كيف نقرأ الانقسامات السياسية في إيران؟
عربي و دوليأخطاء المراقبين في توقع نتائج الانتخابات الإيرانية
مارس 10, 2008, منتصف الليل 803 مشاهدات 0
الانتخابات المصيرية- 4
يهتم المراقبين كثيرا بالانتخابات الإيرانية و خاصة الانتخابات النيابية المقبلة و يبنون كثيرا من الآمال و تحليلاتهم على توقع نتائجها ، و أزداد هذا الاهتمام خاصة بعد المفاجئتين الكبيرتين اللتين حدثتا في اختيار الرئيس في سنتي 1997 بانتخاب خاتمي الإصلاحي ، و 2005 بوصول الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد إلى السلطة.
لكن خطاء المراقبين ليس منحصرا في قراءة النتائج الانتخابية التي تبدوا غريبة أحيانا حتى على الناشطين في الساحة السياسية الإيرانية خاصة مع فقد إحصاءات و استطلاعات متقنة و علمية للرأي العام الإيراني ، و منع نشاط مثل هذه المؤسسات المستقلة بشتى الطرق . الخطاء البارز يقع في حسابات المراقبين الغير حقيقية على اختلاف الرؤى بين شتى التيارات و الأحزاب و توقع المحتمل منها.
لذلك يبني الإعلام الإيراني المشهد السياسي بتنبؤات كبيرة و كثيرة على مثل هذه الخلافات ، و يتوقع من خاتمي أو فريقه الإصلاحي أن يقف أمام المرشد و أن يغير مسار الأحداث في العلاقات الخارجية ، و المقابل يرسم من نجاد و فريقه 'غول' إعلامي يتجاوز كل مسلمات السياسة الإيرانية و يغلب السياسات في ليلة و ضحاها رأسا على عقب.
لا يمكن لهذه الرؤية فهم أسباب الإصلاحيين الإصرار على المشاركة في الانتخابات النيابية ، بالرغم من إقصاء أبرز مرشحيها من قبل لجنة صيانة الدستور و لجان الرقابة على الانتخابات ، و لماذا يختلف الأصوليين في ما بينهم و خاصة مع الرئيس نجاد في الكثير من القضايا ، لكنهم بنفس الوقت يشاركونه في معظم مواقفه و يسايرونه في البرلمان إلى حد تلبية معظم رغباته!
سر هذه المتغيرات يقع في تاريخ التيارات السياسية و الانقسامات في إيران و دور البرلمان في ولادة التيارات الجديدة التي أصبحت كمولد متجدد و فعال للمشروعية الشعبية و السياسية للنظام الإسلامي.
بدأت الثورة الإيرانية بإتحاد جميع الأطراف المعارضة ضد نظام البهلوي و غطرسة الفرد الواحد، ولم يمر عليها طويلا حتى بدأت عملية إعادة الحسابات وقام بفرزها بتقسيم القوى الاجتماعية. في البداية ائتلف الجميع ضد الليبراليين و أسقطوا الحركة الوطنية ، و حركة الحرية وكانت رئس الحكومة بازرغان ثم أنغلب اللعبة ضد اليسار الماركسي وبشكل خاص 'حزب تودة' و بعدها التيار الثوري الإلتقاطي المتمثل في 'منظمة مجاهدين' برئاسة رجوي وبالتزامن معه بقية التيار الليبراليين المسلمين برئاسة بني صدر.
توحد المشهد لفترة قصيرة خاصة بفضل الحرب مع العراق و الإتحاد الذي كان يفرض نفسه للجميع ، لكن البرلمان الثالث كان منطلق ظهور التيار اليسار الإسلامي بزعامة 'مجمع روحانيون مبارز' (مجمع العلماء المناضلون) المنشق من 'جامعه روحانيات مبارز'( جمعية الروحانية المناضلة) بمباركة الزعيم الروحي للثورة أية الله خميني الذي كان يعرف بأن الوحدة الظاهرية ستضع النظام الإسلامي على دوامة التهالك اليومي ، و ستعطي مجالا لإحياء تيارات الظل و الخفاء ، و بدل ذلك سيعطي المشهد القطبي فعالية و نشاط للحياة السياسية . فلذلك داعما للحركة الجديدة أمام التيار الكلاسيكي المحافظ ليتمكن من الاستمرار في المنافسة و اعتبار تاريخيه الأخير.
