الرهن العقاري والرقابة الصارمة

الاقتصاد الآن

709 مشاهدات 0



الرهن العقاري يعتبر أحد المداخل المهمة في دعم قدرة المواطنين على توفير السكن الملائم، والسكن لأي إنسان يعتبر مطلبا أساسيا لتحقيق الاستقرار الأسري، وفي ثقافتنا المحلية يأتي توفير السكن الملائم للأسرة في أولى أولويات أرباب الأسر رجالا أو نساء، وتوفير السكن للأسرة يعتبر الضامن بعد الله - سبحانه وتعالى - لاستقرار الأسرة وتحقيق الطمأنينة عليها من رب الأسرة، لأن تحقيقه سكنا لأسرته ضمان لها للاستقرار وعدم تعرضها للتشتت لأي سبب من أسباب الحياة، مثل فقد رب الأسرة دخله أو عمله أو عجزه أو وفاته، ووفقاً للعديد من الدراسات الاستطلاعية والبحثية فإن الكثير من الأسر تعاني أشد المعاناة بعد فقد رب الأسرة من توفير السكن البسيط، خصوصاً للأسر التي تعيش في مساكن مستأجرة.

إن العديد من تلك الدراسات أوضحت كيف أن الأسر الفاقدة سكنها تواجه صعوبات تصل إلى سوء استغلال البعض لحاجة الأسرة للسكن، خصوصاً في حال غياب رب الأسرة، حتى إن الأمر يصل ـ ومع الأسف الشديد - إلى الابتزاز الجسدي لسيدة الأسرة أو بعض بناتها في مقابل توفير سكن لهن، ووفقاً أيضاً لمسوحات اجتماعية أوضحت معاناة العديد من السيدات من المضايقات الشخصية لهن مقابل توفير السكن أو تأجيل دفع الإيجار، وقصص المعانات مع توفير المسكن وما يرتبط من مشاكل قصص لا تنتهي، ولهذا فإن الرهن العقاري يعتبر إضافة جديدة لمعالجة فرص توفير المساكن للأسر ذات الدخل المتوسط، وما هو أقل منه بشيء بسيط، وهي تمثل شريحة كبيرة من شرائح المجتمع، لكن هذا الرهن العقاري إذا لم يحمَ بالأنظمة التي تمنع التلاعب به أو استخدامه بما يضر شرائح المجتمع فإنه يتحول إلى مشكلة اقتصادية اجتماعية أمنية كبيرة.

إن الرهن العقاري سلاح ذو حدين، فإذا لم توضع الضوابط التي تضمن الرقابة الدائمة والصارمة على منفذيه فإنه يضيف عبئا إضافيا على المواطن والوطن، ولعل ما تعرض له الرهن العقاري في الولايات المتحدة من سوء إدارة واستغلال أدى إلى تأثير مباشر في اقتصاد المواطن ثم الوطن ثم العالم أجمع، ولهذا فإن تجربة المملكة العربية السعودية في تطبيق نظام الرهن العقاري وما يرتبط به من أنظمة تمويل سبق الإعلان عنها تستوجب وضع اللوائح التنفيذية الواضحة والصريحة التي تحدد المسؤوليات والصلاحيات وتجرم الأفعال المخالفة لهذا النظام وما يرتبط به من أنظمة تمويل وما يقدمه الممولون من برامج لدعم مشروعات توفير المساكن.

لقد خلقت أزمة الولايات المتحدة وما تبعها ارتدادات اقتصادية بسبب سوء إدارة وإعادة التمويل في نظام الرهن العقاري أدت إلى تخوف العديد من المؤسسات المالية والرقابية من أي تجارب جديدة في هذا المجال، وبما أن الرهن والتمويل العقاري في المملكة العربية السعودية نظام جديد وفقاً لما صدرت به الأنظمة الأربعة الجديدة تعزز من تلك المخاوف نتيجة حداثة التجربة وغياب البنية الأساسية لتنفيذ هذا النظام وما يتطلبه من إجراءات إدارية وقضائية ربما تكون من المعوقات الأساسية التي تؤدي إلى عدم نجاح هذا النظام قبل تنفيذه، ولعل التجارب غير المباشرة التي كنا نتعامل معها ضمن المفهوم المحدود للرهن العقاري الذي كان يطبق في المملكة وكيف عانى ويعاني المتعاملون معه وبه من كثرة المشاكل الإدارية والمالية والقضائية والتعسف في تقديم أصول العقار والتثمين، لهذا فإن المرحلة القادمة تتطلب العديد من الإجراءات العاجلة والدائمة، منها على سبيل المثال:

1- وضع اللوائح التنفيذية التفصيلية الموضحة لكل المسؤوليات والصلاحيات والجزاءات لكل مخالفة من الأطراف المعنية.

2- تحديد الجهة أو الجهات المعنية بالرقابة على تنفيذ هذا النظام والجهات المعنية بمراقبة مراقبي التنفيذ حتى يمنع أي تجاوز أو إهمال من قبل الجهة المراقبة لتطبيق النظام.

3- أن يتم وضع نظام لما يمكن تسميته نظام المقيمين المعتمدين لأن وجود هذا النظام وبناء الخبرة لدى من يقوم بتقويم قيمة العقار المطلوب استملاكه يعتبر نقطة أساسية حافية لحقوق الطرفين الممول والممول.

4- أن يكون الإقراض للفئات القادرة على تسديد قيمة القرض حتى لا يؤدي ذلك إلى ارتفاع حجم الديون والمديونين، ما يؤدي إلى انهيار النظام وارتفاع معدلات المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.

5 ــ التأكد من وجود الرقابة الصارمة على المقترضين لضمان عدم وجود أكثر من قرض لدى الشخص وفقاً لقدراته المالية على السداد.

6 ــ أهمية الشفافية الصادقة والصارمة في إيضاح أي مخالفات من قبل أي طرف لنظام الرهن العقاري وما يرتبط به من أنظمة ولوائح تنفيذية وألا تتم المجاملة في ذلك حتى نضمن أن يحقق الرهن العقاري رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز في دعم كل خير يخدم مواطن المملكة العربية السعودية، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك