الكويت وهيبة القانون

زاوية الكتاب

كتب 935 مشاهدات 0


خطاب صاحب السمو أمير البلاد ، حفظه الله ، في يوم الجمعة 19 اكتوبر الجاري وضع الدواء على الجرح ، وما اتخذه سموه من قرارات حكيمة أثارت الارتياح والإطمئنان في نفوس الكويتيين حيث نتلمس منه معاني حب الوطن والخوف من فتنة قد تعصف بالكويت كادت ان تظهر على السطح بفعل سلوك عدد محدود من نواب سابقين لم يضعوا نصب أعينهم مصلحة الكويت الوطنية ، ولعل من الأفضل ان نضرب أمثلة معاصرة عن تاريخ بعض الشعوب القصد منها العبرة والعظة فمن الدول مايتفكك بسبب الكراهية أو بالتفريط بالوحدة فتسقط الدولة ، ودول اخرى اضطر حكامها الى فرض هيبة القانون حتى تتقدم في مجالات الحياة أو لتحافظ على الوحدة  الوطنية حتى لو اضطر الأمر إلى استخدام القوة المسلحة ، ولنأخذ كل حالة على حدة وبشكل مختصر ، فقد كنت أعمل بسفارتنا الكويتية في بلغراد في بداية الثمانينات وتوقعت ان تتمزق يوغسلافيا مستقبلاً ، وعندما أبلغت زملائي الدبلوماسيين في نيويورك بذلك في عام 1985 لم يصدقوا بذلك وسخروا من هذا الرأي ، وبالفعل فقد تمزقت يوغسلافيا في أوائل التسعينات فاستقلت جمهورياتها المختلفة فسمعنا عن جمهورية كل من صربيا ، البوسنة والهرسك ،كرواتيا ، مقدونيا ، سلوفينيا  ..وهكذا ، وقد بنيت رأيي السابق على ملاحظات سياسية فرئيس الدولة جوزيف بروز تيتو استطاع توحيد يوغسلافيا بشكل جيد ولكن بعد وفاته في شهر مايو 1980 تأججت بين اليوغسلاف روح الكراهية والتعصب العرقي ، فمقولة ' فوضى البلقان ' صحيحة حيث أنهم عرقيات مختلفة فالصرب مثلاً لايفهمون لغة السلوفانيين في شمال البلاد ، كذلك تظهر لغة الكراهية الآن لدى الروس عند التعبير عن آرائهم تجاه الأقليات غير الروسية في القوقاز ووسط آسيا ، وهو أمر لايزال يثير الحقد والبغضاء لدى فئات المجتمع الروسي .
هذا من ناحية لغة الكراهية التي تحطم البلد ، وبالطبع لن تتفكك الكويت الى أقاليم ولكن مانخشاه جميعاً ان تتفكك النفوس والمشاعر الأخوية التي تربط الكويتيين بعضهم ببعض ، أما التفريط بالوحدة الوطنية فأمر خطير ، فملك نيبال كان يحكم بلاده بشكل مستقر وعندما طلبت مجموعة من أفراد الشعب من الملك إجراء اصلاحات دستورية تطور الأمر في التسعينات الى إصرار هذه المجموعة على مطالبها واستخدمت السلاح للحصول عليها ، وخرج الناس في مظاهرات شعبية تندد بالسلطة وتطالب بإقامة النظام الجمهوري بدل الملكي مما أدى الى تردي الوضع الداخلي في البلاد ونشوب حربٍ أهلية ولم يتمكن الملك من السيطرة على الحكم ، وفي النهاية وافق الملك على التنحي عن السلطة وتسليمها للشعب ، وأعلنت البلاد جمهورية فيديرالية في 2006 ، لكن الشعب دفع ثمناً باهظاً فقد مات الألوف في الاشتباكات الداخلية وظهرت توترات عرقية وطبقية مع فساد المسؤولين والجيش والشرطة بدلا من تحقيق التماسك في إطارٍ من الوحدة الوطنية ، وتحولت نيبال الى دولة منهارة ، واتضح لمحللي السياسة عامة حاجة نيبال الى قضاء قوي ونزيه وكفء مع شرطة تفرض القانون وهو أمر تفتقر إليه البلاد ، وهكذا فمجرد حدوث تغيير على النظام القائم والمستقر فيها  أسفر عن ظروف مأساوية خطيرة ، أما سنغافورة فتقدمت بفضل رجل درس القانون المدني فوجد ان بلاده فقيرة تحيط بها أنظمة مستبدة فأراد ان تتفوق عليهم بنظامٍ راقٍ مشابه للنظام البريطاني ، وبالفعل فقد طبق  هذا الرئيس النظام الرأسمالي مستخدماً أساليب حكم قاسية فأصبحت سنغافورة نمراً آسيوياً يُشار إليه بالبنان ، كذلك قد تفرض الدولة سلطة القانون باستخدام القوة العسكرية من اجل المحافظة على الوحدة الوطنية فسيريلانكا استطاعت توجيه ضربة قاصمة لحركة تحرير التاميل الانفصالية التي أدخلت البلاد في حرب أهلية عام 1983 وقضت الحكومة على هذا التمرد في عام 2008 فانتهت الحرب الاهلية واستقر الوضع والأمن في البلاد ، فماتقدمت الدول الا بتطبيق القوانين ولوكانت بشكل صارم .    
 ان خطاب صاحب السمو أمير البلاد ، حفظ الله ، هو خطاب الأب لأبنائه ، خطابُ راقُ وموجه لنواب سابقين كادوا يعصفون بالوحدة الوطنية في الكويت من خلال تبنيهم لنهج الفوضى والشغب وتدني لغة الخطاب وتحريض الشارع والشباب والتطاول على مسند الإمارة والإساءة الى كرامات الأشخاص وعرقلوا عمل الحكومة لمواجهة الأخطاء في عملية التنمية كما هددوا مستقبل الأجيال القادمة ، الا يرعوى هؤلاء عن غيهم ، الايرون ان الوضع الاقليمي والدولي متدهور بشكل حاد ، الا يشعرون بأن دول الخليج وبلدهم الكويت من أفضل بلدان العالم معيشةً وأمناً وحكماً، وماذا كان سيحدث لنا جميعاً لوأنهم استمروا في عملهم بمجلس الأمة حتى عام 2016 وهم بعقليتهم الصاخبة والمتشنجة ، ويٌقال في علم الاستخبارات ' كلما كانت هناك جعجعة في الداخل أعطيت العدو معلومات إستخبارية '، فما هكذا تكون محبتهم للوطن ..وما هكذا تُبنى الأوطان ! 
    
احمد الدواس
دبلوماسي كويتي سابق

بقلم: أحمد الدواس

تعليقات

اكتب تعليقك