الليبيون سيعانون من الدمار الذي خلَفه 'القذافي'.. برأي خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 29, 2013, 12:18 ص 1665 مشاهدات 0
الوطن
أفكار و'أضواء' / 'القذافي'.. لن يسقط بالثورة
خليل علي حيدر
احتمال اسقاط نظام القذافي عن طريق الثورة الشعبية العامة على غرار الثورة الإيرانية عام 1979مثلاً، «احتمال غير وارد للاسف»، كتب أحد الباحثين الاسلاميين في مجلة «السُّنة» ابريل 1999 فالمشاركة الشعبية الليبية في الاحداث دائما محدودة مفقودة، والدليل على ذلك ان احداث باب العزيزية، مايو 89، كانت المحاولة فيها مقتصرة على مخططي ومنفذي العملية، كذلك في احداث الغارة الامريكية ، ابريل 1986، عندما غابت سلطة القذافي لعدة ايام، «فقد كانت درجة المشاركة او التفاعل الشعبي مع هذين الحدثين الخطيرين ضعيفة» ربما كان هذا المقال المطول الذي نشرته المجلة تحت اسم باحث يدعى «محمد علي محمد» بعنوان «ماذا بعد القذافي؟!»، اولى محاولات الاسلاميين الليبيين لدراسة احتمالات الاطاحة بالقذافي وما قد يعقب ذلك. حيث ان حكم القذافي، كما كتب، «سيُنزع قريباً، وأن القذافي الظالم لن يفلت من عقاب الله».
ونظرا الباحث في حجج المشككين في اي احتمال لسقوط نظام الطاغية فقال: «ربما يقول البعض: لقد قارب بل اشرف النظام المجرم على الموت عدة مرات، مثل محاولة انقلاب الرائد عمر المحيشي عام 1975، وفي محاولة النقيب إدريس الشهيي عام 1980، واحداث باب العزيزية 1984، ومحاولة اكتوبر 1993، ولكنه في كل مرة يخرج سليماً معافى.. لكن مبشرات سقوط نظام القذافي في الآونة الاخيرة اكثر احتمالاً من المرات السابقة».
ما الذي يعاني منه القذافي ونظامه في هذه المرحلة، بعد ثلاثين سنة من الطغيان، مما يبشر بزوال حكمه قريباً؟
ان الازمات السابقة التي عصفت بالنظام، يقول كاتب المقال، «جاءت وهو يحتفظ بقوته وجدّته، بينما النظام في ايامه هذه ضعيف متهالك ينتظر اقصَاءه، خاصة وأنه يعتمد اعتماداً كلياً مباشراً على فرد واحد. وهو الآن في أسوأ أحواله الصحية والنفسية والاجتماعية بعد اصابته البالغة في محاولة الاغتيال الاخيرة في مدينة البيضاء».
اما الفرق الثاني، فهو اشتداد عزلة القذافي، بعد ان كان محاطاً بمجموعة من المخلصين له تماماً، كان تعينه في تلك الازمات. «اما في هذه الآونة الاخيرة فقد تناقصت تلك المجموعة من جهتين: الاولى ان القذافي اقبل على التخلص من بعضهم مثل ابراهيم بكار عام 1993، ثم ابراهيم البشاري عام 1997، ثم عبدالسلام الزادمة عام 1998، وسجن عديله عبدالله السنوسي وموسى كوسة أخيراً. ومن جهة اخرى فان بعض المقربين اليه حاولوا اغتياله او الانقلاب عليه مثل محاولة اكتوبر 1993، ومحاولة اغتياله الاخيرة التي نجا منها باعجوبة».
