العقوبات على إيران وتداعياتها على أمن الخليج

عربي و دولي

2957 مشاهدات 0


كلما عوقبت إيران من قبل المجتمع الدولي تراكمت على الطاولة الخليجية كؤوس مترعة بالقلق لانملك الا تجرعها . لكن حظر شراء النفط الإيراني من قبل الاتحاد الأوروبي والتوقف الاميركي عن التعامل مع البنك المركزي هناك منذ أول يوليو2012م يعد العقاب الأكبرمنذ الثورة 1979م. حيث يعاني الاقتصاد الإيراني من الانكماش في نفس وقت انخفاض ما تضخه لسوق النفط لنحو 2.5 مليون برميل من إجمالي 4 ملايين برميل يومياً . فماذا أعدت طهران من خطط  بديلة لتجاوز أزمتها الراهنة، وماهي التداعيات المحتملة  لفشل هذه الخطط على أمن الخليج العربي ؟

لقد ذهب هذيان العظمة بالرئيس نجاد حد إعتبار إن ' العقوبات فرصة للعمل على التقليل من اعتماد ميزانية البلاد على العائدات النفطية التي تشكل أقل من 10%  لتجريد العدو من أداة النفط كسلاح لممارسة الضغط على إيران'. لكن ذلك لم يمنع خريج بازار طهران  ورئيس بلديتها السابق من اتخاذ إجراءات كشفتها صحيفتي 'اعتماد' و'ابتكار' الايرانية وشملت:

1-تخزين قسم من نفطها الخام على متن ناقلاتها النفطية.

2-حذف الدولار واليورو من تبادلات إيران النفطية.

3-تزويد السفن الدولية الحاملة للنفط الإيراني ببطاقات ائتمان.

4-تهريب مبيعاتها من النفط بعيدا عن الرقابة الدولية .

 

 لقد كان الاجدى لو تم إنشاء وزارة للعقوبات في الحكومة الايرانية،أوربما حكومة عقوبات كاملة بحكم ان كل وزارات الدولة تتأثر بالعقوبات بشكل دائم منذ 33عاما .بدل تعبير طهران عن وجهة نظرها حيال كل جولة عقوبات بتصريحات برلمانية للتكسب السياسي،أوتهديدات جنرال جوفاء ومقاطع  مصورة لمناورات عسكرية غير واضحة الزمان والمكان والمحتوى.لكن  حتى نجاح  أحد النهجين مشكوك فيه  بعد مضي ثلاثة أشهر من العقوبات على أبعد تقدير، حيث ستجد طهران نفسها في مأزق لن يخرجها منه إلا حزمة من الاجراءات الحادة التي  قد يطال دول الخليج العربي بعض من تبعاتها ومنها :

 1-سجلت أجهزة رصد عدة  مقدم زلزال سخط شعبي  لشوارع طهران نتيجة الإخفاقات المتتالية للحكومة ،فالإمكانيات المادية المتوفرة عبر الخطة البديلة لن تضعف القرار الدولي.و حالة التذمر في المجتمع الذي يرفض أن يدفع فاتورة سياسات قادته المتشددة وصلت مستويات مرتفعة كان آخرها أزمة توفر الدجاج في رمضان. وبما أن قيام  الملالي بتسوية على حساب مبادئهم الثورية أمر مستبعد؛ فلن يبقى من مخرج مفضل وممارس من قبلهم إلا بتوحيد الشعب خلفهم ضد خطر مشترك بتصدير الازمة خارجيا والاشتباك مع دول الخليج في  جولة جديدة من مفجرات الصراع .

2-لمراوغة العقوبات المفروضة عليها ولتكوين إحتياط نقدي من العملات الاجنبية سينشط التهريب الايراني المدعوم من الدولة لموانئ الخليج في أتجاهين، فمن هناك  ستقوم ببيع جزء من نفطها الخام المحظور عن طريق السوق السوداء للبواخر الأجنبية المشبوهة المنتظرة في موانئنا.ومن الخليج سيتم تهريب المشتقات النفطية المدعومة كالتي اثيرت حولها ضجة في الكويت . بالاضافة لمجالات تحايل أخرى في الخليج كالتأمين على الشحن أو خطوط التحويلات والتعاملات البنكية والعملة الصعبة وغسيل الاموال،وتهريب الذهب.أو حتى سيناريو ايران-غيت. وبدل ان تعاني طهران من العزلة يوقعنا جشع البعض الخليج  في العقوبات الدولية وتصبح العواصم الخليجية متهمة بخرق حظر العقوبات التي تمت في جزء منها لصالحنا.

3-للنهوض بقطاعات بديلة للقطاع النفطي،ستزداد وتيرة الاعلان عن الاسلحة الجديدة وأن صناعة السلاح وتصديره قد أصبحت بديل للنفط . وسيرافق ذلك بالضرورة تعكير لأمن الخيج نتيجة زيادة المناورات العسكرية لاظهار قواتها المسلحة محترمة ومرهوبة الجانب بالسلاح الذي تروج له .

