ما الفرق بين «صُنع في السعودية» و«صناعة سعودية»؟ بقلم د. سعيد بن على العضاضي

الاقتصاد الآن

1889 مشاهدات 0


فاجأ وزير الصناعة والتجارة الأسبوع الماضي ضيوف حفل شركة إيسوزو في الدمام وهو يقود الشاحنة ''إيسوزو'' كأول سيارة يابانية من هذا النوع تصنع في السعودية. وقوبل هذا الفعل من الوزير بعاصفة من التصفيق وموجة من الفرح أعقبتها سلسلة من التعليقات والمقالات وردات الفعل ما بين متفائل، ومتعجب، ومتسائل، فدخول دولة نامية في صناعة متقدمة بين عشية وضحاها يقيض في أنفسنا عددا من التساؤلات منها: كيف بدأت هذه الصناعة؟ ولماذا لم نسمع عن هذا التوجه من قبل؟ وهل أعدت للاستهلاك المحلي أم للتصدير؟ وما الجدوى الاقتصادية من ورائها، فهناك بدائل أخرى غير السيارات كان من الممكن الاستثمار فيها، وما علاقة اليابان بهذا؟ هل هناك شراكة أم استثمار أجنبي أم حضانة أم ماذا؟   وكي نجيب عن هذه الأسئلة يتعين علينا توضيح الجانب العلمي الذي يبين لنا مبررات الاستثمار في مجال صناعة السيارات في بلادنا حتى لا نضطر إلى الولوج إلى صناعة دون دراسة وتأصيل علمي كما فعلت جامعة الملك سعود عندما أعلنت إنتاجها سيارة أطلقت عليها ''غزال 1'' ثم خمدت الفكرة وأصحبت في طي الكتمان وتبين بعد ذلك أنها فرقعة إعلامية هدفها الظفر بتصنيفات أكاديمية.   ذكرت في مقال سابق أن علماء الاقتصاد والتسويق الدولي يرون أن الصناعات التي تركز على المنتجات التقليدية لا تمثل المورد الاستراتيجي الآمن للدول، لأنها عرضة للتقلبات المفاجئة، لكن ماذا يقصد بالمنتجات التقليدية؟ وكيف تختلف عن المنتجات غير التقليدية؟ المنتجات التقليدية هي التي لها مساهمة تاريخية في الدخل الإجمالي للدولة وتمثل نسبة كبيرة من الصادرات مثل: النفط في السعودية، والقطن في مصر، والبن في البرازيل، والشاي في كل من الهند والصين، والصوف في نيوزيلندا. أما المنتجات غير التقليدية فهي على العكس تماما، فهي تلك المنتجات التي ليست لديها مساهمة تاريخية في دخل الدولة ولا تمثل إلا نسبة بسيطة من الصادرات. ويعد البلاستيك، ومواد البناء، والجلود والنسيج، والمنتجات الورقية، والمفروشات، والسيارات منتجات غير تقليدية في السعودية بينما النفط والغاز منتجات غير تقليدية في كل من الهند ومصر. وكما ذكرت من قبل أن الدول إذا أرادت أن تكون بعيدة عن التقلبات الاقتصادية وتحافظ على سلامة اقتصادها وخططها التنموية فيجب عليها أن تستغل جزءا من إيرادات الصادرات التقليدية لتغذية وتنمية قطاع الصناعات غير التقليدية، خصوصا تلك القابلة للتصدير.   وبناء على ذلك يمكن القول إن السيارات تعد منتجات غير تقليدية، وهذا يعني أن من مصلحة الدولة أن تستثمر في هذا المجال، إضافة إلى أن هناك مقومات إقامة مثل هذا النوع من المنتجات مثل توافر المواد الخام ووفرة رؤوس الأموال، إلا أن هناك معوقات عدة منها المنافسة العاتية من شركات السيارات، فالسوق السعودية سوق مغرية لكثير من مصانع السيارات، إضافة إلى ندرة المهندسين والعمال المهرة، فتظل الموارد البشرية عائقا يقف أمام مصانع السيارات من الناحيتين الاقتصادية والقانونية، فهل يمكن أن نطلق على مصنع للسيارات أغلبية العاملين والفنيين والإداريين فيه غير سعوديين؟ هل من الممكن أن نطلق عليه مصنعا سعوديا؟ فهناك فرق بين ''صنع في السعودية'' وبين ''صناعة سعودية''، فهل مجرد نقل مصنع من مكان ما من العالم إلى بلادنا يحق لنا أن نضع دمغة على مؤخرة السيارة تقول ''صُنع في السعودية'' رغم أن المساهمة الوطنية تتمثل فقط في موقع المصنع؟   وأريد أن أذيل مقالي هذا بمقترحين لا ثالث لهما قد يفيدان وزارة التجارة والصناعة ومن يدور في فلكها إذا كانت بالفعل جادة في مجال صناعة السيارات. أولا وقبل كل شيء ينبغي أن نعرف التصنيف المناسب لبلادنا عالمياً، فهناك منظمات دولية عدة تقوم بتصنيف الدول كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، الأنكتاد، وهيئة الأمم المتحدة. بعضها يستخدم عاملا واحدا عند التصنيف كمعدل دخل الفرد، وهذا غير دقيق، لأنه يصنف دولا على أنها متقدمة وهي لم تكمل بعد بنيتها التحتية. منظمات أخرى كهيئة الأمم المتحدة تأخذ في الحسبان عوامل عدة مرتبطة بنمو بعض المرافق الحيوية، وبهذا تصنف الدول إلى ثلاث فئات: دول متقدمة Developed country ودول نامية Developing country ودول أقل نموا Less Developed country، وقد أضيفت السنغال إلى قائمة الدول الأقل نموا عام 2003 وبذا ارتفع عددها إلى 50 دولة، وتصنف السعودية وفقا لهذا المعيار كدولة نامية. لذا يجب عند إعداد الخطط الاستراتيجية للصناعة الاعتماد على تصنيف هيئة الأمم المتحدة وعدم الاغترار بالتصنيفات الأخرى مهما كانت براقة كما تفعل الصين التي تناضل من أجل تصنيفها كدولة نامية لأن هذا يعفيها من كثير من الأعباء الدولية ويسمح لها بدعم بعض صناعاتها الاستراتيجية في عصر العولمة.