وقد اجّج هذا كله صراعات عديدة داخل النظام وزرع الشكوك وأثار وضعاً تداخلت فيه المشاكل الشخصية بالصراعات القبلية، بالاضافة الى العزلة الداخلية التي يعيشها النظام منذ استيلائه على السلطة. فالقذافي، يقول الكاتب، «لا يحكم الشعب الليبي فقط، بل هو أيضاً عدوُ له يقتله صباح مساء منذ ثلاثة عقود حتى الآن، والقاتل او الجزار – مهما كنت قوته ودرجة حقده على الضحية – يسأم ويسقط من كثرة وطول القتال والجزارة رغماً عنه، مما يتيح فرصة الخلاص للضحية». وبالفعل رأيناكم خلال ثورة 2012، كم كانت القذافي يكره الشعب الليبي ويحتقره ويصفه بأحقر الصفات ويدعو الى سحقه بلا رحمة.
كان القذافي لعنة لا مثيل لها في تاريخ ليبيا، أنزل بالبلاد وبالشعب الليبي دماراً لا حد له.
«لقد أفسد القذافي مؤسسات الدولة الليبية الناشئة وانتهج القهر والإذلال للشعب وسيلة وحيدة لبقائه فاكتوى بناره من عارضه او سكت عنه، ثم اقبل على اعوانه يغتالهم الواحد تلو الآخر، ويبدد ثروات البلاد البشرية والمادية».
هذه المستجدات، في اعتقاد الكاتب، «تجعل الباحث والمتابع للشأن الليبي يتوقع سقوط هذا الحكم قريباً، لدى اول هزة تناله».
بلغ عدد محاولات الانقلابات والاغتيالات المنظمة ضد القذافي حتِى عام 1994، كما جاء في المجلة، احدى وثلاثين محاولة، يضاف اليها محاولتان عامي 96 ، 98، فيكون المجموع ثلاثاً وثلاثين، غير المحاولات الفردية. فكيف سيتخلص الشعب الليبي من هذا الكابوس الممتد عبر السنين.. بلا أمل في الخلاص!
احتمال حصول انقلاب على حكم القذافي، على غرار الانقلابات العسكرية التي جرت في العقود السابقة، ومنها انقلاب القذافي نفسه، «امر مستبعد تماماً». وذلك بعد ان فعل القذافي بالجيش الليبي مافعل. «فقد قام بحل الجيش وتفكيكه، ولم يبق من الجيش الا كتائب صغيرة العدد والعتاد، تقوم بحماية القذافي شخصياً، او بالحملات الامنية ضد الشباب الاسلامي.. ولكن يمكن توقع نجاح محاولة اغتيال القذافي».
ولكن هل الاغتيال يفسح المجال بسهولة لظهور قيادة شرعية مقبولة؟
الاحتمالات ليست كلها مشجعة، في اعتقاد الكاتب «فانه من الراجح ان يدخل القائم بإزاحة القذافي في صراعات داخلية لتوطيد الامور، في ساحة واسعة متباعد الاطراف يصعب الاتصال المنظم فيها ويقل الاطمئنان الى الولاءات . وهو كذلك لن يكون بعيداً من الضغوط الخارجية للدول الكبرى التي ستحاول الاتصال به ومساومته وربما ارغامه على قبول مصالحها».
هناك، بعد استبعاد حصول الانقلاب والاغتيال، احتمال الموت الطبيعي، ولكن «رغم اصابة القذافي الاخيرة، فان صحته بشكل عام تبدو جيدة ، وهو الان في السابعة والخمسين من عمره تقريباً».
ماذا سيحدث في ليبيا ان مات القذافي؟
«البعض يراهن ويحزم بانه اذا مات القذافي سيسقط نظامه تلقائياً ومباشرة». في ظني، يقول كاتب المقال، هذا السقوط ليس محتماً: «لأن الفوضى واللانظام الذي سار عليه القذافي لثلاثة عقود كاملة قد احدث نوعاً من النظام بالمقلوب».
وربما كان هذا من اطرف التنبؤات السياسية، وشر البلية ما يضحك!
