التأثيرات المحتملة لفرض رسوم على الأراضي البيضاء (1 من 2) بقلم د. فهد بن عبد الله
الاقتصاد الآننوفمبر 12, 2012, 4:53 م 594 مشاهدات 0
في مقال سابق تطرقت لموضوع فرض رسوم على الأراضي البيضاء في المملكة، وتأثيرها الاقتصادي في العرض والطلب في المجال العقاري، وخلصنا إلى أنه حسب النظرية الاقتصادية التقليدية، فإن فرض الرسوم، بأي شكل من الأشكال، على المنتجات والخدمات المقدمة يخل بالحركة الاقتصادية، غالباً من خلال رفع الأسعار والحد من مستوى الإنتاج. وفي حال فرض رسوم على الأراضي بوجود عرض غير مرن فإن من يتحمل الرسوم هو مالك الأرض، وأوضحت أن ذلك لا يعني خفض السعر النهائي، بل إن مالك الأرض يقبل بسعر أقل والمشتري يقوم بدفع السعر السابق كما هو، والحكومة تتحصل على قيمة الرسوم كاملة. في هذه المقالة، سأحاول التوسع في شرح التأثيرات المحتملة فيما لو تم الأخذ بقرار فرض الرسوم، وذلك بطرح لا يخلو من وجهات النظر الشخصية، القابلة للصواب أو الخطأ.
أشير أولاً إلى أن هناك من يقول إن تأثير فرض الرسوم على الأراضي يختلف عن الرسوم أو الضرائب التي تفرض على منتجات وخدمات تتميز بكون المعروض منها مرنا، أي أن التاجر يستطيع أن يزيد الكمية المبيعة أو يخفضها والكميات المتاحة غير محدودة العدد، بينما في حالة الأراضي فإن العرض يعتبر غير مرن بتاتاً، بحكم أن الأرض كهبة إلهية محدودة الكمية غير قابلة للزيادة، إلا إن استطعنا الوصول إلى أراض في كواكب أخرى! وهذا المفهوم غير صحيح، لأن المعروض من الأراضي في الواقع يتمتع بقدر معقول من المرونة، حيث بالإمكان زج مزيد من القطع العقارية في السوق أو الاحتفاظ بها حسب طبيعة السوق. كما أن بالإمكان زيادة العرض أو إنقاصه من خلال إعادة تصنيف الأراضي من أراض زراعية إلى سكنية، أو من سكنية إلى صناعية، وهكذا. هذا يعني أن منحنى العرض في الواقع ليس عمودياً، وبالتالي افتراض أن البائع سيتحمل تكلفة الرسوم كاملة ليس صحيحاً، بل إن المشتري قد يتحمل جزءاً من الرسوم. وهذا الاستنتاج معروف ولا اختلاف عليه، حيث إنه متى كانت هناك مرونة في العرض بأي قدر كان، فإن جزءاً من الرسوم سيدفعه المشتري. بالإمكان التحقق من ذلك برسم مخطط العرض والطلب بحيث يكون منحنى العرض مائلا ولو بشكل قليل، حيث نرى فوراً أن المشتري يبدأ بتحمل الرسوم، ويزداد تكبده منها كلما زادت مرونة العرض ونقصت مرونة الطلب. في أسوأ الحالات يتحمل المشتري كامل الرسوم إذا كان الطلب غير مرن بتاتاً، أي أن المشتري مضطر للشراء بأي سعر كان وإلا بقي دون مأوى له، أو إن العرض كان مرناً بشكل مطلق، حين يمتلك البائعون القدرة الكاملة على سحب أراضيهم من السوق. نقطة أخرى أنه لا يوجد فرق جوهري بين كون الرسوم تدفع بشكل دوري، سنوي مثلاً، أو تدفع فقط عند البيع والشراء، حيث إنها في نهاية المطاف عبارة عن تكلفة إضافية على سعر المنتج.
