ثمرة 'الربيع العربي'

الاقتصاد الآن

زيادة الأجور للتقليل من خطر التوترات الاجتماعية

965 مشاهدات 0


في أنحاء العالم العربي أدت الانتفاضات التي وقعت هذا العام إلى زيادة الضغوط من أجل رفع الأجور. ويمنح قدر أكبر من الحرية في شمال أفريقيا النقابات العمالية فرصة كبيرة للتحرك في حين رفع توقعات ملايين العمال من أصحاب الأجور المنخفضة الذين عاشوا قرب خط الفقر في ظل الأنظمة السابقة.

وتتزايد الضغوط من أجل رفع الأجور حتى في دول الخليج الغنية التي أفلتت من الاضطرابات والتي تأتي معظم العمالة فيها من جنوب وجنوب شرق آسيا.

ولتقليل خطر التوترات الاجتماعية ترفع الحكومات رواتب مواطنيها العاملين في الخدمات العامة والشركات المملوكة للدولة.

وربما يعود هذا التوجه بالنفع على الشرق الأوسط ويخفض أعداد الفقراء ويحفز الاقتصادات من خلال زيادة القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة. لكن خبراء اقتصاديين يقولون إنه مع تباطؤ الاقتصاد العالمي والخيارات الصعبة التي تواجهها الحكومات فيما يتعلق بالميزانية فان هذا التوجه ينطوي على مخاطرة.

وتقول علياء المبيض كبير الاقتصاديين في باركليز كابيتال والتي تغطي المنطقة: 'من المرجح أن تكون لمطالب زيادة الأجور آثار إيجابية في القطاعات التي تكون فيها هذه المطالب مبررة... لكن الاتجاه لزيادة الأجور بشكل عام دون أن تعكس زيادة في الإنتاجية قد يقوض القدرة على المنافسة'.

وظلت الأجور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منخفضة لعشر سنوات على الأقل نظرا لارتفاع معدل البطالة ونقص العمالة الماهرة وانخفاض الإنتاجية.

وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن القدرة الشرائية للفرد بالدولار -غير المعدلة وفقا للتضخم- ارتفعت 52 بالمئة فقط بين عامي 2000 و2010 وهو ما يقل عن زيادة بلغت 63 بالمئة في الدول الإفريقية جنوبي الصحراء و95 بالمئة في الاقتصادات الناشئة والنامية في العالم. وفي مصر يتراوح متوسط دخل العامل العادي بالمصانع من 5 إلي 7 دولارات في اليوم.

وأطلق الربيع العربي العنان لمطالب زيادة الأجور. ففي مصر يقدر المحللون أن معدل الإضرابات تضاعف منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير.

وفي الأردن يشير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية إلى أن عدد الاحتجاجات العمالية في التسعة شهور الأولى من هذا العام قفز إلى مستوى قياسي بلغ 607 من 140 فقط العام الماضي.

وشهد ميناء طنجة المغربي شهورا من الاحتجاجات العمالية هذا العام بسبب الأجور وظروف العمل وهو ما دفع في مرحلة ما شركات الشحن العالمية إلى نقل خدماتها إلى موانئ في إسبانيا.

ويقول بلال ملكاوي السكرتير الإقليمي للاتحاد الدولي لعمال النقل بالعالم العربي في موقع المنظمة على الإنترنت 'حتى العام الماضي كنا نناضل من أجل أن يكون لنا أي ممثل للعمال في طنجة... لكن الآن نحن ليس لنا فقط تمثيل بل أيضا لنا نقابات قوية'.
وشجع نموذج شمال أفريقيا النشاط العمالي في بضع دول خليجية رغم أن عمال الخليج أكثر ثراء. ففي الكويت عطل إضراب نظمه 3000 من موظفي الجمارك الشهر الماضي صادرات النفط وانتهى بعد أن قالت الحكومة إنها ستعالج مطالب المضربين.

وانتهى إضراب آخر نظمه موظفو الخطوط الجوية الكويتية لمدة يوم واحد باتفاق لرفع الأجور بنسبة 30 بالمئة حسبما أوردت تقارير لوسائل إعلام محلية. ونظم موظفو بنك الكويت المركزي مسيرة للمطالبة بزيادة رواتبهم في حين هدد العاملون بالبورصة بالإضراب لكن التوصل لاتفاق حال دون ذلك.

ومع التهديد بالإضرابات رفعت الحكومات الحد الأدنى للأجور في مصر والمغرب هذا العام وقد تفعلها ثانية مع تولي أحزاب سياسية جديدة السلطة بعد انتخابات هذا العام بدعم من القطاعات الفقيرة في المجتمع.

وقررت الحكومة اللبنانية الشهر الماضي زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 40 بالمئة وهو ما يقرب من ضعفي المعدل التراكمي للتضخم على مدى السنوات الثلاث السابقة. وتراجع الحكومة حاليا القرار بعد أن اعترض عليه مجتمع الأعمال ورفضته هيئة إدارية حكومية.

