لا ينبغي لبريطانيا أن تخشى عام 2013 وما بعده بقلم كريس جايلز
الاقتصاد الآنديسمبر 31, 2012, 3:24 م 652 مشاهدات 0
لطالما ظل الاقتصاد البريطاني منذ الحرب العالمية الثانية مثل كلب صيد عجوز مطيع. فعلى الرغم من تعرضه لنوبات من النمو والتوقف، وإلى ركود تضخمي، ورغم أنه أصبح رجل أوروبا المريض الذي تنتابه من حين إلى آخر نوبات من الإحساس المفرط بالثقة، إلا أن أداءه على المدى الطويل يبدو مستقرا على نحو لافت. وظل هذا صحيحاً حتى عام 2007 على الأقل. فقد زاد دخل الفرد بمتوسط سنوي بلغ نحو 2 في المائة سنوياً، ما عكس زيادة موازية في الإنتاجية، في حين أن إجمالي الدخل القومي ارتفع بشكل أسرع بينما كان عدد السكان يزداد من 50 مليونا عام 1951 إلى 63 مليونا في 2011.
لم تحظ بريطانيا بالنمط الألماني لما بعد الحرب، أو ما يسمى ''المعجزة الاقتصادية'' في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولا حظيت بالنمط الأمريكي؛ ''الحداثة الكبرى'' من التضخم حتى العقد الذي تلا عام 1984. وعلى الرغم من أن الجميع متحمسون بشكل كبير لكل سياسة اقتصادية جديدة، إلا أن النتائج صعبة للغاية لتمييزها في البيانات.
أفضل ما يمكن أن يوصف به اقتصاد بريطانيا منذ عام 1945 إلى عام 2007 هو أنه متأرجح في مظهره الخارجي، لكنه في الجوهر مستقر وممل. ومنذ أن وقعت الأزمة المالية لا يزال عليه أن يتعامل مع الحقيقة المزعجة المتمثلة في أنه لم يعد يمكنه الاعتماد على أن المستقبل سيكون كالماضي.
وبدلاً من نمو على أساس إنتاجية العامل بمعدلات سنوية طبيعية بشكل عام بحيث تكون الآن أعلى 10 في المائة مما كانت عليه في 2007، هبطت الإنتاجية أكثر من 4 في المائة خلال هذه الفترة. من بين كل اقتصادات مجموعة السبع الرائدة، كان لبريطانيا أكبر نصيب من خسارة الإنتاجية، مقارنة بالاتجاه الذي ساد قبل عام 2007. ويقدر مكتب مسؤولية الميزانية أن المواطنين سيتعين عليهم الانتظار حتى نهاية عام 2014 كي يصعد الإنتاج مرة أخرى إلى ذروته عام 2008. وتشير توقعات مصرف إنجلترا إلى أن لدى السير ميرفين كينج فرصة لمغادرة منصب محافظ المصرف في الصيف المقبل، ومعدل الإنتاجية أكبر مما كان عليه عندما تولى المنصب قبل خمس سنوات.
وكون ميرفن هو الذي ابتكر جملة ''عقد لطيف'' لوصف الاقتصاد المتوسع بثبات وغير المتضخم الذي ورثه عام 2003، فهو بالتالي سيناضل للاختلاف مع مايكل سوندرز، من ''سيتي جروب''، في أن موقف بريطانيا الآن ''سيّئ''، مع وجود تضخم متأرجح وتوسع أقل. فلم يعد هناك وجود للاقتصاد البريطاني القديم الذي كان يعتمد عليه. وفي أوقات التغير، من الطبيعي أن نبحث عن سوابق تكون فيها اقتصادات غنية مرت بتجربة تعرضت فيها حظوظها إلى ترد مفاجئ. فاليابان عاشت تجربة انخفاض متوسط معدل النمو السنوي من 4 في المائة في الثمانينيات إلى 1.1 في المائة في التسعينيات. ويبدو أن العقد أو العقدين اللذين شهدا خسائرها يشيران إلى الطريق الذي ستسلكه بريطانيا في عام 2013 وما يليه.
