بل غيتس من خلال الواشنطن بوست يطالب بخطة شاملة لمساعدة فقراء العالم

الاقتصاد الآن

468 مشاهدات 0


منذ خمسين عاما، كان يموت 20 مليون طفل تحت سن الخامسة كل عام. انخفض هذا العدد في عام 2010 إلى 7.6 مليون طفل. ومما لا شك فيه أن هذا الانخفاض الكبير في معدل وفيات الأطفال الذي بلغ 60% يعود إلى التقدم الكبير الذي تحقق في مجالات الزراعة والتعليم والصحة والإصحاح، كما أنه دليل دامغ على زيادة العدل في عالمنا.
بيد أن الأزمة الاقتصادية الحالية تعرض هذا التقدم الكبير للخطر كما تؤكد مناقشات الكونجرس حول ميزانية المساعدات الخارجية.
قدمت تقريرا إلى رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، بمن فيهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اقترحت فيه مجموعة من السبل البناءة التي تساعد العالم على مواصلة الاستثمار في التنمية على الرغم من القيود المالية. وأتمنى أن تحظى هذه الأفكار بمناقشات الكونجرس على مدى الأسابيع المقبلة.
أولا: إن البرامج التي تمولها الولايات المتحدة بسخاء تمثل عنصرا أساسيا في مشروع رفع مستويات المعيشة في كل أنحاء العالم لخمسين عاما.
تهدف المساعدة إلى سد ثغرات محددة في مجال التنمية. أما أهم هذه الثغرات فهو الابتكار. فعندما لا يمتلك القطاع الخاص الحافز اللازم، ولا تتوفر الحكومات الفقيرة على الأموال، يأتي دور المساعدات الذكية في الأموال للحلول الإبداعية. فما كان يمكن للثورة الخضراء التي وفرت الغذاء لبلايين الناس في الخمسينات والستينات أن تتحقق بدون التقدم الكبير الذي حدث في مجال العلوم الزراعية بتمويل من الولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات العشر الماضية فقط، تم إنقاذ ملايين الأطفال من أمراض عدة مثل الحصبة والسعال الديكي باستخدام التطعيمات التي ساهمت الولايات المتحدة في تمويلها من خلال منظمة تعرف باسم تحالف جافي. ولا شك أن التطعيم يعتبر مثالاً عظيمًا لمدى فعالية المساعدات. إن تطعيم الحصبة الذي يكلف 36 سنتا يمنح الطفل الحماية من هذا المرض طوال حياته.
ثانيا: التنمية لا تفيد شعوب الدول الفقيرة فحسب بل إنها تصب في مصلحتنا جميعا. كان هناك اعتقاد سائد مفاده أن ثلث العالم أغنياء وثلثيه فقراء. أما اليوم، فقد ارتفع عدد الدول التي تتمتع بالديناميكية والصحة والتعليم مما يعني ارتفاع معدلات الرفاهية. تخيلوا وضع الاقتصاد العالمي بدون البرازيل أو الصين أو الهند أو إندونيسيا أو كوريا الجنوبية أو المكسيك أو تركيا.
إذا استطاعت الدول الفقيرة حاليا إطعام وتعليم وتوظيف سكانها، فإنها ستساهم بمرور الوقت في الاقتصاد العالمي. فمن ناحية العرض، ستتمكن تلك الدول من زيادة إنتاج السلع الرئيسية مثل الأطعمة مما يؤدي إلى خفض الأسعار أما من ناحية الطلب، فعندما يكون المواطنون أكثر إنتاجية، ستصبح هذه الدول أسواقا مهمة للتجارة.
بيد أنه إذا لم يتمكن الناس من الوصول إلى احتياجاتهم الأساسية، فستؤدي المعاناة المستمرة إلى حالة من الركود الاقتصادي وعدم الاستقرار. إنه لمن الخطأ الاستراتيجي وانعدام الضمير أن نسمح للمجاعة أن تدمر حياة الملايين في القرن الإفريقي.
ثالثا: إن الولايات المتحدة لا تساعد في عملية التنمية بمفردها. إننا ننفق حوالي 1% من إجمالي الميزانية الأمريكية على المساعدة، شأننا في ذلك شأن العشرات من الدول المانحة.
علاوة على ذلك، وباستثناءات قليلة، فإن المبالغ التي تنفقها الدول الفقيرة على التنمية تزيد بكثير عن المبالغ التي تستثمرها الدول المانحة. على سبيل المثال، قامت إثيوبيا على مدى السنوات الخمس الماضية ببناء 15000 مركز صحي في الريف لتقديم خدمات جيدة لمواطنيها.
كما أن هناك مجموعة من الدول صاحبة النمو السريع بما فيها البرازيل والصين والهند، لها تجارب حديثة في مجال التنمية بالإضافة إلى قدراتها الفنية الهائلة، الأمر الذي يعطيها الرؤية والمهارة لكي تلعب دورا خاصا. على سبيل المثال، تزرع الصين 10000 نوع من الأرز لمساعدة صغار المزارعين في التعامل مع تغير المناخ. ولا شك أن جهودا كهذه يمكن أن تحدث فارقا كبيرا. وعلى سبيل المثال أيضا، يتم حاليا استخدام نوعية من الأرز تتحمل الغمر في المياه في المناطق المعرضة للفيضانات في بنجلاديش والهند، وهذه النوعية يمكن أن تضاعف عائدات المزارعين. إننا نتوقع أن يقوم 20 مليون مزارع بزراعة هذه النوعية من الأرز خلال السنوات الست المقبلة.
إن القطاع الخاص لا يستثمر في التنمية كما ينبغي لأن حوافز السوق ليست واضحة على الدوام، لكن هناك سبلاً عديدة لتشجيعهم على المشاركة. قدمت في تقريري إلى مجموعة العشرين ست توصيات لجمع عشرات البلايين من الدولارات من القطاع الخاص سنويا. إن إفريقيي الشتات يمتلكون 50 بليون دولار كمدخرات يمكن أن تساعد في تمويل التنمية في بلادهم. إذا تم تخفيض تكلفة التحويلات في كل أنحاء العالم من % إلى 5% في المتوسط، فإن هذا سيوفر 15 بليون دولار في الدول الفقيرة. علاوة على ذلك، هناك تريليونات الدولارات في صناديق الثروة السيادية ويمكن استخدام جزء منها في مشروعات البنية الأساسية في الدول الفقيرة.
أحيانا يأتي للأمريكيين انطباع بأنهم يتحملون العبء الأكبر من التنمية، وأن المساعدات الأمريكية لن تحدث فارقا كبيرا في نهاية المطاف. وأنا أنظر إلى هذا الأمر بشكل مختلف. إننا نقدم استثمارات استراتيجية يمكنها، إلى جانب العديد من الاستثمارات الأخرى، أن تجعل العالم أكثر رخاء وأكثر أمنا. وإذا قمنا بهذه الاستثمارات على أفضل نحو، فإننا نستطيع تخفيض عدد الدول التي تحتاج إلى المساعدات إلى الصفر. كاتب المقال هو رئيس شركة ميكروسوفت، والرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميلندا جيتس.

صحفية عمان العمانية

تعليقات

اكتب تعليقك