'مافيش فايدة'.. الخرافي معلقاً على خريطة إصلاح الأوضاع في الكويت

زاوية الكتاب

كتب 1194 مشاهدات 0


القبس

'عمار بيت ولا سفر بنغاله'

خليفة مساعد الخرافي

 

لله دركم من رجال ونساء.. يحكى أنه في سالف العصر والأوان، وفي زمن غير هذا الزمان، ان بحارا كويتيا يكد ويتعب ويشقى كغيره من البحارة الذين يبحرون في غياهب البحار على سفن شراعية صغيرة محدودة الإمكانات، تهب عليها رياح قوية وتتخطفها أمواج البحار العالية والعواصف العاتية، والبحارة وسفينتهم تحت رحمة رب العالمين، فلقد وصفهم الله في منزل كتابه «لمساكين يعملون في البحر». فقد كانت رحلة السفينة التي يعمل بها البحار الكويتي طويلة شاقة تمر عبر موانئ عديدة تبدأ بتحميل البحارة التمور من بلد النخيل والتمور البصرة، كانت مدينة البصرة الاولى في الانتاج والتصدير على مستوى العالم، تنتج ثلاثة ارباع التمر في العالم، وفيها اكثر من 629 صنفا مختلفا من التمر. من المعلوم ان عدد اصناف التمور في العالم قد يتجاوز الالفين، اما تنظيم تجارة التمور في العراق فيعود الى عام 1888 عندما باشر فرع شركة «هلس اخوان» البريطانية في البصرة بكبس التمور وتصديرها الى خارج البلاد.

وكان تجار الكويت يملكون في البصرة «ابو الخصيب» مزارع النخيل المطلة على شط العرب، ومن أشهر الملاك الشيخ مبارك الصباح والذي كان وكيله عليها ناصر المسعد والمشرف على إدارتها جد إسماعيل الشطي المستشار في مكتب رئيس الوزراء، ومن كبار الملاك هلال المطيري والصقر والحمد والبدر، والبدر القناعات والخالد والفليج والحميضي والثويني والسميط والدوسري وآل النقيب وهم من السادة الأشراف، وكان الطلب قويا على التمور في الهند، كما كانوا يحملون ركابا لنقلهم من ميناء إلى آخر، وينقلون البضائع. وتبدأ الرحلة من ميناء البصرة ثم إلى البحرين ومسقط وعدن أو لنقل التمور مباشرة من البصرة إلى خليج البنغال، وهو المدخل البحري على موانئ الهند (كراتشي وبومباي)، أو يبحرون إلى زنجبار ومنها يأخذون خشب الجندل من منطقة سومبرانكا، صعب الوصول إليها لخطورة الدخول إليها بسبب ضحالة المياه وكثرة التماسيح فيها، وفي مدخل النهر كثرة الصخور «القصار» وهي صخور خطرة جدا حادة على قاع السفينة، وغابتها ممتلئة بالزواحف والوحوش الضارية المفترسة، وهم معرضون لهجوم السباع والثعابين، وهم يحملون على ظهورهم خشب الجندل، وكان يسيطر على منطقة سومبرانكا «أشجار الجندل» تاجر يهودي اسمه رزق بن يعقوب الغاوي استملكها بعقد من الانكليز.