ثانيا: يجب دراسة واقع الصناعات الحالية في بلادنا ومدى قابلية مخرجاتها للتصدير، فالصناعة التي لا يرجى من ورائها تصدير يكون أثرها في الدخل الإجمالي للدولة ضئيلا، فنريد أن نعرف هل من الممكن أن نجني أرباحا من تصدير السيارات؟ وما نسبة مساهمة السيارات في إجمالي الصادرات غير النفطية؟ فالحقائق الإحصائية تقول إن منتجات مواد البناء تمثل أعلى نسبة، حيث تبلغ صادراتها 20 في المائة من إجمالي الصادرات غير النفطية، تليها المنتجات الكيماوية والبلاستيكية، حيث تمثل صادراتها نحو 17 في المائة، بينما المنتجات الورقية والمفروشات تعد أقل أنواع الصناعات السعودية بنسبة 8 في المائة، وتمثل صادراتها نحو 4 في المائة من إجمالي الصادرات غير التقليدية. أما صناعة السيارات فليست هناك إحصائية واضحة لا من الغرف التجارية ولا من مصلحة الإحصاءات العامة تبين لنا مساهمة هذا المنتج في إجمالي الإنتاج أو التصدير، فما زال هناك غموض، وهنا نريد أن نختم فنقول: إننا نخشى من الجهات المعنية التسرع في إنتاج السيارات دون دراسات متأنية.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك