'الدعيج' يرى أن الربيع الكويتي اكتفى برحيل ناصر المحمد!
زاوية الكتابكتب يونيو 3, 2012, 12:05 ص 1006 مشاهدات 0
القبس
الكويت.. من الشيخ.. إلى.. الرمز
عبد اللطيف الدعيج
حل مجلس الامة حلا غير دستوري عام 1976 ادى بعدها بفترة، وبعد هيمنة الشيخ سعد العبدالله، الله يرحمه، على امور الدولة، ادى إلى تحالف السلطة مع المجاميع الدينية. ولان الشيخ سعد كان مسؤولا عن التجنيس الذي احتضن الكثير من ابناء القبائل، بالاضافة إلى قليل من سكان «شرق» الذين تمت «ترقيتهم» إلى درجة اولى، أو تجنيسهم كي ينتخبوا السيد يوسف الرفاعي كما اشيع ويشاع، (تزوير الانتخابات افرز عشرة نواب عوازم وعشرة شيعة، أو بالاحرى 9 زائد السيد يوسف) بحكم هذه العلاقة الخاصة للشيخ سعد تحول التحالف إلى تحالف ثلاثي: السلطة – القبائل - الدينيون، او هو في الواقع رباعي ان قسمنا الدينيين إلى سنة، وشيعة الذين كانوا في ذلك الوقت «حبايب».
في اجواء التحالف الديني القبلي ومباركته رجع البلد ما يقارب الثلاثين سنة إلى الوراء. وكان ابرز سمات تلك المرحلة أو التراجع، مشكلة «البدون» المستمرة، المتولدة اصلا من التجنيس ومن الرغبة في استغلالهم للتوازن الاجتماعي والسياسي، الكساد التجاري وبور تجارة الترانزيت نتيجة التضييق على السياحة الداخلية والخارجية (اطرف وابسط التضييق السياحي الداخلي كان القرار القراقوشي باغلاق المحلات، وخصوصا المطاعم والمقاهي بعد منتصف الليل)، وطبعا ازمة المناخ ثم الاحتلال العراقي الخاطف للكويت.
ومن الضروري التنبيه هنا الى ان «الكساد التجاري» لم يكن وليد قرار مبتور أو نزوة عابرة، بل هو تعبير عن حالة الصراع والتناقض الرئيسي بين الاطراف الاجتماعية النشطة في المجال السياسي. السلطة مصلحتها الاساسية ابقاء البلد رهن الثروة النفطية والمدخول النفطي. التجار يستعيدون أو هم يحافظون على نفوذهم وقوتهم بازدهار التجارة واعتماد البلد جزئيا على الأقل على تجارة الترانزيت. لهذا فان القضاء على تجارة الترانزيت وتصفية الدور الريادي الاقتصادي للمركز المالي الكويتي كان يتناسب والاهداف الاساسية للسلطة المعنية بتحجيم التجار وتقليص نفوذهم السياسي.
انفصال المجنسين
لقد بدأ البلد بالتعافي من سياسات السلطة بعد التحرير، وذلك بفعل التأثير الغربي، زوال هيبة السلطة، الارتقاء الديموقراطي النسبي، وأخيراً وصل إلى ما يقارب التوازن وإلى انعدام التأثير الديني القبلي بعد رئاسة حضرة صاحب السمو لمجلس الوزراء، ثم تسلم الشيخ ناصر المحمد الهيمنة «الاسمية» على امور البلد. اختيار الشيخ ناصر المحمد مواصلة سياسة التنمية الاقتصادية والسعي إلى تحويل الكويت إلى «مركز مالي» كسابق عهدها. اي إلى الفترة السابقة على ولاية الشيخ سعد، أو بالادق السابقة على التحالف الثلاثي السلطة - الدينيين- القبائل، هذا السعي إلى الانتقال بالكويت إلى المركز المالي ادى إلى عداء التحالف للشيخ ناصر، ومحاولة هذا التحالف اما المحافظة على التوازن واما الاستعادة الكاملة لهيمنته وسيطرته على امور البلد.
