المستفيد من الصراعات المختلقة طائفيا هي السلطة وقوى الفساد.. بنظر الديين

زاوية الكتاب

كتب 1545 مشاهدات 0


عالم اليوم

الصراعات الحقيقية والصراعات المختلقة

أحمد الديين

 

هناك صراعات حقيقية تدور داخل المجتمع الكويتي، شأنه في ذلك شأن أي مجتمع إنساني آخر، وهي صراعات جدّيّة لا يمكن إنكارها ولها أسبابها الموضوعية ومضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية... فهناك على سبيل المثال الصراع  على المستوى السياسي ضد نهج الانفراد بالسلطة ونزعة المشيخة التي تستهدف التضييق على الحريات العامة وعرقلة التطور الديمقراطي المستحق للمجتمع الكويتي، وهناك الصراع المحتدم مع قوى الفساد، وكذلك الصراع الدائر بين القوى الديمقراطية والمدنية من جهة وبين قوى التزمت من جهة أخرى، التي تحاول تقييد الحرية الشخصية وحرية المعتقد والمساس بالطابع المدني للدولة، ناهيك عن الصراع الطبقي، الذي هو صراع طبيعي داخل أي مجتمع إنساني منقسم إلى طبقات، ويدور حول المصالح الاقتصادية الاجتماعية المتعارضة.
ومن الطبيعي أن ينقسم الناس في مثل هذه الصراعات الحقيقية وفقا لمصالحهم وتوجهاتهم وأفكارهم، وذلك بغض النظر عن طوائفهم الدينية وأصولهم العرقية وانتماءاتهم المناطقية... ولكن الملاحظ، ليس في الكويت فقط، وإنما أيضا في العديد من المجتمعات العربية وغير العربية أنّ أصحاب السلطة والمتنفذين الكبار يحاولون دوما، وخصوصا عندما تحتدم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدانهم وتتفاقم، أن يطمسوا الصراعات الحقيقية داخل المجتمع وأن يصرفوا عنها أنظار الجماهير الشعبية ليشغلوها في صراعات جانبية مختلقة وعقيمة لا أساس موضوعيا لها ولا طائل من ورائها، وذلك عبر اللجوء إلى تلك الوسيلة المجرّبة تاريخيا وهي تأجيج النعرات الطائفية؛ وإثارة النزعات العنصرية؛ واستثارة الأوهام والمخاوف والعداوات غير المبررة بين أبناء المجتمع الواحد.
ولعلّ هذا ما أصبح ملحوظا على نحو خطر ومؤسف وغير مسبوق في مجتمعنا الكويتي خلال السنوات الأخيرة، حيث يطلق الطائفيون من هذه الطائفة أو تلك الاتهامات والتصريحات الاستفزازية المسيئة للمعتقدات الدينية والمقدسات، ناهيك عن التصريحات المحمّلة بالتشكيك والاتهامات للمواطنين من المنتمين إلى الطائفة الأخرى وذلك إما صراحة أو تلميحا، وعادةً ما يجري الردّ على مثل هذه التصريحات الطائفية بتصريحات طائفية مضادة لا تقل استفزازا وإثارة للفتنة... وكذلك الحال على مستوى ترويج النزعة العنصرية البغيضة داخل المجتمع الكويتي التي تحركها عناصر مشبوهة تحظى بالرعاية السلطوية وذلك عبر التشكيك في الانتماء والمواطنة والإساءة إلى كرامات أبناء القبائل؛ مع ما نجم عنها وينجم من ردّات أفعال منفلتة يجري استثمارها في تعزيز الدعوات العنصرية نفسها وإعادة انتاجها.
والمؤسف أنّ جزءا من التيارات السياسية والكتل النيابية قد انساق وراء النعرات الطائفية والدعوات العنصرية أو ساهم في غضّ الطرف عنها والتساهل معها، وذلك بحكم الطابع المناطقي الفئوي لبعض هذه التيارات والكتل، وبحكم المحتوى الطائفي للأحزاب الإسلامية، بالإضافة إلى المصالح والحسابات الانتخابية الضيقة التي تعمي الأبصار عن المصلحة الوطنية... ولهذا نجد الآن أنّ الاصطفافات والاستقطابات الفئوية والمناطقية والطائفية والقبلية والعائلية هي التي أصبحت تفرض نفسها على مختلف جوانب الصراع السياسي الدائر في البلاد، بل هي التي تحدد الاصطفاف مع هذه الجهة أو تلك،  إلى جانب المعارضة أو إلى جانب الموالاة؛ وتدفع نحو المشاركة في الحراك الشعبي أو التشكيك فيه، وتفرز المواقف سلبا أو ايجابا من الطعن الحكومي في قانون الدوائر الانتخابية، والموقف تجاه حلّ مجلس 2009 أو الإبقاء عليه؛ والموقف تجاه نواب غالبية مجلس 2012 أو أقليته، بحيث تحوّل الصراع السياسي، وهو صراع جدّي له أسبابه الموضوعية، إلى صراع ذي مضامين وأبعاد طائفية وعنصرية وفئوية ومناطقية وقبلية تنفرز على أساسها المواقف إلى هذا الجانب أو ذاك بعيدا عن موضوع الصراع ومحتواه السياسي!
وبالتأكيد فإنّ المستفيد من هذا الفرز الوهمي والصراعات المختلقة طائفيا وعنصريا ومناطقيا وفئويا وقبليا هي السلطة وقوى الفساد والحلف الطبقي المسيطر، أما المتضرر فهو الشعب الكويتي بأجمعه، الذي يجري تفكيك أوصاله؛ وتفتيت مكوناته؛ وتشتيت قواه؛ وإشغاله عن قضاياه الحقيقية؛ ودفعه للاصطراع فيما بينه، وذلك ليتكرس أكثر فأكثر انفراد السلطة بالقرار وليستأثر المتنفذون الكبار بخيرات البلاد ومقدراتها.

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك