنه تدخل من قبل السلطات قائم على معلومات مضلِلة. ويقول: 'كانت صفقة الصحف الخاصة بشركة جوجل عار، لأنها قالت في الأساس إنه يتعين عليك حماية قطاع قديم من اللاعبين الجدد. وهي تنقل رسالة من الحكومة تقول إنها هنا للمساعدة على حماية الأشخاص من التقنية والابتكار.
وعموما لا أعتقد أن هذه الحكومة، مثل الحكومة السابقة، قد فهمت حقا أهمية المجال الرقمي للنمو'.
ويشكو بابينت من مكاسب رأس المال وضرائب الثروة التي يقول إنها تمنع كل استثمار مهم في الشركات المبتدئة – وهو الأمر الذي أثار احتجاجات غاضبة في العام الماضي من قبل مستثمري إنترنت غاضبين يسمون أنفسهم 'ليه بيجون' (الحمام).
ويقول بابينت عن اتجاه المنشأة فيما يتعلق بالإنترنت: 'إنهم لا يفهمون الأمر. ويعتبرونه تهديدا'.
وليس من المدهش أن هذه هي ليست الطريقة التي ترى بها فلير بيلران، الوزيرة المسؤولة عن الاقتصاد الرقمي، الأمور.
وقد أصدرت بيلران أمرا هذا العام لشركة الاتصالات الفرنسية، 'فري موبيل'، للتوقف عن حجب الإعلانات على الإنترنت من خلال الخدمات التلقائية (التي تتوقف فقط إذا تم اتخاذ إجراء) في أجهزة مودم 'فريبوكس' الخاصة بها – وهو تحرك موجه إلى موقع 'يوتيوب' التابع لـ 'جوجل'، والذي تشكو 'فري' من أنه لا يدفع مقابل السعة التي يبتلعها الاتجار غير القانوني من خلال مشغل مقاطع الفيديو من الشبكة.
وهذا الأسبوع، أشارت إلى دعمها للتوصية التي جاءت من 'سي إن إم'، وهي لجنة استشارية رقمية حكومية، بأن يصبح 'حياد الإنترنت' حقا يكفله القانون الفرنسي. ومبدأ المساواة في حق الوصول إلى الإنترنت هذا يُنظر إليه من قبل شركات الاتصالات على أنه مانع محتمل لقدرتهم على المطالبة بأسعار مختلفة من مقدمي محتوى الإنترنت.
وقالت بيلران: 'من الصعب للغاية التوصل إلى التوازن الصحيح فيما يتعلق بكيفية إصدارك اللوائح. فنحن لا نريد أن نضع حواجز كثيرة جدا أمام العناصر الفاعلة، الفرنسية والأجنبية، التي تشارك في تنمية الاقتصاد الرقمي'.
وأضافت: 'هذا سؤال صعب للغاية، وحتى الآن لم يتوصل أحد للإجابة الصحيحة. ولا توجد إجابة علمية. وبالتأكيد هدفنا في فرنسا هو توفير البيئة المناسبة لهذا النظام الإيكولوجي حيث يمكنه الازدهار لأنه إحدى أكبر الروافع للنمو في المستقبل'.
وعلى الصعيد العالمي، يأتي ترتيب فرنسا في المنتصف بالنسبة لاقتصادها على الإنترنت. فقد جاءت في المركز الـ 22 في قائمة منظمة التعاون والتنمية (أو إي سي دي) لحزيران (يونيو) من عام 2012، الخاصة بعدد اشتراكات النطاق العريض اللاسلكية في الدول بين كل 100 نسمة، مع 46.9، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا. لكن بالنسبة للنطاق العريض الثابت تأتي في المستوى السادس قبل تلك الدول الثلاث.
ووفقا لتقدير تقرير شركة ماكينزي في عام 2011، فإن قطاع الإنترنت كان يمثل 25 في المائة من النمو الاقتصادي، مع احتمال نموه ليمثل 5.5 في المائة من الاقتصاد في عام 2015. وأنشأت شركات مثل 'جوجل' و'أمازون'، جذبتها البنية التحتية القوية وتوافر خريجي الرياضيات والعلوم في الدولة، مراكز أبحاث.
ويقول ماتيو بليسيه دي غوسة، أحد مديري شركة ماكينزي في باريس: 'فرنسا تأتي في منتصف المجموعة. إنها ليست الأسواء لكنها ليست الأفضل أيضا لذا هناك مساحة كبيرة للنمو. والإنترنت محرك مهم للغاية لثروتنا وبإمكاننا فعل ما هو أكثر بكثير.
ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة إنترنت في الولايات المتحدة: 'فرنسا دولة متصلة إلى حد كبير. وهي سوق قوية، ومن مؤيدي الإنترنت إلى حد كبير. إنها السلطات التي لا تزال بحاجة لأن يتم إقناعها. وتوجهنا هو المشاركة وإيجاد طرق تظهر أن الإنترنت شيء إيجابي بالنسبة للاقتصاد الفرنسي أو الثقافة الفرنسية'.