الغزو وآثاره، وتحلل السلطة «العشائرية» بالنسبة إلى ابناء القبائل ادى إلى انفكاكهم النسبي عنها. و إلى تحررهم من عقدة «الولاء» التي تم غرسها فيهم. كما ان الاغلبية، أو ربما الكل حاليا، اصبح من مواليد الكويت، وربما ابا عن جد. بمعنى انه كويتي المنشأ أو إلى حد ما التربية ايضا (رغم ان التربية عندنا –بفضل التحالف الثلاثي –هي سلطوية قبلية دينية)، كما ان هذا «الكويتي» بحكم الولادة والمنشأ لم يعد «ممنونا» - كآبائه واجداده - للشيخ سعد أو لغيره بتجنيسه أو بتوظيفه في الدوائر التي اختلقها الشيخ سعد لاستيعاب المجنسين: سلاح الهجانة، سلاح خفر السواحل، سلاح الحدود، حراس مدارس التربية، بل اصبح مواطنا مؤهلا، حاله حال البقية من المواطنين، يبحث عن فرصته كاملة وليس عما توفره «السلطة» له.
«المعارضة» الجديدة
هنا نشأت «المعارضة الجديدة»، (مع اني اتحفظ كثيرا.. وكثيرا على كلمة «المعارضة»، لان هدف التحالف الحالي هو الحفاظ على الاوضاع على ما هي عليه، بينما تاريخيا المعارضة تستهدف اما الانقلاب على النظام واما اصلاحه، يعني هؤلاء على يمين النظام أو هم اليوم نظاميون اكثر من النظام أو على ما يقال ملكيون اكثر من الملك) القبائل الذين انقسموا إلى شعبيين واصليين، والمتدينون من «الاخوان» والسلف ومن يدور في فلكهم. وكان لا بد لهذا التحالف من «رئيس» أو قائد بعد خلو مقعد الشيخ سعد، وبعد انفكاك هذا التحالف الجزئي عن السلطة. وهنا اقحم احمد السعدون نفسه بديلاً عن الشيخ سعد ليضفي على هذا التحالف «المدنية» التي لم يكن بامكان الطرف الديني أو القبلي توفيرها. ومع الاسف انخدع الكثيرون من «الشباب» بفعل زعامة السعدون بهذا التحالف واهدافه وانضووا تحت لوائه يحاربون الفساد المزعوم ويسعون إلى تغيير النهج وتحقيق التنمية. ومع الاسف، فانهم حتى الآن لم يكتشفوا ان الهدف الاساسي للتحالف الجديد هو اطاحة الشيخ ناصر وحسب، ليس بسبب الفساد أو سوء الادارة، أو على الاقل ليس بسببها فقط، ولكن بسبب سياسة تحويل الكويت إلى مركز مالي. هذه السياسة بانفتاحها تتعارض مع التزمت الديني وبحكم حاجتها إلى الخصخصة والادارة الجيدة تتعارض مع «الاستحواذ» الشعبي –القبلي. ان من المهم جدا هنا ملاحظة ان دعاوى التنمية والاصلاح التي يرددها التحالف القبلي الديني أو المعارضة الجديدة هذه الايام، هي دعاوى كاذبة، ولا تقل كذبا عن دعاوى «الا الدستور» وحماية المبادئ الديموقراطية التي يتسلى التحالف بالعبث فيها وانتهاكها ليل نهار. وربما يكون من السهل الاشارة إلى ان اغلب مرشحي ساحة الارادة من القبليين والدينيين نجحوا ولم يسقط غير النائب حسن جوهر، وصالح الملا، الذي كان اقرب نواب التكتل الوطني للمعارضة الجديدة، في اشارة واضحة إلى الاتجاه الديني القبلي لتجمعات ساحة الإرادة، رغم دعاوى مشاركة «الشباب» فيها ورغم دعاوى «حرية.. حرية.. حكومة شعبية». ان التنمية، وتنويع مصادر الدخل، أو حتى