حكم الربا في الأوراق النقدية ومرتبتها الدينية يشرحها عبدالله محمد العلويط
الاقتصاد الآنديسمبر 1, 2011, 10:29 ص 1276 مشاهدات 0
القول بعدم جريان الربا في الأوراق النقدية يتناقض مع قصد الشارع من تحريم الربا، وفي حال أن العلة لم تنطبق عليها وهي الثمنية ، فكيف نرى آثار الربا تفتك بالناس ونقول العلة لم تتحقق؟
أثار الدكتور حمزة السالم ردود أفعال متباينة ومختلفة بعد قوله بعدم جريان الربا في الأوراق النقدية، وقوله يستحق الإشادة من جهة أنه أثار حراكاً فقهياً في المسألة وإن كان مرجوحاً؛ لكن يبقى في دائرة الاجتهاد المشروع؛ فالمسألة اجتهادية لا يجوز التشنيع على المخالف فيها فهي من الظنيات لا القطعيات، وإذا كان هناك مأخذ عليه فبسبب الضرر والأثر الذي يحدثه قوله لا بسبب اقتحامه حكماً دينياً مقدساً، فهي كحكم شرب الدخان، فالجميع يستبعد أن يكون حلالاً لكن ذلك قد أتى من أضراره الطبية لا من جهة كونه حكماً إلهياً متعالياً، فكذلك القول بعدم جريان الربا فضرره الاقتصادي هو ما يجعل قوله مستبعداً لا بسبب مرتبة الحكم الدينية، فهو يزيد من فقر الفقراء ويزيد من ثراء الأثرياء، فحكمة تحريم الربا بنوعيه الفضل والنسيئة ستظهر وهي أن الأموال الربوية - وهي الأموال التي يحرص الناس على تبادلها لكونها ضروريات لديهم بمعاييرها المختلفة التي تعرف بها (علل التحريم) وكذلك كل ما يقرض - ستنحصر بيد الأغنياء يتداولونها ويربحون من ورائها، وترتفع أسعارها مع تعلق حاجة الناس بها؛ فهذه هي الحكمة من تشريع الحكم، وأي حكم في باب الربا لا يؤدي هذا المقصد فهو دخيل عليه كأي حكم في أي باب فلا بد أن يوصل لمقصده أولاً ثم المقاصد العامة ثانياً؛ فيجب ألا يقتصر النظر على العلة السببية كالكيل والوزن وإنما العلة الغائية أيضاً بل إن السببية لتحقيق الغائية.
إن القول بعدم جريان الربا في الأوراق النقدية يتناقض مع قصد الشارع من تحريم الربا، وفي حال أن العلة لم تنطبق عليها وهي الثمنية ــ إن افترضنا صحة ذلك ــ فهذا يعني البحث عن علة جديدة لا أن نرى آثار الربا تفتك بالناس ونقول العلة لم تتحقق، ولذا اشترط العلماء في العلة المناسبة؛ أي أن الوصف لا بد أن يكون مناسباً يهدف لتحقيق مقصد من مقاصد الشريعة وإلا لم يصلح الوصف للعلية؛ فالعلة تتغير بتغير الزمان والمكان كالحكم الشرعي، وفي مسألتنا نجد أن العلل التي ذكرها العلماء قديماً للأصناف الربوية الستة كالكيل والوزن والطعم والادخار هي نفسها معللة بمقصد الشارع من تحريم الربا وليست معزولة عنها، ودورها التعريف بالأموال القيمة الضرورية دون غيرها، فإذا قلنا إن العلة هي الكيل فلأن الناس لا تكيل شيئاً إلا إذا كان ذا قيمة عالية لديهم، وإذا قلنا بالطعم فلأنه ذو قيمة عالية وهكذا؛ فكيف بالأوراق النقدية حينما يكون لها قيمة معنوية عالية ويتداولونها ثم نقول لم تنطبق عليها علل المناطقة؟ فهذه العلل مساعدة على الفهم لا أكثر ولا تشرع بذاتها، وإذا زالت القيمة الكبرى لها وشغف الناس بها زال الربا، فإذا بدؤوا يعطون البر جزافاً ولا يكيلونه أو يزنونه فهذه أمارة على عدم اهتمامهم به فلا يجري فيه الربا، ولذا فحجة الدكتور على مخالفيه بأن القول بمطلق الثمنية كعلة يعني عدم الربا في النقدين في حال إن زالت قول صحيح ولا يمكنه إلزامهم به شريطة أن تكون علامة على فقدان قيمتهما، فزوال الثمنية له حالان، الأول أن تزول بحكم العادة كما هو الحال في زمننا مع بقاء قيمة الذهب والفضة المالية؛ فهنا لا يضر زوال ثمنيتهما ويجري فيهما الربا، مثل ما أن شعباً يتبادل بعملته الوطنية دون غيرها فهذا لا يعني فقدان قيمة العملات الأخرى، ومثل ما لو أتى زمن يتعامل الناس فيه بدرهم الفضة ويتركون دينار الذهب مؤقتا فهذا لا يعني أن الذهب فقد ثمنيته، والثانية أن يفقدا قيمتهما ويصبحان كأي سلعة وهذا أقرب إلى الخيال، ويندرج ضمن الفقه الافتراضي ولو حصل فإنه لا يجري بهما الربا بل وتزول عنهما كل أحكام الذهب والفضة، كحرمة الأكل والشرب في آنيتهما ولبسهما للرجل ووجوب الزكاة، وهذه القيمة تختلف عن القول بأن العلة هي كونها ذهباً، وأما قوله إن العلة اجتهادية ولا يمكن أن تلغي الربا في النقدين في حال زوالها لأنها اجتهادية وهما ثابتان فبالإمكان أيضاً طرد ذلك في كل علل الأصناف الباقية؛ فهي اجتهادية أيضاً وقد تلغي الربا في أصولها إن زالت، وبالتالي نلغي مبدأ التعليل ونعود لمذهب ابن حزم.
مما سبق يتضح أن العلة هنا أقرب إلى التعليل بالحكمة وهي صحيحة إن كانت منضبطة، أو بإمكاننا أن نقول إن العلة هي التداول الشعبي في الضروريات ولذا لا يجري الربا في الفلوس القديمة التي قاس عليها الدكتور حمزة؛ لأن الفلوس وإن كانت أثماناً إلا أنها ليست متداولة بشغف ينم عن قيمتها، والأوراق النقدية يجري بها الربا لشغف الناس بها، بل ولا نحتاج لعلة لتعرفنا بذلك.
تعليقات