التقيّة لامبرر لها اليوم في مجلس الأمة.. عبدالهادي الصالح شاهدا

زاوية الكتاب

كتب 1308 مشاهدات 0



الأنباء


ممنوع التقيّة في مجلس الأمة!
الاثنين 5 مارس 2012 - الأنباء

حسنا ما فعله الرئيس احمد السعدون في جلسة الاربعاء الماضي عندما شطب من مضبطة مجلس الامة كلام بعض الاعضاء الذي يمس الجانب العقائدي بينهم، واذا كان الاحتقان السياسي مورد قلق للكويتيين فالامر ادهى وامر اذا دخل اعضاء مجلس الامة في تجاذبات طائفية ضيقة لا يستفيد منها الا اللاعبون بالورقة الدينية على المستوى الاقليمي كما هو واضح للعيان، لكن – من ناحية اخرى – يكشف ذلك الكلام عن غياب المعلومات الصحيحة عن الجوانب العقائدية التي تمثل تعددية ايجابية بين اهل الكويت الذين تعايشوا من خلالها دون ان يضطروا لاستخدام «التقية» أو «النفاق» والعياذ بالله تعالى.
فالصحيح ان اصل التقية هي رخصة شرعية يمارسها الانسان بفطرته عند تعرضه او تعرض غيره لاخطار جسيمة تمس عقيدته او مصالحه الدنيوية الضرورية كالمال والنفس والعرض، وقد عرفها الشيخ محمد ابوزهرة بأنها ان يخفي الشخص ما يعتقد دفعا للاذى (كتابه الامام الصادق ص255) وعرفها الشيخ الانصاري بقوله «التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول او فعل مخالف للحق (رسالة التقية، ص37)».

وقد اقرها القرآن الكريم في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله) «28 غافر»، وكذلك كان من امر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الميامين رضي الله عنهم عندما تكتموا على الاسلام في بدايته في دار الأرقم. وقد اتفق على نزول الآية الكريمة (من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) «106 النحل»، انها نزلت في جماعة اكرهوا على الكفر، فعذب بعضهم وقتل، بينما اعطاهم عمار بن ياسر رضي الله عنه ما ارادوا بلسانه فنجا. فقال قوم: كفر عمار! لكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال «كلا، ان عمار مليء ايمانا من قرنه الى قدمه، واختلط الايمان بلحمه ودمه» وقال لعمار عندما جاءه يبكي عما بدر منه من كلمات الكفر، وهو يكفف دموعه، ان عادوا لك فعد اليهم بما قلت، ونزلت الآية المذكورة، والامثلة والشواهد في هذا الصدد كثيرة. وقد مارسها الكويتيون اثناء الغزو الصدامي عندما اخفوا هوياتهم ومهنهم الحساسة وقراباتهم تقية للحفاظ على ارواحهم العزيزة وممتلكاتهم النفيسة وحفاظا على مواقعهم في البلاد كحراس اشاوس ضد جيش الطاغية، وقد سمعت ان قيادة البلاد السياسية قد تمنت على احد الشهداء الابرار لو انه انصاع مكرها على ازالة علم الكويت او صورة احد رموز الدولة حفاظا على روحه العزيزة الغالية، وحكم التقية يختلف بحسب الظروف فأحيانا تستحب واحيانا ربما تجب واحيانا ربما تحرم عندما تكون التضحية اهم من الحفاظ على النفس او المال، وهكذا كانت الامثال الرائعة في تراثنا الاسلامي والوطني من التضحيات الخالدة.

وقد الصقت «التقية» بالمدرسة الاسلامية الامامية بالذات لما تعرضت له تاريخيا وخاصة ابان الدولة الاموية والدولة العباسية من بطش شديد وظلم لا يتحمل عندما كان القتل يجري على الشبهة والمظنة واستخدام التقية في ذلك الزمان هو الذي حافظ عليها. اما اليوم فحين يتوافر قدر كبير من الحرية والحقوق عموما وتتوافر وسائل التعبير وتتعدد ادوات الاطلاع على المعلومات الشاملة، واصبحت المكتبات والمؤسسات الدينية منفتحة للجميع فلا وجود للتقية بهذا المعنى، ولا مسوغ لها، والتقية بذلك تختلف عن النفاق وبينهما فرق وبون شاسع، فمفهوم التقية هو اظهار الكفر وابطان الايمان او التظاهر بالباطل واخفاء الحق، بينما النفاق بالعكس تماما فهو عبارة عن اظهار الايمان وابطان الكفر او التظاهر بالحق واخفاء الباطل، وهو مصداق الآيات القرآنية للتقية (الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان)، بينما النفاق: «اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون».

واخيرا: ان ما نشهده من مثل هذه المواقف المؤسفة هو نتيجة عدم التعامل اعلاميا وتربويا مع التعددية الدينية بشفافية وانفتاح «فالناس اعداء ما جهلوا»! حفظنا الله جميعا من ذلك.

راجع: كتابنا «تعال نتفاهم – دعيج وجعفر» - «عقيدة الامامية للمحقق الشيخ جعفر السبحاني».

 

تعليقات

اكتب تعليقك