السياسة والنفط آفة الاقتصاد الكويتي

الاقتصاد الآن

333 مشاهدات 0


اذا أردت أن تقيس تأثير الأزمة السياسية الكويتية على الاقتصاد حاول الدخول على الانترنت من خط اتصالات أرضي، يقول مسؤول بارز بقطاع الاتصالات إن الخط بطيء جدا وسرعته نحو نصف سرعة الخطوط في أي دولة خليجية غنية أخرى.

وتملك وزارة الاتصالات وتدير البنية التحتية للخطوط الثابتة في البلاد وتدفع شركات الانترنت الأربعة العاملة في البلاد للحكومة مقابل استخدامها.

لكن المدير العام لشركة كواليتي نت عيسى الكوهجي التي تبلغ حصتها 45% في سوق خدمة الإنترنت عن طريق الخطوط الأرضية يقول ان عرض نطاق الشبكة المعتمدة على الكابلات النحاسية لا يكفي للوفاء بطلب المستخدمين.

ويقول الكوهجي ان 15% فقط من اتصالات الإنترنت عن طريق الخطوط الأرضية في البلاد تستخدم خطوط الألياف البصرية الأسرع والشائع استخدامها في دول الخليج الأخرى.

وقال لرويترز في سبتمبر الماضي “نتلقى العديد من المكالمات من عملاء يطلبون الحصول على السرعة القصوى بالسعر المتاح لكن لا يمكنهم ذلك”، واضاف “يتعين أن تبذل الحكومة جهدا أكبر لتحسين البنية الأساسية للاتصالات بدلا من خفض الأسعار.

وبالنسبة للعديد من رجال الأعمال أصبحت الكويت تمثل تناقضا محبطا فهي دولة غنية جدا لكنها متخلفة اقتصاديا. ويبدو أن الفجوة بين ثروتها ومستوى التنمية فيها تتسع.

وتصاعدت التوترات السياسية في البلاد في الاشهر القليلة الماضية ما دفع السلطات لحل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في الأول من ديسمبر كانون الأول. وزاد ذلك من مخاوف رجال الأعمال من أن يكون النظام السياسي غير قادر على معالجة المشكلات الاقتصادية.

وانتقد العديد من المسؤولين بالشركات علنا إدارة الحكومة للاقتصاد في ظاهرة نادرة في منطقة يفضل مجتمع الأعمال فيها التقرب من السلطة سرا.

وفي الكويت الغنية بالنفط والتي يبلغ عدد سكانها 3.7 مليون نسمة منهم 1.2 مليون مواطن كويتي يبلغ نصيب الفرد من اجمالي الدخل القومي نحو 50 الف دولار وهو من أعلى المستويات في العالم وثاني أعلى مستوى في دول الخليج العربية بعد قطر.

لكن البنية الأساسية المتهالكة ومناخ الأعمال غير المواتي والاعتماد شبه الكامل على النفط يضع الكويت في مستوى أدنى بكثير فيما يتعلق بتطور ونشاط اقتصادها خاصة بالمقارنة مع الدول المجاورة لها في الخليج التي تعمل جاهدة على تطوير البنية التحتية وتنويع اقتصاداتها عن طريق استثمارات القطاع الخاص.

ويقول كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط فاروق سوسة لدى سيتي جروب في دبي ان اقتصاد الكويت يحتاج لتحديث واستثمار من آبار الإنتاج إلى المصافي ومن البنية الأساسية إلى الرعاية الصحية.

تصطف المباني غير المكتملة على امتداد النظر تحيط بها أكوام من الركام والقمامة التي لا تجد من يزيلها او يكمل البناء على مدى شهور في المناطق السكنية بسبب خلافات على ملكية الارض أحيانا. وبيروقراطية الحصول على التراخيص والمعاملات الإدارية الأخرى بطيئة ومؤلمة ولا يمكن عادة اتمامها إلا بشكل شخصي او عن طريق الفاكس الذي مازال وسيلة اتصال شائعة الاستخدم بين المؤسسات بدلا من الانترنت.