ولا تقارن مثل هذه التدابير بالسخاء الذي تظهره بعض دول الخليج في أعقاب الربيع العربي.

ففي سبتمبر أعلنت قطر رفع الرواتب الأساسية والمزايا الاجتماعية للموظفين المدنيين بالحكومة بنسبة 60 بالمئة، في حين زادت مرتبات العسكريين بما يصل إلى 120 بالمئة.
ولم يتضح بعد إلى متى ستدوم مطالب زيادة الأجور في أرجاء العالم العربي.

فحينما تنحسر الاضطربات السياسية في نهاية المطاف قد تتراجع حاجة الحكومات إلى شراء التأييد من مواطنيها لكن في شمال أفريقيا على الأقل قد تواصل الأحزاب التي تحظى بتأييد شعبي والتي أوصلها الربيع العربي للسلطة خفض أشكال التفاوت الاجتماعي بينما من المستبعد أن يتراجع تماما النفوذ الجديد الذي اكتسبته نقابات العمال.

وفي الأمد الطويل قد يعود هذا بالنفع على الاقتصادات العربية وينقلها إلى نموذج للنمو 'أكثر شمولا' يقول صندوق النقد الدولي وخبراء آخرون إنه ضروري لخفض مشاعر الاستياء الاجتماعي والحد من البطالة.

وقد يحفز منح المزيد من القدرة الشرائية للأشخاص الأقل ثراء الإنفاق في القطاعات الاستهلاكية ويشجع على إنشاء المزيد من الشركات في هذه القطاعات.

ويقول نشأت المصري الشريك في مجموعة الفرسان وهي شركة للاستثمار المباشر في الشرق الأوسط تدير صندوقا إقليميا حجمه 200 مليون دولار: 'هؤلاء العمال يتجمعون معا بشكل تدريجي. ويطالبون بتحسين أجورهم وظروف عملهم.. هذا كله أموال تعيد ضخها في اقتصادك'.

ويضيف قائلا: 'بعض الشركات لا تحبذ مفهوم زيادة الحد الأدنى للأجور لكن في الوقت نفسه تمنح زيادة الأجور الناس مستوى معيشة يمكنهم من شراء منتجات أخرى'.

لكن الانتقال إلى النموذج الجديد للنمو لن يكون سلسا، فقد يشعل النمو السريع للأجور التضخم الذي جرى كبحه في معظم العالم العربي هذا العام فيما يرجع جزئيا إلى مستويات جيدة للمحاصيل الزراعية في شمال أفريقيا لكن التضخم قد يرتفع إذ دفعت الصعوبات الاقتصادية الحكومات إلى خفض قيمة عملاتها.

وقد يكون التهديد الأكبر من نصيب المالية العامة، فمن المنتظر أن تبلغ التكلفة المبدئية لزيادة قدرها 59 بالمئة للحد الأدنى لأجور موظفي الحكومة في مصر 1.5 مليار دولار وهو مبلغ ليس بمقدور الحكومة أن تتحمله بينما تصارع عجزا في الميزانية يعادل نحو عشرة بالمئة من الناتج الاقتصادي.

وبمقدور دول الخليج الغنية بالنفط أن تواجه الموقف بصورة أفضل لكن حتى بعضها يشعر بوطأة وتتوقع سلطنة عمان أن يرتفع العجز في الميزانية في العام المقبل.

وفي الكويت حذر وزير المالية هذا الشهر من أن زيادة الرواتب تمثل 'خطرا حقيقيا' قد يدفع الموازنة في نهاية المطاف إلى السقوط في العجز.

وقال محللون إن المخاطرة الأكبر حاليا تتمثل في قدرة الاقتصادات على المنافسة، فمن أجل توفير ملايين الوظائف لمواطنيها الشبان تحتاج دول شمال أفريقيا إلي زيادة الصادرات في وقت يتباطأ فيه النمو العالمي. ولتوفير هذه الوظائف تحتاج هذه الدول إلى توفير بيئة مواتية للمصدرين مثل شركة النصر للملابس والمنسوجات وهي مورد لشركات أجنبية كبرى للتجزئة مثل تسكو.

وتقول علياء المبيض إن زيادة الأجور ليس الطريقة الوحيدة ولا المثالية لتحقيق العدالة الاجتماعية في الشرق الأوسط فالدول في حاجة إلى أن توازن بين زيادة الأجور وغيرها من السياسات مثل إصلاح الأنظمة الضريبية لجعلها أكثر عدلا وإعادة هيكلة الانفاق العام لتقليل الإهدار في الدعم وزيادة كفاءة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية وهي إصلاحات مهمة سياسيا واجهت الحكومات صعوبات في تنفيذها.

وتضيف 'ما يقلقني هو إصدار تشريعات لرفع الأجور بسبب سياسات لكسب التأييد الشعبي دون التفكير في تداعيات ذلك على الاقتصاد وذلك سيكون مبعثا لقلق كبير'.

الآن-وكالات

تعليقات

اكتب تعليقك