والمكون الرئيسي لاقتصاد الإنترنت، كما في دول أوروبية أخرى، هو قطاع الاتصالات. فهنا تكون المسائل التنظيمية قوية بشكل خاص'.
وصورت السلطات التحرك الذي حدث ضد 'سكايب' على أنه متعلق في الأساس بجعل الشركة تفي بالتزامات الخدمة التي تفي بها شركات الاتصالات التقليدية، مثل نقل مكالمات الطوارئ والسماح بمراقبة خدمات الأمن عندما يكون مسموحا بهذا قانونا.
لكنها أثارت مسألة مهمة بشكل حاسم ذكرتها شركات الاتصالات وهي أن الشركات المعروفة 'التي تسترعي اهتماما مبالغا فيه'، التي تقدم خدمات مثل 'سكايب' و'جوجل توك'، تتنافس مباشرة مع شركاتهم دون دفع ثمن عادل للشبكات التي يستخدمونها. والآن وحيث إن جيلا جديدا من البنية التحتية للنطاق العريض يحتاج لأن يتم تطويره للتحكم في تنقل البيانات المتزايد، تريد مجموعات شركات الاتصالات مشاركة عبء الدخول في استثمار جديد مع شركات الإنترنت التي تتوافر لديها نقدية كثيرة.
ويقول الملياردير كزافييه نيل، صاحب 'فري موبيل': 'السؤال المطروح أمام فرنسا وجميع الدول هو: هل تفضل شركات الإنترنت الأجنبية التي لا تدفع، أم تفضل الشركات القومية التي تدفع؟ يجب ألا تكون الدول المشابهة لفرنسا ساذجة. ليس لدينا موقع يو تيوب أو أمازون أو نتفليكس فرنسي. ويمثل موقع يو تيوب مشكلة، لأن لديه تنقل كبير للغاية لكنه يرفض دفع مقابل لوزن هذا التنقل'.
وقد تقبلت الحكومة الفرنسية هذا بشكل واضح. وتقول بيلران: 'المسألة التي يثيرها موضوع سكايب تتعلق بموقف فرص النجاح المتكافئة. فلديك عناصر فاعلة جديدة في الاقتصاد الرقمي لديها فرص أكبر من عناصر فاعلة أخرى تدفع ضرائب، وتحترم لوائح خاصة بالبيانات الشخصية، وتمتثل للتشريع المحلي. وبالفعل يخلق هذا الأمر مشكلة، وليس فقط في فرنسا'.
وتراقب المفوضية الأوروبية التطورات التي تحدث في باريس من كثب، بينما تحاول تجنب التحيز إلى جانب من الجوانب في هذا الخلاف.
وقد حرصت نيلي كروس، مفوضة الاتحاد الأوروبي للاتصالات والشؤون الرقمية، على جعل الإنترنت يظل حرا خارج نطاق سيطرة الحكومة. لكن أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي قال: 'نحن مؤيدون للابتكار، لكن على الجانب الآخر ندرك أن شركات الاتصالات تتعرض لضغط تنافسي متزايد'.
وترى فرنسا مسألة أخرى تخيم على سياساتها الثقافية المستثناة التي تتم حراستها بغيرة، والتي تهدف إلى حماية صناعة الأفلام، والموسيقى، والأنشطة الثقافية الأخرى التي تريدها أن تتم باللغة الفرنسية. فمثلا، يتعين على شركات التلفزيون فيها الامتثال إلى حصص في المحتوى المحلي والمساعدة على تمويل قطاع الأفلام الفرنسي.
وتقول بيلران: 'نحن مرتبطون جدا بهذا الأنموذج'. لكن شركات التلفزيون المحلية ستكون في حال أسوأ بشكل فوري من مقدمي الخدمات التلفزيونية من خلال الإنترنت. 'كيف يمكنهم البقاء؟ إنه أمر مستحيل تقريبا. فإذا كنا نريد حماية خصائصنا الثقافية، ربما نحتاج إلى فرض نوع القيود التنظيمية نفسه، أو على الأقل المحاولة، على الفاعلين الآخرين، وهو أمر ليس سهلا للغاية'.
وفي وجه دوامة القضايا هذه، يقول بليسيه دى غوسة إن فرنسا في حاجة إلى استراتيجية رقمية واضحة لتحديد أولوياتها الخاصة بالتدخل الحكومي.
ويقول معلقاً: 'إنه حقا سؤال متعلق بالرؤية الخاصة باتجاه اقتصاد الإنترنت في فرنسا. ربما نكون في حاجة للتدخل، لكن لفعل ماذا؟ لست متأكدا من أن لدينا هدفا واضحا، وبالتالي فإننا لا نتخذ قرارات تنظيمية من خلال توافق واضح مع هذا الهدف. والآن تحديدا فإن الأمر أحيانا يكون القليل من هذا وأحيانا القليل من ذاك فقط'.
ويضيف: 'الشركات الرقمية لديها فرص أكبر من شركات أخرى تدفع ضرائب، وتحترم اللوائح. وهذه مشكلة، وليست فقط في فرنسا'.
تعليقات