البرلمان الرابع بدء عمله بعد رحيل المؤسس وتم السيطرة عليه من قبل المحافظين, بشكل كامل لكنه مهد لنفسه الوقت إلى بزوغ نجم 'الكارغوزاران'(رواد البناء) المتشكل من مجموعة رجال حكومة الرئيس رفسنجاني المعروف بسياسته البراغماتية المبنية على التوازن بين التيارات الإيرانية.
وبدأ نجاح الحزب الجديد في الانتخابات النيابية الخامسة الطريق أمام ظهور خاتمي ووصوله المفاجئ إلي سدة الحكم ثم جاء البرلمان الإصلاحي المثير للجدل في دورته السادسة ليؤسس إلى حزب أخر هو حزب مشاركة الإصلاحي.
البرلمان السابع(الحالي) كان منطلق لمجموعة من المحافظين الجدد و على رأسهم مجموعة أبادغران التي كانت قد نجحت قبل ذلك في الحصول على أغلبية كاسحة في مجالس البلديات و عرفت رجل جديد إلى الساحة السياسية كعمدة طهران : محمد أحمدي نجاد ، و أستطاع بعد سنتين الرجل أن ينافس المخضرمين في السياسة و على رأسهم الرئيس الأسبق رفسنجاني للحصول على مقعد الرئيس.
الانتخابات الإيرانية هي مهد الأحزاب و مجالها للظهور و الذي يخرج منها يخرج من المشهد السياسي إلى الهامش ، و هذا هو السبب في توصية رفسنجاني للإصلاحيين للاستمرار في العمل الانتخابي حتى لو لم يبقى لهم إلا رجل واحد ، وهذا هو سر كلام خاتمي حين يطالب الجميع للوقوف أمام لعبة حذف الإصلاحيين من الساحة السياسية.
يعتقد الإصلاحيين أن حزب حركة الحرية برئاسة بازرغان خرج من طور التأثير الفعلي على مجريات المشهد السياسي عندما أنزلق أو أستدرج إلى مقاطعة الانتخابات ، وهذا ما سيكون مصيرهم إن وقفوا في مقام المتفرج على ما يجري في الساحة .
الإصلاحيين ليسوا ثوار و ليسوا معارضين للنظام الإسلامي في إيران ، بل هم أبناء الثورة و يصرون على أن يبقوا كذلك مهما بلغت المواجهات. لا يمكن لخاتمي أن يصبح معارضا للنظام الذي بناه بيده و لا لهاشمي و كروبي ، فهم يعتقدون أنه لوكان الخروج على النظام طريقا إلى التغيير لنجحت بذلك المعارضة الإيرانية الموجودة خارج البلاد بوفرة و تعدديه ، التغيير لا يأتي إلا من بطن المشهد السياسي ، وهذا ربما هو سر ولادة الحركة الأصولية الجديدة التي تعارض الرئيس بالرغم من مشاركته في العداء للإصلاحيين ، والوقوف بجانبه في الملفات الخارجية ، وهم أيضا ينشدون التغيير و ينشدون بنفس الوقت دورا أبرز في الساحة السياسية الإيرانية التي بدأت تفتقر إلى قطب ثاني بعد حذف الإصلاحيين الشبه كامل .
وهنا سر استمرارية الشعبية للنظام الإيراني : فهو ديناميكي و حركي بحيث يولد من رحمه كل مرة معارضته ، وينطق مطالب شعبه و نقد معارضيه على لسان أبناءه .
السياسة الإيرانية بدأت تتفهم و تتعامل مع اللغة والمنطق السياسي المعاصر ، وذلك كفيل عاجلا أم آجلا بإخراجها من معظم مشاكلها الداخلية ، وحلحلة ملفاتها الخارجية الشائكة .
تعليقات