ما أصعب أن تستنكر الحقيقة!.. هكذا يعتقد ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 1280 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية  /  سر المعبد

ناصر المطيري

 

«قراءة بلا تفكير ليست قراءة ولكنها تلقين، الأحرار فقط هم الذين يفكرون حين يقرأون» بهذ الاستهلال يبدأ ثروت الخرباوي كتابه بعنوان (سر المعبد.. الأسرار الخفية لجماعة الأخوان المسلمين) ليصطحب عقولنا في رحلة البحث عن الحقيقة التي لم يستطع أن يتحملها لوحده كما قال، فأبى إلا أن يستدرجنا معه الى «المعبد» ليجمعنا بشيوخه وكهنته حيث محطات تجربة مثيرة منذ انتظام الكاتب الخرباوي بجماعة الأخوان المسلمين في مصر والتي كان أحد رموزها وقيادييها وإلى غاية قراره الانشقاق عن الجماعة.

تحدث «الخرباوي» في كتابه عن المعركة الطاحنة بين عقله وقلبه: «هل أترك الجماعة أم أظل فيها حتى لو تحكم فيها الاستبداد؟، هل يطاوعني قلبي أن أترك جماعة أحببتها؟.. فضلتها على نفسي وبيتي وأولادي!». ويمضي بنا في كلماته بين صفحات فكره ليعلنها بمرارة وأسى «ما أقسى أن ترهن روحك لآخرين حتى لو كانوا ملائكة، وما أروع أن تكون عبدا لله وحده»، ويتساءل مستنكرا: «كم من العبوديات ترتكب باسم الله؟!».

ويقول القيادي الإخواني المنشق عن الجماعة في كتابه: «إن جماعة الإخوان المسلمين تحولت لسجن بشري، لا يحفل بقيمة الحرية»، ثم يستكمل في جزء آخر من الكتاب معترضا على هذا المنطق قائلا: «بئس العبودية التي جعلت بعضنا مسوخا مشوهة»، وصفهم بأنهم «يحبون «رص» الأخوة في أرفف الجماعة بحيث لا يتحركون ولا يفكرون إلا بالأمر، وبنفس الطريقة التي حددوها لهم في «الكتالوج» مضيفاً: «الإخوان يكرهون الأحرار ويحبون العبيد»، مدللا: «لذلك لم يرتفع شأن أحد في الأخوة بعد وفاة عمر التلمساني المرشد الأسبق للجماعة إلا إذا كان عبداً ! 
ويعتبر «الخرباوي» خروجه من الإخوان «شهادة ميلاد جديدة» له، ليقول إن أسرار «الإخوان» لا يعرفها معظمهم، فهي أسرار محفوظة عند الكهنة الكبار. 
ولعله اختزل مسيرة الأخوان المسلمين منذ عهد حسن البنا وحتى اليوم بنصف سطر من الكلمات فقال: «هم جماعةٌ دعويةٌ ضلّت طريقَها إلى السياسَة، زعَمَت أنها تُريد أن تُصلِح السياسة بالدِّين فأفْسدَت دينَها بالسياسة !!». 
وخلال الكتاب يطرح «الخرباوي» تساؤلات صادمة لعقل القارئ يجيب عنها أحيانا، ويترك إجاباتها أحيانا أخري، ربما للقارئ، ربما للزمن، ومن ضمن الأسئلة التي طرحها ولم يجب عنها، واكتفى فقط بطرح بعض المعلومات، سؤال: «ما علاقة الإخوان بالماسونية ؟»، فيقول «التنظيم الماسوني يشبه من؛ حيث البناء التنظيمي الإخوان حتى درجات الانتماء للجماعة وجدتها واحدة في التنظيمين».
ويحكي «عندما كنت طالبا بكلية الحقوق وقع تحت يدي طبعة قديمة لأحد كتب الشيخ محمد الغزالي يتحدث ان المرشد الثاني حسن الهضيبي كان ماسونيا، كما وقعت تحت يدي مقالات سيد قطب في جريدة التاج المصري، وهي لسان حال المحفل الماسوني المصري، ولا تسمح لأحد من خارج الماسون من الكتابة فيها»!! ثم يترك علامات الاستفهام والتعجب دون إجابة لينتقل لموضوع آخر.
ويسرد الخرباوي واقعة وصفها بأنها كانت اكتشافا «مذهلا» له، وهي واقعة «تزوير انتخابات الجماعة الداخلية في انتخابات النقابات الفرعية للمحامين»، ويعقب على هذا قائلا: «ما أقسى أن يكون الواعظ لصاً، وأن يكون الكذاب داعية». 
وأنا أتصفح ما كتبه الخرباوي في «سر المعبد» كنت مذهولا بما طرحه عن خطة التمكين؟ وكيف اخترق الإخوان الأجهزة الحساسة في الدولة؟ وما هو دور شكري مصطفى زعيم التكفير والهجرة في صياغة وجدان وعقل الإخوان الجدد؟ وما هي العلاقة الفكرية بين حسن البنا والفكر الوهابي عند نشأة المملكة السعودية بقيادة الملك عبدالعزيز؟ في النقابات؟ وكيف صعد هذا الجيل الذي يحكم الآن وما هو سر «الرضا الأميركي السامي» عن الإخوان وماذا فعلوا عبر قنوات متشعبة للحصول على هذا الرضا؟!
هذا بعض ما قرأته في سر المعبد ولا أزال أفكر فيما قرأت فأجد نفسي أواجه شعورا يمتزج به شعور الصدمة والأسى، فعرفت أن «النوايا الطيبة والمشاعر النقية تدل على الطريق في بعض الأحيان ولكنها في أحيانٍ أخرى تعمي البصر».
فهل حقا ما قاله ثروت الخرباوي؟: إن من عاش في العتمة زمناً يفاجئه النور فيغشى بصره للحظات ويصعب على حدقتيه استيعاب الضياء.. وقتها قد تنكر العين الضوء وتستنكره.. وما أصعب أن تستنكر الحقيقة.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك