كيف احترق خان الخليلي؟!.. سؤال يطرحه ويجيب عنه خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 2105 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  كيف احترق 'خان الخليلي'؟

خليل علي حيدر

 

مهما كانت طبيعة النظام القادم في مصر، فان السياحة ستستمر في وادي النيل وتتواصل، ذلك ان زيارة مصر ومشاهدة آثارها رحلة يتجدد عشاقها جيلا بعد جيل.. منذ مئات وربما آلاف السنين! وفي كل المكتبات واللغات نجد على الدوام اقدم الكتب واحدثها عن مصر ومعالمها الاثرية وسجل الرحلات التي لا تكاد تحصى الى هذه المنطقة الحضارية الاستثنائية من العالم، بل قد تكون مصر من الدول التي لا يخلو شعب من شعوب العالم ممن زارها أو اقام فيها!
في العدد الثالث عشر من مجلة العربي استطلاع عن «خان الخليلي» باعتباره «قطعة من القرن الثاني عشر في القرن العشرين».
والعجيب ان هذا المكان الحالم، يقول الاستطلاع: كان مقبرة طوال حكم الخلفاء الفاطميين حتى عصر المماليك، وكان اسمها «تربة الزعفران» ربما تيمنا بالجنة التي تروي الاحاديث عن تربتها بأنها من المسك والزعفران.
وفي عصر السلطان «برقوق»، احد المماليك، رغب الامير «جركس» في بناء سوق مكان هذه المقبرة، فتم نبش تربة الزعفران، والقي بما كان بها من عظام على التلال الموجودة خارج القاهرة، معتذرا عن ذلك بأن الفاطميين كانوا «كفارا رفضة»!!
وبعد ان هدم الامير جركس المقابر شيد مكانها سوقا، تم بناؤه سنة 1388 ميلادية، قبل اكثر من ستمائة سنة، وقد اوقف الامير هذا الخان، أي السوق، وغيره من المباني على فقراء مكة، وجعل ريعها خبزا يوزع عليهم، ثم استبدل بالخبز نقودا.
ثم هدم السلطان الغوري خان الخليلي، وانشأ مكانه حوانيت ووكالات او مباني تجارية محاطة بسور، واصبح الخان معدا لتجار الجواهر الثمينة والثياب المزركشة، كما كان سوقا لبيع وشراء المماليك الارقاء.
ويقال ان السلطان «قنصوه الغوري» كان على صداقة قوية بأحد أثرياء سورية واسمه «الحاج خليل»، وكان الحاج خليل يعيش في مصر. وقد سمحت هذه الصداقة بأن يهدي السلطان الغوري لصديقه الحاج خليل السوري هذا الخان بعد ان تم بناؤه. ومنذ ذلك التاريخ اضيف الخان الى اسم الرجل الذي يملكه فصار «خان الخليلي».
وكلمة «خان» يقول استطلاع العربي فارسية الاصل ومعناها السوق. و«ترجع هذه التسمية الى ان معظم تجار «خان الخليلي» كانوا من العجم»، وبقي الحال كذلك الى عهد قريب، وكان تجار القوافل يفدون الى القاهرة من بلادهم من جميع انحاء الشرق فينزلون في خان الخليلي ويقضون ايامهم في القاهرة يعرضون سلعهم البديعة من صنع الايدي الماهرة في الشرق.. وفي خان الخليلي كانت تتم في العادة عمليات المقايضة والمبادلة: الاخشاب المعطرة والبخور الثمين من الهند، الاواني الخزفية والحرير من الصين، السجاجيد العجمية النادرة من فارس، المنسوجات الموشاة من الشام، كلها تلتقي في خان الخليلي.. يذهب اليه أعيان البلد ووجهاؤهم ليشتروا منه فاخر الثياب، كما كانت بنات الطبقة الراقية المقبلات على الزواج يقصدنه ليجهزن انفسهن بجميع ما يلزمهن من الحلي والرياش». (العربي، ديسمبر 1959).
للانجليزي تالبوت كيلي R.Talbot. Kelly كتب مصورة عديدة عن مصر وبلدان آسيا طبعت مرارا من بينها: Egypt: Painted and Described, 1928 يقول: معظم من يقابلهم المرء في القاهرة من المغرب وتونس ممن وفدوا على مصر لبيع جمالهم ومنسوجاتهم المصنوعة من شعر الماعز، اما البدو فلا يُشاهدون كثيرا، ومعظم القوافل الشرقية من التجار السوريين والفرس، حيث تنزل كل قومية أو تجار كل نوع من البضائع في مكان محدد يدعى الخان، فتخزن البضاعة وتعرض في الدور السفلي بينما تخصص الادوار العليا سكنا للتجار، وفي القاهرة خانات كثيرة ومنها «خان الخليلي» المشهور، الى جانب البازار الفارسي.
ويحذر المؤلف قراءه من شراء أي شيء دون مساومة أو مفاصلة، حيث يضاعف الباعة الأسعار أربع مرات! ويقول انه انقذ سائحة امريكية كانت على وشك ان تدفع اثمانا مضاعفة لشيء ارادت شراءه، من اهم مبيعات خان الخليلي المقاعد الجلدية المستديرة وتسمى «شلتة»، ويقول استطلاع العربي: ان احدى السائحات الامريكيات جاءت في ابريل 1952 الى محل الشيخ «مصطفى الخيمي»، وطلبت منه ان يصنع لها عشرين شلتة جلدية مما اشتهر به محله، على ان تتسلمها في الصباح التالي لترسلها هدايا، وعرضت عليه مبلغا مغريا جعله يسهر هو وعماله حتى الصباح. وضاعف الرجل عدد المصابيح الكهربائية، وظل يعمل هو والصناع حتى اوشك العمل على ان يتم قرب الفجر ثم.. ثم.. حدث تماس في الاسلاك الكهربائية، وحدث الحريق المروع الذي لم يتغلب عليه رجال المطافئ الا بعد ست ساعات وبعدها كانت النيران قد التهمت 14 محلا لبيع الجلود والخيم والاقمشة والفضيات والانتيكات.. وخسر اصحابها ثمانين الف جنيه، وكادت وزارة التجارة ان تهدم الخان كله لتبنيه من جديد. ثم جرى الاتفاق على تجميل الخان وتجديده بدلا من هدمه. كما ان عمال خان الخليلي لا يقلون حرصا، اذ انهم يرفضون ان يتركوا الخان حتى بعد ان يثروا. ومازالت ابنيته تغلق ابوابها بعد الغروب مباشرة، تماما كما كان يحدث ايام الفاطميين والمماليك والاتراك.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك