يوم ضاعت الحكومة الكويتية 'بشبر ميه'، بعد تأبين مغنيه

 جاء اغتيال المدان دوليا والمطلوب كويتيا المدعو عماد مغنيه الأسبوع الماضي في دمشق، ليظهر فضيحة حكومية من نوع خاص كشفت ضعفها وترددها وخوفها، وأضاعت بقايا أية هيبة لها، فعماد مغنيه مطلوب للكويت على خلفية تورطه في محاولة اغتيال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح (طيب الله ثراه) عام 1985م، واختطاف طائرة الجابرية عام 1986م، وعندما قتل بسيارة مفخخة الأسبوع الماضي، صرح وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد الصباح بأنه 'لا يوجد شريف كويتي واحد يدافع عن مغنيه'، فكان أن هدده النائب عدنان عبدالصمد وتوعده بالمسائلة بسبب تصريحاته تلك، وبعدها صمتت الحكومة ولم يخرج منها بيان رسمي يحدد موقفها من الأمر برمته.
 فكان أن أرسل الاتحاد الوطني الإسلامي (فرع حزب الله في الكويت) برقية تعزية ومواساة لذوي مغنيه بثتها وسائل الإعلام ومن بينها قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، كما تم تنظيم مجلس تأبين وعزاء للمقتول عماد مغنيه حضره النائبان عدنان عبدالصمد وأحمد لاري ومنعت وسائل الإعلام تغطيته بعد أن أمنت الداخلية الحماية له.
 وعندها صمتت الحكومة صمت القبور، وقيل بأنها تنتظر اجتماع مجلسها الوزاري بعد عودة سمو رئيس مجلس الوزراء من جولته في الخارج، وغلت الساحة، واشتدت التصريحات، وتوترت الأجواء، والحكومة تنتظر أسبوعا حتى خرج اليوم نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء السيد فيصل حجي بوخضور ببيانين متناقضيت خلال ساعتين، قال في الأول الذي بثته وكالة الأنباء الرسمية (كونا) في الساعة الثالثةو وست دقائق مساء ما نصه:
'مجلس الوزراء ناقش اليوم مادار خلال الأيام القليلة الماضية من احتفال تأبيني لشخص تدور حوله الشبهات بأنه وراء عمليات سابقة مست المجتمع الكويتي.
وأضاف الحجي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء 'آمل من كافة وسائل الاعلام والمواطنين أن يتركوا هذا الموضوع للجهات الرسمية الحكومية حيث انها باشرت وسوف تستمر في اتخاذ التدابير القانونية التي تحفظ للمجتمع الكويتي أمنه واستقراره'.
ودعا الجميع أن يعوا خطورة الأوضاع في المنطقة وضرورة النظر الى ما يدور حولنا من أحداث وأن نتعظ منها.
وأضاف 'نحن في بلد تقع في منطقة تعصف فيها مع الأسف العواصف من كل حدب وصوب وبالتالي علينا أن نعي خطورة المرحلة التي نمر بها ويجب علينا أن نجنب مجتمعنا ما تعانيه مجتمعات أخرى قريبة ولصيقة بنا' .
وأكد ان 'الشعب الكويتي بوعيه واداركه سوف يتجاوز هذه العاصفة الصغيرة التي طالت المجتمع الكويتي'.
إذن المسألة كما رأتها الحكومة الساعة الثالثة عصرا بعد انتظارها أسبوعا كاملا هو أن 'شخصا تدور حوله الشبهات' قد تم تأبينه. وطالب وسائل الإعلام ترك هذا الموضوع للجهات الرسمية.