سينفتح المجال للراغبين في اختطاف كرسي القذافي وهمينته. «ومن المستبعد ان يكون موت القذافي كموت جمال عبدالناصر او الملك حسين او هواري بومدين، بحيث يحسم امر خلافته. فالأول عيَّنَ نائباً له، والثاني عين ولي عهده، والثالث عينته المؤسسة العسكرية، ولا يوجد ما يقابل ذلك في «لا نظام» القذافي! ماذا عن احتمال التغيير من داخل النظام ؟
يقول: هذا ممكن نظرياً باحدى الكيفيات الآتية:
أ- عن طريق مجلس قيادة الانقلاب وتحديداً عن طريق عبدالسلام جلود، الذي يبدو أقرب من غيره من الاعضاء، بسبب ان قبيلته مسلحة (قبيلة المقارحة)، ولديه بعض الاتباع في اجهزة الامن وشركات النفط واللجان الثورية».
ولكن القذافي لسوء الحظ قد عقد الامور وضيق المجال. فقد قزّم دور مجلس قيادة الانقلاب، وجرد عبدالسلام جلود من سلطاته. وهكذا، فـ «الأرجح ان جلود لن يجرؤ ولا يستطيع ان يسقط القذافي».
من ناحية اخرى ، لن يجد جلود اي عون من مصر ونظام حسني مبارك، بعد ان «قام الاعلام الحكومي المصري عدة مرات بمهاجمة عبدالسلام جلود والسخرية منه».
ب – عن طريق «الساعدي »، ابن القذافي، الذي يقوم والده بتدريبه وتجهيزه للحكم، بتولي بعض المناصب الامنية الهامة، كما يتيح له والده قدراً من الظهور الخارجي، مثل المشاركة في جنازة الملك حسين .
واحتمال هذا الانقلاب أرجح، وقد يلقي بعد التزيين بالقول بان هذه القيادة ضرورية لاستقرار البلاد وامنها الداخلي والخارجي، وافضل من الفوضى، وربما هو الافضل بالنسبة للدوائر الخارجية ، يقول الكاتب، «حيث يكفل استمرار دور القذافي المدمر، ويقمع الحركة الاسلامية داخل البلاد، ويعين على قمعها في الدول المجاورة، وقد يقبل اجراء بعد التحسينات والتهذيبات المطلوبة. وفي الحقيقة فان هذا الاحتمال لو تحقق فانه لا يغير من واقع ليبيا شيئاً، بل يزيد من مأساتها، فهو استمرار لكارثة القذافي».
اما احتمال اسقاط النظام عن طريق الثورة الشعبية العامة، فهو «احتمال غير وارد للاسف»، وارجح الاحتمالات حدوثاً حصول انقلاب.. او الوفاة الطبيعية للطاغية.
ماذا سيحدث للبلاد بعد غياب قائده؟
غياب القذافي، يقول مقال مجلة «السنة»، «سيفاجئ الليبيين ويصيبهم بالذهول، ويُحدث نوعاً من الفوضى والارتباك»!
من اكبر مشاكل ما بعد سقوط هذا النظام، يضيف الكاتب، الفراغ السياسي المؤلم الموروث في زمن الملكية!
«فبعد الاستقلال 1951 تأسست الملكية الدستورية وتشكل المجلس النيابي ولكن بدون احزاب، فلما جاء الانقلاب المشؤوم انهى الملكية والمجلس، وجرّم الحزبية وامم النقابات. ومن ثم فلا توجد مؤسسات ولا هيئات ولا مرجعية.. هذا الفراغ الغامض المريب قد يغري احدى الجهات بدفع الامور الى اهدافها الخاصة».
هناك خطر آخر ناجم عن الفراغ السياسي، وهو ما سيرافق تكوين الدولة وانشاء مؤسساتها من جديد.. من الصفر «بل سيبدأ الليبيون في هذه الحالة بدركات اقل من الصفر نتيجة الدمار الذي يخلفه القذافي وراءه، والذي سيعاني الليبيون منه طويلاً».
ماذا عن «الفتنة الاهلية» و «الاطماع الدولية» و «المعارضة الليبية»؟ هذا ما سنراه لاحقاً.
تعليقات