وقال دبلوماسي في الكويت طلب عدم نشر اسمه بسبب الحساسية السياسية لتصريحاته “الكويت لديها مستوى من أعلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي في العالم لكن الطرق مليئة بالحفر والتكدس المروري والمطار في حالة غير مقبولة فيختلط فيه المسافرون بالواصلين.

ويرجع الكثير من تخلف الاقتصاد الكويتي إلى أوضاع البلاد السياسية. فقد تصاعدت التوترات في السنوات الماضية بين الحكومة التي يقودها رئيس وزراء معين من قبل أمير البلاد البالغ من العمر 83 عاما وبين البرلمان الأكثر قوة بين برلمانات دول الخليج.

وعطل الصراع المتواصل بين المعسكرين اعمال البرلمان وتسبب في تغيير الحكومة ثماني مرات في ست سنوات وورط صناع القرار الاقتصادي في اتهامات بعدم الكفاءة والفساد.

وعطل ذلك إقرار وتنفيذ جزء كبير من خطة التنمية الاقتصادية التي تتكلف 30 مليار دينار (107 مليارات
دولار) والتي أعلنت في اواخر عام 2010 وتشمل خططا لبناء مصفاة جديدة ومطار ومستشفيات.

وفي عام 2004 بلغ الانفاق الرأسمالي لحكومة الكويت نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي اي أعلى قليلا منه في السعودية وفقا لبيانات مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني.

ومنذ 2004 بدأت دول خليجية أخرى في ضخ عشرات المليارات من الدولارات في شبكات مواصلات وصناعات جديدة وتكنولوجيا حديثة فقفز الانفاق الرأسمالي السعودي إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي. ولم يرتفع انفاق الكويت إلا قليلا ليتجاوز 5% بقليل وفقا لبيانات فيتش التي حذرت الشهر الماضي من ان الكويت قد تفقد تصنيفها “AA” بسبب مشكلاتها السياسية.

وألقى ابراهيم دبدوب الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني أكبر بنك في البلاد اللوم علنا في انخفاض مفاجيء بنسبة 42 بالمئة في ارباح البنك في الربع الثاني من العام على فشل الحكومة في المضي قدما في مشروعات البنية الأساسية.

وقال في يوليو الماضي انه على المستوى المحلي أصبحت التوقعات السلبية حتمية مع استمرار الانفاق الحكومي خاملا وتأخر طرح عطاءات لمشروعات جديدة واستمرار انكماش قيم الأصول مع الأداء المنخفض لسوق الأسهم المحلية.

غير أن مشكلات الكويت أعمق من الأوضاع السياسية. فاعتمادها الكثيف على النفط يبدو أنه شل أجزاء أخرى من الاقتصاد. ويمثل النفط أكثر من 90% من الإيرادات في ميزانية الدولة وهو مستوى مرتفع حتى بمعايير منطقة الخليج.

فدول مثل السعودية التي يتعين عليها توفير فرص عمل لمواطنيها الذين يتجاوز عددهم 18 مليون سعودي والإمارات العربية المتحدة التي تضم دبي المركز التجاري لديها حوافز قوية لإقامة قطاع خاص قوي عن طريق تحسين الاجراءات التنظيمية للشركات والحد من البيروقراطية.

لكن ثروة الكويت النفطية كبيرة لدرجة انها ازدهرت رغم تجاهل الدولة للقطاع الخاص. ويقلل ذلك من الضغوط الفورية على الدولة لتوفير مناخ موات للأعمال.

وتأتي الكويت في المرتبة 82 على قائمة البنك الدولي للدول التي حققت تقدما في تبسيط اللوائح التنظيمية للأعمال لتصبح الأدنى بفارق كبير بين الدول العربية الخليجية المصدرة للنفط. وتفيد الدراسة انه من الاسهل عقد صفقات في دول أفقر مثل بوتسوانا وروسيا البيضاء.