ادناها وهو التحوط من هبوط اسعار النفط يستلزم التقشف ويستلزم الخصخصة بالذات. وهذه لا تتفق على الاطلاق مع الروح «الاستحواذية» التي يمثلها التحالف الديني القبلي، وخصوصا الجزء الشعبي منه. كما ان تحويل الكويت إلى مركز مالي يتطلب الانفتاح، وقليلا من التحرر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ايضا، وهذا يتعارض مع الترويج والتهييج الديني الذي تتعيش عليه المجاميع الدينية. لهذا بذل التحالف اقصى جهوده من اجل عرقلة التنمية التي خططت لها الحكومة، وسيبذل جهودا اكبر من اجل مواصلة هذه العرقلة في القادم من ايام. فالهدف ليس شخص الشيخ ناصر فقط، مع انه تجدر الاشارة إلى اشاعات التنافس بين بعض ابناء الأسرة الحاكمة التي قد تكون طرفا رئيسيا في الهجوم على الشيخ ناصر المحمد، بل الهدف الاساسي «المحافظة» على الاوضاع على ما هي عليه... الاحتفاظ بالاستحواذ والانفاق الريعي والابقاء على المسحة الدينية التي وفرها الشيخ سعد للدولة والمجتمع.
.. وأيضا «الداوكيمكال»
وربما يكون مناسبا حاليا ونحن نتأذى من نتائج عرقلة مشروع «الداوكيمكال» ان نعيد ما سبق ان قررناه من ان معارضة المشروع تعود اساسا إلى ان المعارضة الجديدة أو التكتل الشعبي بالذات وجماهيره ليس لهم مصلحة لا مباشرة ولا غير مباشرة بالتنمية والاصلاح، وبالذات في مشروع فني صناعي اقتصادي رهيب مثل «الداو كيمكال». هذا المشروع يستفيد منه المقاولون واصحاب المال والاعمال، ويستفيد منه ايضا العمال الفنيون والمهندسون المهرة، وكل من يستند ويعتمد على قدراته الذاتية في التنافس الشريف. التكتل الشعبي وجماهيره ليس فيهم الكثير من التجار، واغلبهم يحتقر العمل اليدوي بل يحرمه. لهذا فانهم لا ناقة ولا جمل لهم في مشروع مثل «الداوكيمكال»، هم يفضلون ان تستثمر المليارات التي خصصت للمشروع في اسقاط القروض وفي رفع البدلات أو زيادة المعاشات، على ان تذهب لتجار البلد أو للنشط والعامل ومن مواطنيها.
هل يعيد التاريخ نفسه؟
وهكذا، اكتفى الربيع الكويتي الذي قاده التحالف الديني الشعبوي مع الكثير من حسني النية من «الشباب»، اكتفى برحيل الشيخ ناصر المحمد، وبالابقاء على حكومته برئاسة نائبه الشيخ جابر المبارك كاملة من دون تغيير يذكر. وعادت السياسة العامة للدولة تتجه إلى التضييق على السياحة الداخلية وعلى الحريات الشخصية، وعادت الهيمنة الدينية لتبسط ظلامها وظلها وضلالها على البلد. وإذا كانت باكورة التحالف السابق بين السلطة والدينيين –القبليين في مجلس 1982 محاصرة الشيعة والتضييق عليهم، وثم اصدار قانون منع تجنيس غير المسلم الذي عارضه المرحوم جاسم الصقر وحيدا، فان التاريخ يعيد نفسه وباكورة التحالف الجديد هي محاولة عزل الاقلية الشيعية، واولى أو اهم القوانين التي شرعها هو اعدام من يسيء للعقائد الدينية، الذي عارضه النائب محمد الصقر، وايضا كأبيه وحيدا... صدفة.. ام حقا ان التاريخ يعيد نفسه؟!
تعليقات