لمواجهته لشتى أنواع الصعوبات في البحر لا يوظف النوخذة في سفينته إلا البحار النشيط القوي صاحب العزيمة من الرجال، ويسمى هاب ريح، فالبحر الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، لما يتعرض له البحار من أهوال، وكانت روح الانضباط بين البحار ونواخذته عالية جدا، وحين ينادي النواخذة باسم البحار يرد عليه «لبيه نواخذة»، وكان يتم اعطاء البحار أجرة زهيدة ليعطيها لأهله ليتعيشوا بها خلال سفره، وكان لأحد البحارة زوجة اتعبته من عدم حسن تدبيرها، فحين يأتي مجهداً متعباً من سفره الطويل يجد الجميع يطالبونه بالديون بسبب طلبات زوجته من صاحب الدكان أو الجزار او غيرهما حتى ضاق ذرعا منها لعدم استماعها لنصحه لها بالتوفير وسرحها باحسان وتزوج بأخرى، وحين عزم على السفر بالسفينة أعطى زوجته الجديدة ما لديه ونصحها بالتوفير فقامت وطلبت من اخيها ان يشتري لها عنزة حاملا وبضع دجاجات مع ديك، وان يشتري لها قمحا وتمرا وبعد فترة بارك الله بما لديها تزايد وتكاثر الدجاج وولدت العنزة، فطلبت من اخيها ان يبيع لها بيض الدجاج والدجاج واللبن الرائب الذي تحلبه من العنزة وما تعجنه من خبز مخلوط بتمر، وكانت ماهرة بالخياطة فتعلمت كيف تتقن تفصيل ملابس النساء، وجمعت مبالغ وبعد تسعة أشهر رزقها الله بولد بصحة جيدة، وحين اتى الزوج البحار من رحلته الطويلة ودخل منزله وجده نظيفا مرتباً، واذ رائحة البخور منتشرة في المنزل الصغير، واذ يسمع صوت طفله الرضيع، واذ تطل عليه زوجته وهي في ابهى زينتها والابتسامة الجميلة على محياها حاملة طفله الرضيع، فحمد الله وشكره وهو يحتضن ابنه على نعمه، واحضرت له غداءه مما لذ وطاب، وان كان بمقادير صغيرة فحمد الله وشكره على نعمه، وحين اخذ قيلولة وارتاح احضرت له ابريق الشاي وفاتحته انه في المرة القادمة سيسافر كبحار تاجر وليس كبحار، حيث قررت ان تؤجر محلاً صغيراً في السوق لبيع بضائع مطلوبة سريعة البيع يحضرها من الهند لبيعها واعجبته الفكرة، وبادرها بسؤال اننا نحتاج الى رأسمال، فاخرجت له صرة ممتلئة بالنقود، وقالت سنفتح دكانا نكون فيه انا وأنت شركاء وتترك بعدها ركوب البحر «شلك بالبحر واهواله ورزق الله على السيف» وبارك الله لهما في تجارتهما الصغيرة. واصبح ابناؤهما من كبار رجال الأعمال في الكويت وقد وسع عليهما الرحمن.

وقال البحار مقولته المشهورة التي أصبحت مثلا «عمار بيت ولا سفر بنغاله» والبنغاله هي السفينة بلغة الأوردو.

يحكي لنا كبار السن من أهل الكويت ممن عايشوا حقبة ما قبل النفط بأنه ما كان يخفف عنهم شظف العيش روح المحبة والتآلف والتعاون والاحترام والصدق والأمانة في التعامل والرحمة والإيثار والفزعة والحمية على الخير والمروءة والشهامة والنخوة والهمة العالية والنشاط، لنسائها ورجالها، ومخافة الله، فلم يكن في تلك الفترة يوفد الى الكويت سوى القادر على العمل بنشاط وهمة من الفجر الى المغرب بصبر وجلد فلا مكان عندهم للكسالى وأصحاب القيل والقال والفتن، وكل يعرف قدره ومكانته والاحترام بينهم قائم، وكانت همتهم بالعمل واحترام واجباتهم وأرباب عملهم تشابه أفعال أهل اليابان بقوة انتاجيتهم، وكان أهل البادية يجلبون ما لديهم من منتجات كالدهن والماشية وغيرها وما شابه ذلك، ولم تكن بينهم في تلك الفترة صراعات مذهبية او عرقية أو غيرها، فالجميع مشغول بالسعي وراء لقمة عيشه.

* * *

نهنئ الكويت قيادة وشعبا بحلول عيد الفطر السعيد أعاده الله على الكويت وهي ترفل بالسعادة والافراح والعدل والأمان والخير والرفاهية.

* مقالتنا اليوم خفيفة ظريفة لطيفة لقدوم عيد الفطر السعيد، ومقالاتنا المقبلة هي مجموعة مقالات عن خريطة الطريق لإصلاح وتطوير أوضاعنا وإن كنا نعلم مسبقا «إن مافيش فايدة» «محد صوبنا»، «فلا هم مسنعين ولا مخلنا نسنعهم».

الله يصلح الحال والله المستعان والشكوى إلى الله.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك