لهذا السبب لا يجوز تقليص ' عدد المرشحين ' بمرسوم ضرورة
زاوية الكتابكتب أكتوبر 9, 2012, 1:34 ص 1888 مشاهدات 0
الفكرة التي سبق أن طرحتها على صفحات جريدة القبس بتاريخ 23/11/2009 ( العدد 13087 ) ، وهى فكرة تقليص عدد المرشحين الذين يجوز لكل ناخب اختيارهم في الدوائر الخمس ، من أربعة مرشحين إلى أثنين فقط ، راجت هذه الأيام ، ونادي البعض أن يكون تنفيذها عن طريق إصدار ' مرسوم ضرورة ' بذلك ، وقد كان ذلك من أغرب المدهشات لي .
ولعلى أكون أدنى إلى الحق إذا ذكرت أنه لو صدر مرسوم الضرورة بذلك ، فإنه سيكون مُعرضاً للطعن عليه بعدم الدستورية ، فدعونا نلو عنان الكلام إلى ' شبهـة عدم الدستورية ' التي تدور حولها هذه المقالة ، وأقول والله المُستعان .
إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الأمة طبقاً للمادة (79) من الدستور . والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور ، إلا أنه نظراً لما قد يطرأ في غيبة مجلس الأمة من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير ، فقد أجاز الدستور لسمو أمير البلاد في تلك الحالات أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون . وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها - إلى ممارسة تشريعية مطلقة ، موفقاً بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطه بها ، وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تتطلب تخويل سمو أمير البلاد رخصة التشريع - على سبيل الاستثناء - لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص أصلاً بذلـك . من أجل ذلـك نص الدستور في الفقرة الأولى من المادة (71) على أنـه : ' إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون ' ، وفى الفقرة الثانية على أنه : ' ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها ، إذا كان المجلس قائماً ، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي ، فإذا لم تُعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك . أما إذا ُعرضت ولم يقرها المجلس ، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون ، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر' .
وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لسمو أمير البلاد اختصاصاً في إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الأمة ، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية ، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه . فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الأمة غائباً وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لسمو أمير البلاد سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الأمة باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها . وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي ، فان رقابة المحكمة الدستورية تمتد إليهما للتحقق من قيامهما ، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات ، شأنهما في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة (71) ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا إليها على مجلس الأمة للنظر في إقرارها أو علاج آثارها .
وحيث إنه يبين من الأقاويل التي تنادى هذه الأيام بضرورة إصدار مرسوم ضرورة بغرض تقليص عدد الأصوات من أربعة أصوات إلى صوت واحد أو أثنين ، أنها جميعاً تدور في فلك الزعم بأن ذلك يحارب الطائفية والقبلية وأن الضرورة تحتم إصدار مرسوم ضرورة بذلك .
لما كان ذلك ، وكانت الأسباب سالفة البيان ، وإن جاز أن تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية ( وهى مجلس الأمة ) إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريع القائم من قصور تحقيقاً لإصلاح مرتجى ، إلا أنه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الأولى من المادة (71) من الدستور ، ذلك أن تلك الأسباب - تفيد أنه لم يطرأ - خلال غيبة مجلس الأمة - ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التي تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لسمو أمير البلاد بمقتضى المادة (71) المشار إليها ، ومن ثم فان إصدار مرسوم ضرورة في هذا الشأن يكون مشوباً بمخالفة الدستور.
ولا ينال مما تقدم الزعم بأن تقدير الضرورة الداعية لإصدار المراسيم بقوانين عملاً بالمادة (71) من الدستور متروك لسمو أمير البلاد تحت رقابة مجلس الأمة باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التي لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، فمثل هذا القول مردود عليه بأنه إذا كان لسمو أمير البلاد سلطة التشريع الاستثنائية طبقاً للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الأمة ، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاق هذه السلطة في إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور ، ومن بينها اشتراط أن يطرأ - في غيبة مجلس الأمة - ظروف من شأنها توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية ، وهو ما ليس قائماً في الوقت الراهن .
وتبقى كلمة
إن إقرار مجلس الأمة لمرسوم الضرورة ، لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كمرسوم بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره .
دعيج الجري
تعليقات