الشريك الرئيسي للآثام السياسية

زاوية الكتاب

الجاسم عن الرئيس الجديد: مواقفه معروفه، وعيال عمه يرفضونه

كتب 5763 مشاهدات 0

صورة ارشيفية

'دعامية' شيوخ!

محمد عبدالقادر الجاسم

الشيخ جابر المبارك، الرئيس المكلف، لا يحظى بدعم وتأييد غالبية الشيوخ، وقد سبق في العام 2009 أن أعلن 'عيال عمه' رفضهم لتكليفه برئاسة الوزارة، وهو لا يتمتع بدعم الكتل النيابية، وليس له قاعدة شعبية. كما أن مواقفه السياسية معروفة للكافة، ولا يمكن وصفه بأقل من 'الشريك الرئيسي' للرئيس السابق ناصر المحمد في كل آثامه السياسية التي ارتكبها خلال السنوات الماضية. لذلك، ووفق حسابات العقل والمنطق، فإنه من المتوقع أن يواجه صعوبات جمة، كما أنه من غير المأمول أن يأتي بمنهج جديد، إذ أنه ينتمي إلى المدرسة السياسية ذاتها التي ينتمي إليها ناصر المحمد ومعظم الشيوخ وهي مدرسة لا تحتوي مناهجها على معاني الحرية والديمقراطية والكفاءة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه لا توجد فرصة ثانية لانطباع أول، فإنه ومن باب إبداء حسن النوايا فقط، أقول إذا أراد الرئيس المكلف الشيخ جابر المبارك أن يبدأ بداية صحيحة كرئيس، فإن عليه أن يدرك الحقيقة الساطعة وهي أن سلفه ناصر المحمد لم يتقدم باستقالته طوعا، ولم تتم إقالته تبرعا، بل تم إسقاطه جبرا من قبل الشعب، وأن سقوط المحمد قد يتكرر مع من يخلفه. هذه هي الحقيقة المجردة التي يجب أن يعيها ويعترف بها كل شيخ. وبعد أن يدرك هذه الحقيقة، يجب على الشيخ جابر المبارك أن يفهم أيضا أنه إذا كان الشعب الكويتي قد صبر طويلا على سلفه ناصر المحمد فإنه لن يصبر عليه.. لقد حقق الشباب والنواب انتصارات رائعة غير مسبوقة في تاريخ الكويت السياسي، فهم لم يسقطوا ناصر المحمد فقط، بل في طريقهم إلى إسقاط جاسم الخرافي وفريق الفساد أيضا، كما أنهم أسقطوا، قبل ذلك، الخيار الأمني الذي استخدمته السلطة وسعت إلى التوسع في استخدامه. لقد ذاق الشباب تحديدا طعم الفوز والانتصار، وتكونت لديهم خبرة كافية في العمل الميداني المنتج وستبقى شهيتهم مفتوحة لتحقيق المزيد من المكاسب.. لقد حققوا مطلبهم الأول وهو 'رئيس جديد'، ولن يتوانوا عن العمل على تحقيق مطلبهم الثاني وهو 'تنظيف' المجلس، ثم الهدف الأهم وهو تكريس 'نهج جديد'. وعلى الشيخ جابر المبارك أن يدرك أن الرأي العام سوف يراقبه رقابة دقيقة صارمة، وأن لديه فرصة واحدة فقط تمتد زمنيا منذ إعلان حكومته ولغاية إعلان نتائج انتخابات مجلس الأمة، أي أقل من ستين يوما لإزالة الانطباع السلبي تجاهه وترسيخ انطباع إيجابي محله يبرر للرأي العام منحه فرصة أطول. إن الفرق بين اسم 'ناصر' واسم 'جابر' بسيط جدا، وبالتالي فإن الشعارات و'الشيلات' التي استخدمت ضد ناصر تصلح للاستخدام ضد جابر أيضا!

أما بالنسبة لذرية مبارك الصباح، فإنهم لاشك يدركون أن عهد ناصر المحمد كان أسوأ العهود على الإطلاق، وأن تكلفة ناصر كانت عالية جدا على سمعة ومكانة أسرة آل صباح التي منيت بخسارة سياسية واجتماعية تاريخية ليس لها مثيل. ومن هنا فإنني أتمنى بكل صدق أن تعيد أسرة آل صباح النظر في منهجها وأن تعمل على الفور على استعادة مكانتها الاجتماعية. ومن أجل ذلك عليها أن تفك ارتباطها السياسي نهائيا بجاسم الخرافي ومن يماثله ويمثله، وأن تبعد أعوانه وأتباعه عن مراكز القرار، لاسيما أتباع جاسم في الديوان الأميري. لقد ورطت أفكار جاسم الأسرة أكثر من مرة.