ويأتي التشابه في الأرقام الاقتصادية الأولية في ميزانية الحكومة. فبعد خمسة أعوام على أزمتها، وقف إجمالي دين القطاع العام الياباني عند 91 في المائة من الدخل القومي، قبل أن يصل إلى 230 في المائة هذا العام. وارتفع معدل الدين في بريطانيا بوتيرة مماثلة إلى 89 في المائة هذا العام.
وعلى النطاق الاجتماعي، تصادفت الأزمة اليابانية مع جيل من الشباب لم تكن لديهم الميزة التي حظي بها آباؤهم. ففي ظل خسارة في الأمان الاقتصادي ومعدلات الزواج المنخفضة، وصلت نسبة الراشدين الذين تراوح أعمارهم بين 35 و44 عاماً وما زالوا يعيشون في منزل العائلة، إلى معدلات غير مسبوقة بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1990، بحيث تجاوزت 16 في المائة بحلول عام 2010. وليس من العجب أن معدل الخصوبة في اليابان هبط إلى معدلات خطرة. ولا يتعين على بريطانيا أن تشعر بالرضا عن النفس لمعدلات خصوبتها الأعلى، لأنها هي الأخرى تشهد ارتفاعاً في نسبة الشباب الذين يعودون للعيش مع آبائهم.
وأوجه التشابه متقاربة إلى حد كبير، لكنني بعيد عن كوني مقتنع بأن اليابان هي أفضل أنموذج إرشادي لمستقبل بريطانيا. وبدلاً من الخوف من تكرار تجربة ما بعد الفقاعة اليابانية، على بريطانيا أن تنظر من كثب إلى مكان قريب منها؛ ألمانيا.
فما أن تعثرت طفرة إعادة التوحيد عام 1990، حتى واجهت الجمهورية الاتحادية مشهدا اقتصاديا أكثر صعوبة، حين تدهورت معدلات النمو السنوية المتوسطة من نحو 2 في المائة في الثمانينيات إلى 1.3 في المائة في السنوات العشر المنتهية عام 2006. وتطلب الضغط على المالية العامة جرعات متكررة من التقشف والإصلاح في الشؤون الاجتماعية. واستلزمت إعادة دمج ألمانيا الشرقية مساهمة دائمة من دافعي الضرائب، وكذلك الأمر مع إنتاج النفط المتناقص في بحر الشمال وتطبيع الصناعة المصرفية في المملكة المتحدة.
لكن الأنموذج الألماني يشير إلى طريق سوق العمل. فقد ظل التوظيف مستمراً في الارتفاع بثبات في ألمانيا وبريطانيا حتى بعد الأزمة، في حين أن البداية الباكرة لشيخوخة السكان في اليابان لم تؤد فقط إلى تراجع في أعداد الأشخاص ما بين سن 15 و64 منذ عام 1990، لكن أيضاً إلى هبوط في معدلات التوظيف منذ عام 1997.
وإنتاجية باقي الموظفين ترتفع بسرعة أكبر في اليابان حتى في الوقت الذي يسير فيه الاقتصاد ببطء، أي عكس ما يحدث في بريطانيا وألمانيا. وزادت أعداد النساء في قوى العمل في الاقتصادين الأوروبيين الكبيرين، وأدى التقبل الكبير للتغير الاجتماعي إلى أن أصبح نحو 9 في المائة من الموظفين في كل من بريطانيا وألمانيا من قوميات أجنبية، مقارنة بـ 0.3 في المائة في اليابان. والعودة إلى مستوى القدرة التنافسية في ألمانيا يتطلب سنوات من ضبط الأجور وانخفاض النمو في الاستهلاك إلى أقل بكثير من المعدلات التي اعتاد عليها عمال غرب ألمانيا.
ولا ينبغي لأي شخص أن يبتهج لتشابه الاقتصاد البريطاني مع الألماني. فقبل خمس سنوات فقط، كان المسؤولون سينظرون إلى جهود برلين لإعادة تنشيط اقتصادها ويهزأون. فبالكاد كان اقتصادها موجودا، لكن بوصفها أنموذجا للتعامل مع الهبوط المفاجئ، فهي مثال جيد للمقارنة فقد حققت نتائج أفضل من اليابان.
ولا ينبغي لبريطانيا أن تخشى عام 2013 وما بعده.
تعليقات