إذن أول تأثير نراه لفرض الرسوم يعتمد على الحلقة الأضعف، وهي الجهة غير المرنة، سواء كان البائع أو المشتري. وهذا يقود إلى الاستفسار عما إذا كانت الرسوم تشكل ورقة ضغط كافية على البائع تجعله يفقد المرونة التي يتمتع بها، فيصبح غير مرن في عرضه، وبالتالي يتحمل كامل تكلفة الرسوم، أم أنه يستطيع خفض الكمية المعروضة، ما يؤدي إلى ارتفاع السعر بالشكل الذي يغطي تكلفة الرسوم؟ هذه في الواقع القضية الأساسية التي تتباين حولها الآراء. فإذا كان الشخص يعتقد أن فرض الرسوم سيكون قاسياً على البائع بشكل يمنعه من الاحتفاظ بأراضيه، فهذا بلا شك يؤدي إلى عدم مرونة العرض، وبالتالي قبول البائع بثمن أقل من ذي قبل، أي أنه يتحمل الرسوم كاملة، مع بقاء السعر الفعلي كما هو على المشتري. الشيء المؤكد هو أن سعر الأرض يتحدد حسب العرض والطلب ودور الرسوم في تحديد السعر محدود للغاية. فيما يلي، أعطي بعض الأمثلة التي تبين كيف يمكن النظر إلى تأثير فرض الرسوم من الناحية العملية.
لنفرض أن الحكومة أقرت رسوماً بواقع 1 في المائة سنوياً على القيمة الحالية لسعر الأرض، بناء على ما تقرره الجهة المخولة بتحديد تكلفة الرسوم. ولنفرض أن هناك قطعة أرض واقعة داخل النطاق العمراني قيمتها العادلة عشرة ملايين ريال. هنا نلاحظ أن السعر العادل هو السعر الذي يتم به بيع وشراء أراض شبيهة بهذه الأرض، فهو السعر الذي حددته قوى العرض والطلب. حالما يعلم المالك أن هناك رسوما سنوية سيضطر إلى دفعها بدءاً من هذا العام، فسيقوم بحساب التكلفة التقديرية لهذه الرسوم على مدى سنوات عدة مقبلة، ثم يقوم بحساب صافي القيمة الحاضرة لهذه التكلفة، بناء على ما يسمى معدل العائد المطلوب. وعلى الرغم من الصعوبة الحسابية الظاهرة، إلا أن قوى السوق تقوم بتحديد مثل هذه الأمور بتلقائية تامة تحقيقاً لمقولة اليد الخفية للاقتصاد. فعلى الرغم من أن الرسوم عبارة عن 100 ألف ريال سنوياً وتدفع لمدة 100 عام، إلا أن قيمتها الحاضرة (المفاجئة) تعادل نحو مليون ريال فقط، وليست 100 ألف ريال مضروبة بـ 100 عام فتساوي عشرة ملايين ريال، هذا بافتراض معدل عائد مطلوب بمقدار 10 في المائة. هذا يعني أن سعر الأرض لا يزال عشرة ملايين ريال (لأن قوى العرض والطلب هي التي تحدد ذلك)، سيخصم منها مليون ريال لمصلحة الحكومة، ويقبض البائع تسعة ملايين ريال منها. هنا أمام البائع ثلاثة خيارات، إما أن يعتبر قيمة الأرض تسعة ملايين ريال ويحتفظ بها (إلى 100 عام إن أراد)، أو يقوم بعمل ما يلزم ليتجنب دفع الرسوم السنوية، كأن يقوم ببنائها حسب ضوابط ومواصفات مقرة من قبل الحكومة، أو أن يبيعها بسعر تسعة ملايين ريال ويقوم المالك الجديد بدفع الرسوم، المقدرة قيمتها اليوم بمليون ريال. فسواء باعها المالك أو احتفظ بها أو قام ببنائها، لا تزال الأرض قيمتها عشرة ملايين ريال.
في المقال القادم، سأقوم باستعراض أمثلة أخرى وأتطرق لتأثيرات جانبية أخرى، وأطرح بعض الاحتمالات الممكنة والحلول التي من وجهة نظري قد تساعد على حل المشكلة الأساسية، وهي عدم مقدرة كثير من المواطنين على تملك الأراضي المناسبة لبناء منازلهم.
تعليقات