من جانب آخر، لا يمكن لأي رئيس وزراء أن ينجح إذا لم يتمتع باستقلاليته على الأسرة. وتشير التجارب السابقة إلى أن منصب رئيس مجلس الوزراء مجرد واجهة تنفيذية للشيوخ وأن القرار مركزي، لذلك أتمنى أن يتم الفصل بين مؤسسة الديوان الأميري ومؤسسة مجلس الوزراء، وأن يتم الفصل بين اختصاصات رئيس الدولة واختصاصات مجلس الوزراء، فنظامنا الدستوري أبعد المسؤولية السياسية عن رئيس الدولة وجعل ذاته مصونة لا تمس ليس من أجل 'التقديس الذاتي' أو بسبب اعتبارات اجتماعية، بل لأنه حال بينه وبين القيام بأعمال السلطة التنفيذية بنفسه، ومنح الاستقلالية لمجلس الوزراء. لقد أدى 'ضعف ناصر' و'تكتيك جاسم' في السنوات الماضية إلى إشغال رئيس الدولة بالتفاصيل اليومية، وقاما بإقحام المقام السامي لرئيس الدولة في خصوماتهما السياسية على جميع المستويات بما في ذلك الملاحقات السياسية للمواطنين، وهو الأمر الذي تسبب في ارتكاب أخطاء استراتيجة عدة قادت إلى إلحاق خسائر سياسية فادحة بذرية مبارك الصباح في وقت قصير جدا.

أما بالنسبة 'للمعارضة' النيابية والشبابية، فإن مهمتها لم تنجز بعد، صحيح أن 'المعارضة' حققت انتصارات مبهرة، لكن تلك الانتصارات هي الأسهل.. إن 'إسقاط' ناصر المحمد ومنهجه هو الجزء السهل لأنه اعتمد على أخطاء ناصر، وهو ينطوي تحت مفهوم 'المعارضة السلبية'، أما الجزء الصعب فهو التحول إلى 'المعارضة الإيجابية'، أي معارضة البناء.. ونحن في حاجة ماسة الآن كي نتدارس كيف يمكننا إنجاز هذا التحول. على سبيل المثال، عملت المعارضة على الإفراج عن الشباب المعتقل في قضية دخول مجلس الأمة، ونجحت في ذلك، لكن الأهم هو أن تعمل المعارضة، بالتعاون مع أهل الاختصاص وجمعية المحامين، على تعديل قانون تنظيم القضاء وقانون الإجراءات الجزائية على نحو يحول دون تكرار الأخطاء التي ارتكبتها النيابة العامة في تعاطيها مع قضية الشباب، ويؤدي إلى إصلاح وتطوير عمل النيابة وتعزيز الاستقلالية الذاتية والكفاءة للنائب العام ولأعضاء النيابة العامة وعلى نحو يعزز فك الارتباط الحالي بين الرغبة السياسية والإجراء القانوني، وبالطبع هناك مجالات عدة تحتاج من المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني تقديم إسهامات إيجابية.

أعود إلى الشيخ جابر المبارك وأقول له إن الكويت تنتظر تشكيل الحكومة، وعليك أن تبذل قصارى جهدك في اختيار الوزراء، وأن تتمسك وتدافع عن حقك الدستوري في اختيار الوزراء، وعليك أن تتخلى عن وزير الداخلية والوزراء الذين ناصروا منهج القمع.. وعليك أيضا أن تثبت لنا رفضك لأسلوب الرشوة السياسية وشراء الولاءات، وأن تمتنع عن دعم النشاط التجاري لمن يحالفك سياسيا، وأن تكف يدك ويد أسرتك عن التدخل في الانتخابات.. باختصار، إذا أردت أن تتجنب سماع صيحات 'ارحل ارحل يا جابر'، فعلى الأقل لا تفعل ما فعله سلفك ولا تقبل أن تكون مجرد 'دعامية شيوخ'!

ميزان- مقال يفرض نفسه

تعليقات

اكتب تعليقك