 4- لقد روجت طهران بقوة لقرار منع حركة ناقلات النفط في مضيق هرمز للدول التي تفرض عليها عقوبات،وجعلت خط رجعتها بإقراره من المرشد الاعلى. ونرى ان التهديد بإغلاق المضيق سيتجدد  في مطلع العام القادم بصورة وذرائع أقوى حين يكون الفائض النفطي الذي وفرته حكومة أوباما للنجاح في انتخابات نوفمبر 2012م قد نفذ. لان ثلث تجارة النفط مرت في العام الماضي عبر مضيق هرمز ،و حجم الصادرات النفطية الإيرانية للدول التي طبقت الحظر يبلغ 18 %، وهي نسبة يمكن تعويضها من خلال رفع أسعار النفط الخام  الذي سيرتفع عالميا بين 20 و30%  حين تقوم ايران بالتهديد بالإغلاق . لكن التعويض بهذه الطريقة ستأكله التخفيضات التي اعلنت ايران انها ستقدمها لبعض مشتري نفطها، مما يدخل سوق النفط  وهو مصدر دخلنا الوحيد لتقلبات غير حميدة لاستمرار طهران بالتهديد كلما ارادت رفع الاسعار.

 5-ستحاول طهران فك الحصار النفطي عبر العراق الذي يمثل الحلقة الاضعف في محيطها .يشجعها تصريح وزير نفطه عبد الكريم اللعيبى على هامش توقيع اتفاقية غاز بين إيران والعراق وسوريا  قبل شهر بأن بغداد تتبنى سياسات مستقلة و تتجاهل العقوبات التى تفرضها الولايات المتحدة على إيران.ونظرا للشراكة الاستراتيجية بين البلدين فقد تقوم بغداد ببيع جزء من نفطها لصالح طهران مماثلا لما كنا نقوم به حين بعنا نفطنا في الثمانينات لصالح الطاغية  صدام .

 6-إغراق السوق النفطية كان ذريعة الحرب التي استخدمها الطاغية صدام لغزو الكويت 1990م والتي ستجدها طهران صالحة لخلق الازمات مع دول الخليج حليفة الغرب .فقد شرعت في أتهام السعودية والكويت والامارات بتجاوز حصصها المحددة في منظمة الدول المصدرة للنفط لخفض الاسعار. وقال المندوب الايراني في 'أوبك' ان بلاده احتجت رسميا لدى المنظمة. حيث يرى انه ليس صحيحا ان تعوض دولتان او ثلاث  حصة السوق المحددة  لبلد فرضت عليه عقوبات. معطيا بلاده الذريعة بالتحرك الذي تراه طالما ان  بلدان منظمة أوبك تتحرك بعضها ضد بعض.

 7-سيكون للعقوبات النفطية تأثير مالي أوسع على شبكة تحالفات طهران الاقليمية وستشمل آثارُها حزب الله ونظام الأسد حيث ستغدو طهران عاجزة عن تقديم الدعم لحليفيها .وقد يدفع الافلاس الاقتصاد الإيراني الاطراف الموالية  لها للتحرك، فقد اقترحت صحيفة الحرس الثوري 'توريط أمريكا والغرب في المزيد من المشاكل الإقليمية'، فهل يعني ذلك  مهاجمة المصالح الغربية إرهابيا في العواصم الخليجية،او مهاجمة الانابيب الخليجية تخريبيا  لاشاعة الفوضى في المنطقة ؟

 لاشك أن سجل إيران المثخن بالعقوبات قد خلق لدى صانع القرار السياسي هناك خبرة متراكمة في إدارة العقوبات،لكنها ليست بالتأكيد خبرة في إدارة الازمات . فهدف طهران أن تصبح قوة إقليمية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط ادخلها في أزمة بعد الاخرى.وكم نتمنى لوفتحت المجال لوزير الخارجية التركي داود أوغلو  لالقاء محاضرات في نظرية «تصفير المشاكل»  ليكون خطّ الأمان الاستراتيجي لطهران بدل الطموح النووي . ورغم ان الاجراءات الايرانية الراهنة لاتتعدي التهديدات وعمليات التحايل والخطابات العنيفة والمناورات باسلحة غير مؤكدة القدرات، ألا ان ذلك يحول الخليج  الى صندوق بارود قد تؤدي شرارة غير مقصودة لانفجاره. ومن المرجح أن تستمر المواجهة في الخليج بين طهران والغرب حتى يتراجع احد الطرفين، لانه يتعين أن يحدث شيء ما في نهاية الامر.ولن يوقف  عقوبات الغرب إلا إعلان طهران وقف نشاطها النووي او الاعلان عن تفجير قنبلتها النووية الاولى، ممايعني نقل الصراع الى طاولة مفاوضات مختلفة،وعلى تلك الطاولة  ستتجرع دول الخليج  كؤوس أخرى أكثر مرارة.

د.ظافر محمد العجمي – المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك