التداعيات الاقتصادية للثورات العربية تقود الى مزيد من التكامل الاقتصادي بين الدول العربية برأي د. جاسم المناعي
الاقتصاد الآنديسمبر 3, 2011, 1:50 م 548 مشاهدات 0
طبيعة الدور العالمي والعربي في دعم الدول العربية المتأثرة بهذه التحولات وتأثير التطورات الاقتصادية العالمية الأخيرة. كما نعلم أن الحاجة الأساسية العاجلة للدول العربية التي تشهد تحولات سياسية هي الحصول على المساعدات المالية وبشكل سريع. بالطبع، فإن مجموعة الثمانية يمكن أن تساعد في هذا الشأن ليس عن طريق المؤتمرات والوعود والنيات الطيبة، لكن عن طريق المباشرة في توفير هذه المساعدات دون تأخير لأن الحاجات هي آنية في الوقت الحاضر وقد لا تحتاج الدول العربية المعنية في مراحل لاحقة أو قد لا تحتاج بهذه الدرجة. صحيح أن مجموعة الثماني ليست أوضاعها المالية حالياً في أحسن حال لكن تكرار مؤتمرات الدعم دون تحقيق نتائج ملموسة منها قد يوثر على مصداقية مثل هذه الوعود والإجراءات. على صعيد آخر يمكن لمجموعة الثمانية المساعدة بأشكال أخرى مثل تسهيل دخول بضائع ومنتجات الدول العربية إلى أسواقها ولو بشكل استثنائي خلال هذه المرحلة. هذا ينطبق أيضاً على مساعدة الدول العربية المعنية من خلال تسهيل دخول عمالتها إلى الدول الغربية على الأقل خلال هذه الفترة للتخفيف من زيادة وتفاقم مشكلة البطالة بسبب هذه الأحداث والتحولات السياسية. بالنسبة إلى المؤسسات الدولية يمكنها بدورها المساعدة من خلال زيادة قروضها وتسهيلاتها إلى الدول العربية المعنية وذلك من خلال أنواع التسهيلات التي لا ترتبط بشروط قد تكون غير مرحب بها في الوقت الحاضر نظراً لحساسية هذه المرحلة الانتقالية. يمكن لمؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية أن تزيد من استثماراتها للتعويض عن انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية الخاصة. المؤسسات الدولية يمكنها المساعدة عن طريق زيادة تمويل تجارة المنطقة إما من خلال التمويل المباشر أو من خلال توفير ضمانات لصالح مؤسسات الدول العربية التي تمر بتحولات سياسية حالياً (قرار البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير مؤخراً للدخول في تمويل عمليات في الدول العربية يمكن أن يساعد في هذا الشأن على ضوء تجربته في دول أوروبا الشرقية وخاصة في مجال تمويل التجارة). في الواقع حتى الآن وحسب ما يبدو فإن موقف مجموعة الثمانية وكذلك المؤسسات الدولية يعبّر عن وعود أكثر منها مساعدات فعلية ملموسة. وكما يبدو فإن الجميع ينتظر ما تسفر عنه تطورات الأوضاع السياسية. وفي الوقت الحاضر تعمل مجموعة الثمانية والمؤسسات الدولية على مشاركة الدول والمؤسسات العربية في هذا الجهد بدلاً من أن تأخذ هي زمام المبادرة. وفقاً لذلك فإننا نتوقع أن موقف مجموعة الثمانية والمؤسسات الدولية يتحدد بشكل أكبر على ضوء تشكل طبيعة وتوجه الأنظمة السياسية الجديدة في دول المنطقة. أما بالنسبة إلى الدور العربي، فقد أعربت بعض دول مجلس التعاون الخليجي حتى الآن عن التزامات مالية تجاه مصر بحوالي 17 – 20 مليار دولار، 4 مليار دولار من المملكة العربية السعودية و3 مليار دولار من قبل الإمارات العربية المتحدة و10 مليار دولار من قبل دولة قطر. وحسب معلوماتنا، فإنّ هذا الأمر لم يتوقف عند حد الالتزام فقط ولكن جزءاً هاماً قد تم توفيره بالفعل. أعتقد أنه ستكون هناك التزامات ومساعدات مالية من قبل دول عربية أخرى. لذلك من ناحية حجم المساعدات ومن ناحية المباشرة في توفيرها بالفعل فنستطيع أن نقول إن الدور العربي قد سبق دور المجتمع الدولي. كذلك على صعيد المؤسسات المالية العربية فحسب ما يبدو، فإن هذه المؤسسات تعمل حالياً كل في مجاله بالتشاور مع السلطات المعنية على الاتفاق بشأن نوع وحجم المساعدات التي يمكن توفيرها لهذه الدول. ستكون