د.سعود الحربي يحذر من الصمت تجاه صراع الحضر والقبائل

زاوية الكتاب

كتب 1252 مشاهدات 0


 


الوطن

صراع الحضر والقبائل

د.سعود هلال الحربي

إذا استمرت حالات التغذية لهذا الصراع الخفي فستكون العواقب وخيمة


من المسائل التي توليها الدول المتقدمة أهمية المزاج النفسي والاجتماعي لشعوبها، بمعنى أنها تحاول فهم توجهاتها الفكرية واتجاهاتها النفسية والاجتماعية وما يرتبط بها من ردود أفعال، لأن كل ظاهرة اجتماعية أو سلوك يأخذ صفة العموم له دوافع لابد من ادراكها وفهمها، حتى يسهل التعامل معها، بالطبع هذه الرؤية أو هذا الأسلوب غائب تماما عنا ولا أعتقد ان المهتمين بالشأن السياسي لديهم أدنى فكرة عن هذا الموضوع، وساعدهم على ذلك الدور السلبي لبعض المثقفين البرج عاجيين.
ان ما نعانيه الآن من حالة احتقان وشد وجذب واتهامات بين طرفين أساسيين هما الحضر والقبائل مسألة كامنة في اللاشعور منذ مدة طويلة جدا، ولم نجرؤ في يوم من الأيام على طرحها ومناقشتها بصورة موضوعية، لأننا كنا نمر مرور الكرام عليها، بل اننا نتحاشى دائما ما يثيرها تحسبا لعواقب الأمور، وكنت سأقول ان هذه الطريقة حميدة وجيدة لو ان المشكلة انتهت لتجاهلنا لها أو أننا تسامينا في مشاعرنا وأفكارنا ولكن ما حدث هو العكس تماما حيث كانت أشبه بالبركان واليوم ندفع ثمن السكوت أو التجاهل، في الوقت الذي انشغلنا بأمور لم تكن ذات أهمية.
سأتكلم بوضوح وصراحة وأنا مسؤول عما أقول ان المشكلة الكامنة عند البعض كانت بالنظر للقبائل بأنهم زحفوا على الكويت وهاهم الآن يقتنصون الفرص ويحاولون فرض أنفسهم وارادتهم على الوضع السياسي والاجتماعي، بالطبع كنا نسمع هذه النغمة عقوداً طويلة ولكن لم نتصور ان تصبح ممنهجة ومخططاً لها، وقد كتبت مقالة حول هذه الفكرة عام 1998 بعنوان غزو المناطق الخارجية وفي مقالة نفي الآخر عام 2004 وغيرها من المقالات المنشورة في كتابي (من أجل الكويت) هذا الشعور أيضا ظهر بصورة بارزة في استجواب مسلم البراك لعادل الصبيح وعلقت على ذلك في مقالة عنوانها الخداع الفكري، من تلك اللحظة أصبح النظر للقضايا والمسائل يأتي من هذا الباب، أي الفرز الاجتماعي.
في الجهة المقابلة كان هناك شعور يتم تذكيته ومحاولة ابرازه بشكل واسع وهو ان هناك من يحارب أبناء القبائل ويحاول ان يلغيهم أو يقصيهم من كل شيء، لذلك أخذ بعض أبناء القبائل يتكسب من هذه النغمة ويؤججها ويثبتها بكل حالة حتى لو كان الكلام غير صحيح، وتنامى هذا الشعور مع بعض الممارسات الخاطئة والتي قد تكون مقصودة أو غير مقصودة من بعض المسؤولين أو أصحاب القرار.
هذا الصراع الذي كان كامنا وهو أقرب للهمهمة أصبح خلال السنوات الأربع الأخيرة ظاهرا للعيان واستفاد منه كل من أراد الايقاع بالكويت وشعبها، ونجحوا في ذلك الى حد كبير، وساعدهم على ذلك حالة الفوضى والتسيب الاعلامي وعدم الاحساس بالمسؤولية، وهنا تولد بشكل واضح الشعور بالقهر والاضطهاد لدى الفئتين، أي فئة تشعر بالاضطهاد بسبب زحف القبائل وفئة تشعر بالتهميش والنفي، وهنا أيضا التزمنا الصمت وكأننا غير معنيين بالأمر، أو اننا لم نتناول الموضوع بصورة أعمق وأشمل.
وقد كان من الطبيعي في مثل هذه الحالات البحث عن شخص يعبر عن المشاعر المكبوتة وبصورة علنية وقاسية جدا وذلك لقسوة الشعور والمرارة لدى الطرفين، وهنا ظهرت أصوات لدى كل من الفئتين أي الحضر والقبائل، وأصبحوا أبطالا في نظر أتباعهم، فالأول سيعيد الحق لأصحابه والآخر سينتصر للظلم حسب زعمهم، وهنا دخلنا في متاهات وأصبحنا مرهونين بسلوك الآخرين المستفيدين من هذا الوضع.
ولكن وعلى الرغم من الألم الذي لحق بنا جميعا من هذا الصراع أعتقد ان له ايجابية أيضا لأنه أظهر ما في النفوس وخباياها وكل فكر وتكلم بصوت عال حتى نستطيع ان نفهم أنفسنا على أقل تقدير ونكون أكثر وضوحا واتساقا ومن ثم نستطيع ان نحل مشكلاتنا، وحتى يكون هناك نجاح وتجاوز لهذه الأزمة الخانقة لابد من احياء الروح الوطنية وترسيخ قيم المواطنة والسمو في مشاعرنا وأفكارنا ويكون في ذلك رغبة صادقة في الاصلاح في اطار عدالة اجتماعية ومساواة حقة للجميع، أما اذا استمر الصمت أو حالات التغذية للصراع الخفي فستكون العواقب حتماً وخيمة وسندفع ثمن سكوتنا هذا غاليا فهل ندرك ذلك؟

د. سعود هلال الحربي

تعليقات

اكتب تعليقك