واجتذبت الكويت استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 399 مليون دولار فقط في عام 2011 أي 1.5% من إجمالي الاستثمارات الاجنبية المباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي وفقا لبيانات مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). ويمثل سكان الكويت 6.2% من سكان مجلس التعاون الخليجي.

وفي خطاب مفتوح نادر إلى رئيس الوزراء في سبتمبر الماضي قالت صحيفة القبس الكويتية ان البلاد فشلت في مواكبة التطورات الحديثة وانها في حالة من الشلل التام.

وقال سوسة من سيتي جروب إن الطلب الكامن على الاستثمار تراكم في الكويت وان المطلوب “نوع من الانفراجة السياسية” لتطلق له العنان. ولكن ليس هناك ما يشير إلى انفراجة وشيكة.

وانتخابات ديسمبر قد تسفر عن برلمان آخر عازم على مواجهة الحكومة. وإذا أدت التعديلات المثيرة للجدل لقانون الانتخابات التي أعلنت الشهر الماضي إلى انتخاب برلمان أكثر مهادنة فإن الاحتجاجات ومقاطعة المعارضة للتشريع قد تصعب الإدارة في البلاد.

ومع استمرار اسعار النفط المرتفعة يمكن للكويت الاستمرار على ما هي عليه. فتفيد توقعات فيتش أن الاقتصاد الكويتي يمكن ان ينمو بمعدل 2.3% في العام المقبل وهو أبطا معدل بين دول الخليج المصدرة للنفط لكن بفضل النفط ستتمتع بأعلى فوائض في الميزانية وميزان المعاملات الجارية عند 22.9% و37% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي.

واحتياطيات النفط في البلاد من بين الارخص في استخراجها على مستوى العالم لذلك فإن مالية الدولة لن تتأثر إلا إذا هبطت اسعار النفط بدرجة كبيرة جدا. وتفيد تقديرات صندوق النقد الدولي أن سعر النفط اللازم لتحقيق التعادل في الميزانية الكويتية كان 44 دولارا فقط للبرميل في السنة المالية الماضية.

وحتى إذا بدأت في تسجيل عجز في الميزانية فإن الكويت يمكنها العيش على مدخراتها لسنوات طويلة. فمن المعتقد أن هيئة الاستثمار الكويتية وهي صندوق الثروة السيادي تضم اصولا تتجاوز قيمتها 300 مليار دولار في أنحاء العالم. ويقدر انفاق الحكومة في هذه السنة المالية رسميا عند مستوى 76 مليار دولار.

لكن الكويت قد تظل ابطا بكثير من دول الخليج الأخرى فيما يتعلق بالاستثمار الاجنبي المباشر وتطوير القطاع الخاص إذ يحجم رجال الاعمال الأجانب عن القدوم وتركز الشركات المحلية على فرص في الخارج.
فقد قال بنك الكويت الوطني على سبيل المثال انه يهدف لتحقيق 50% من أرباحه من فروعه في الخارج بحلول 2020 ارتفاعا من 29% الآن.

وإذا انخفضت أسعار النفط على المدى الطويل ستصبح الكويت في نهاية الأمر معرضة للخطر إذا لم يكن لديها قطاع خاص قوي تعتمد عليه خاصة إذا ضغطت التوترات السياسية على الحكومة للاستمرار في زيادة أجور القطاع العام والرعاية الاجتماعية في السنوات المقبلة.

وحذر صندوق النقد الدولي في تقرير في يونيو من أن “البلاد عند مفترق طرق الآن فيما يتعلق بالحفاظ على الثروة للاجيال المقبلة.

وحث الكويت على انفاق المزيد على البنية الأساسية وإصلاح الاجراءات التنظيمية للشركات لخلق المزيد من فرص العمل.

الان - ووكالات

تعليقات

اكتب تعليقك