ولكن ما كان على الحكومة فعله هو مثلما صرح وزير الداخلية المجتهد من الساعات الأولى للاغتيال، فلو أن الحكومة أعلنت موقفها الذي أعلنته في تصريح لنفس وزيرها أدناه بعد ساعتين لما صارت كل هذه الضجة أصلا، ولما تجرأت مجموعة على استفزاز وعدم احترام مشاعر أهالي الشهداء والكويتيين جميعا. ولأن الحكومة توالت عليها ردود الإفعال المستهجنة لهذا التردد والضعف من تبيان موقفها لا أكثر ولا أقل، فقد غيرت أقوالها. فماذا قالت الحكومة الساعة الخامسة وأربعين دقيقة مساء اليوم (الأثنين) بعد بيانها الأول؟ لنقرأ تصريح نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء السيد فيصل حجي بوخضور لوكالة الأنباء الرسمية (كونا):
' ان مجلس الوزراء عبر عن شجبه واستنكاره لمظاهر التأبين والتمجيد التى قام بها البعض بمناسبة مقتل إرهابي تلوثت يداه بدماء الشهداء الابرياء الطاهرة وكان وراء العديد من العمليات والجرائم الارهابية وترويع الآمنين في مختلف بقاع العالم.
واضاف ' بذلك تحقق القصاص الرباني العادل لتطمئن روح شهيدي (طائرة الجابرية) عبدالله الخالدي وخالد أيوب رحمهما الله في قبريهما الطاهرين وتهدأ نفوس ذويهما والشعب الكويتي الابي الذى كان يتابع فصول جريمة الجابرية وزال يستذكر تفاصيلها البشعة بكل مشاعر الغضب والالم'.
وقال الحجي 'وإزاء تلك الممارسات العبثية الغريبة على المجتمع الكويتي وما تنطوي عليه من ابعاد خطيرة هزت الرأي العام الكويتي واستفزت مشاعر الكويتيين الذين دأبو على نبذ روح التعصب والتطرف ويرفضون محاولات بث سموم الفتنة والبغضاء بين صفوفهم مهما كانت مراميها وغاياتها وكلهم يقفون صفا واحدا مؤكدين حتمية اللحمة الجامعة متمسكين بوحدتهم الوطنية وهي الامانة المقدسة في عنق كل كويتي نحرص على تعزيزها جيلا بعد جيل مؤكدين ولاءهم الاوحد لوطنهم الكويت وايمانهم الثابت بان الكويت دائما اولا وفوق كل شيء'.
وقال الحجي انه في هذا الصدد فان مجلس الوزراء إذ يشجب ماقامت به قلة محدودة من تصرفات مشينة استفزت بها مشاعر كل الكويتيين ليدعو جميع المواطنين ووسائل الاعلام المختلفة لترك هذا الامر للسلطة الرسمية مؤكدا بأنها ستباشر كافة التدابير والاجراءات اللازمة في شأن هذه القضية وذلك بما يكفل صيانة الوحدة الوطنية والتأكيد على ان تكون كلمة جميع الكويتيين دائما واحدة في مواجهة كل مايمس وطنهم وأمنه واستقراره ويسيء الى ثوابته الراسخة سائلين المولى عز وجل ان يديم على كويتنا الحبيبة نعمة الامن والامان تحت راية حضرة صاحب السمو الامير وسمو ولي عهده الامين حفظهما الله ورعاهما.

 إذن، كان مغنيه رسميا في نظر الحكومة  وفي الساعة الثالثة عصرا 'شخص تدور حوله الشبهات'، ولكنه بعد أن شربت الحكومة 'حليب سباع' في الساعة الخامسة وأربعين دقيقة عصرا، أصبح مغنيه 'إرهابي تلوثت يداه بدماء الشهداء الابرياء الطاهرة وكان وراء العديد من العمليات والجرائم الارهابية وترويع الآمنين في مختلف بقاع العالم' وبأن ما جرى له قصاص رباني عادل. وبأن التأبين تصرف مشين وتستنكره الحكومة.
 أية حكومة هذه التي غرقت 'بشبر ميه' بسبب اغتيال 'إرهابي تلوثت يداه... إلخ تصريحها عنه؟؟ولماذاا لم تحسم الأمر منذ بدايته، وانتظرت أسبوعا حتى تتخبط في التناقض خلال ساعتين، وتلتهب الساحة وتتوتر الأجواء؟؟؟