هناك قروض لمعالجة عجز ميزان المدفوعات وعجز الميزانية لكل من مصر وتونس، كما تم حتى الآن من قبل صندوق النقد العربي تجاه مصر. كما ستكون هناك قروض ميسرة لمشاريع تنموية، كما نتوقع أن يباشر الحساب الخاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عمله في توفير التمويل لمؤسسات القطاع الخاص، هذا بالإضافة إلى تمويل لمشاريع زراعية وصناعية ومشاريع بنية أساسية وكذلك زيادة في قروض وتسهيلات تمويل التجارة العربية من قبل برنامج تمويل التجارة العربية. أتوقع أن التحولات السياسية في الدول العربية بالإضافة إلى الأزمات المالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي من شأنها زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، كما إن من شأنها دعم إجراءات ومسيرة التكامل الاقتصادي العربي. إن التطورات الاقتصادية العالمية المتمثلة في ضعف أوضاع الاقتصاد الأمريكي وتفاقم أزمة الديون الأوروبية من شأنها أيضاً رفع مستوى العلاقات الاقتصادية العربية وزيادة التكامل الاقتصادي العربي. إن العالم العربي بطبيعة اقتصادياته منكشف إلى درجة كبيرة على تطورات الاقتصاد العالمي وكمؤشر على ذلك، فإن التجارة الخارجية إلى الناتج الإجمالي العربي تعتبر من أعلى المعدلات في العالم. هذا يعني أن التطورات الاقتصادية العالمية الحالية المتمثلة سواءً في تواضع معدلات النمو الاقتصادي العالمي أو تدهور الجدارة الائتمانية للاقتصاد الأمريكي أو أزمة ديون أوروبا السيادية وانعكاساتها السلبية على القطاع المصرفي الأوروبي، كل هذه التطورات لها بالطبع انعكاسات محسوسة على الاقتصاد العربي بشكل عام واقتصاديات دول الخليج بشكل خاص. ففي حالة استمرار ضعف الاقتصاد العالمي واحتمال تأثيره السلبي على أسواق النفط، فإن ذلك يشكل تحدياً كبيراً للسياسات المالية في الدول العربية وخاصة الدول النفطية التي توسعت بشكل كبير في الإنفاق العام لدرجة من الصعوبة التراجع عن ذلك، حيث أصبحت الموازنات تعتمد على أسعار النفط أكبر بكثير من السابق وبدلاً من الاعتماد على 30 – 45 دولاراً للبرميل لتحقيق توازن في المالية العامة لم يعد في الإمكان حسب ما يبدو تحقيق ذلك دون أن يتجاوز سعر البترول 70 دولاراً للبرميل على الأقل. أما على صعيد الوضع المالي المتدهور في الدول الغربية خاصة على إثر انخفاض الجدارة الائتمانية للاقتصاد الأمريكي وتفاقم أزمة ديون أوروبا واحتمال انعكاسها بشكل سلبي على البنوك الأوروبية. فإن من شأن هذه التطورات أن تؤثر على الاستثمارات العربية في هذه الدول، كما إن من شأن هذا أن يعرض القطاع المالي والمصرفي العربي إلى انكشافات مضرة هذا إذا لم تترتب على ذلك خسائر مالية ملموسة. هذا إضافة إلى تقلص وانكماش أنشطة المصارف الأوروبية في المنطقة نظراً لزيادة مخاطر انكشافها على ديون بعض الدول الأوروبية وأيضاً نظراً لارتفاع تكاليف أنشطتها بسبب تدني جدارتها الائتمانية مؤخراً. مثل هذه التطورات لا بد أن تؤثر على كثير من القطاعات الاقتصادية لدول المنطقة وتوجهاتها المستقبلية خاصة على صعيد الاستثمارات الخارجية ونشاط القطاع المالي والمصرفي بما يشمل التجارة الخارجية وغيرها. الاحتمال الطبيعي هو أن تؤثر مثل هذه التطورات على جغرافية الأنشطة المالية والاقتصادية العربية في المستقبل، كما يمكن أن تؤدي مثل هذه التطورات إلى زيادة التجارة والاستثمار البيني العربي وزيادة التكامل بين الاقتصاديات العربية مثلما لمسناه على إثر الأزمة المالية العالمية، طبعاً هذا في حالة استقرار الأوضاع السياسية في الدول العربية خلال فترة وجيزة نسبياً، وإلا فإن الاحتمالات الأخرى هي مزيد من التوجه إلى زيادة التعاملات الاقتصادية مع آسيا وأوروبا الشرقية وقد لا نستبعد إفريقيا أيضاً.
المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي
تعليقات