التضخم مجرد ظاهرة صحية وان دافع الربحية هو أهم محرك للأفراد يشرحهما عبدالله الخاطر

الاقتصاد الآن

1194 مشاهدات 0


التضخم ظاهرة ودالة على اختناقات يمر بها الاقتصاد، وعلى عدم قدرة الاقتصاد على تلبية متطلبات السوق ومشاريع التنمية وتوفير متطلبات المستهلكين، ومحاولة الحد من التضخم بتثبيت الأسعار أو محاولات التحكم فيه من خلال الأجهزة الحكومية، ليست بذات جدوى على الأمد المتوسط والطويل، بل النتائج لمثل هذه القرارات إذا أخذت فترات طويلة لها أثر سلبي على الاقتصاد وأدائه وبحجم الاستثمار ويشوه الاقتصاد ويعطل أهم آلية فيه، وهي مؤشر الأسعار، واستقرار الأسعار هو محور عمل المصرف المركزي، وعادة الحل التقليدي هو معالجة التضخم من خلال تضييق السياسات النقدية لأن البعض يعزو التضخم لزيادة في السيولة والكتلة النقدية، ولكن في الظروف الحالية هذا احتمال إما ضئيل أو غير وارد فالمصرف المركزي أقدم على تخفيض أسعار الخصم في أقل من شهرين، إذا لا بد من البحث عن الأسباب الحقيقية وفي العادة ترجع لاختناقات لعدم قدرة الاقتصاد على توفير السلع والخدمات وتلبية الطلب، مما يؤدي لاختلال معادلة العرض والطلب في صالح الطلب، ولذلك فإن الحلول هي في معالجة القصور والنقص في قدرة القطاعات الاقتصادية المختلفة على توفير السلع والخدمات للجمهور، والعمل على ابتكار الحلول وتقديم المبادرات من قبل القطاعين العام والخاص، ومساهمة المؤسسات والشركات والأجهزة الحكومية كل في مجاله من أجل حماية المستهلك، ورفع وتيرة المنافسة، بفتح الأسواق ومحاربة الاحتكارات وإنشاء الشركات والمؤسسات القادرة على تلبية الطلب على السلع والخدمات، وخفض التكلفة من خلال إنشاء بنية تحتية ترفع من كفاءة الاقتصاد وتمكنه من العمل بكفاءة أعلى، هو الأسلوب الأنجع لمعالجة ظاهرة التضخم، ويجب الولوج للبنى التحتية ورفد إمكانياتها، فوزارة الأعمال والتجارة قادرة على دراسة أسباب التضخم ورؤية إمكانية ابتكار حلول تعود على الاقتصاد والمستهلك بالفائدة، مثل إقامة شركات تعالج أوجه النقص والقصور وتحسين الأداء لدى مختلف الوحدات الإنتاجية لتمكنها من تقديم الخدمات، والعمل على الرفع من وتيرة المنافسة وتحسين جودة المنتج وتمكين السوق من توفير السلع والخدمات.
 السعر هو الموجه الأمثل للاستثمار في الاقتصاد، حيث إنه يجذب المستثمرين ورؤوس الأموال وبذلك يزيد من المعروض ويلبي الطلب ويمكن القطاعات من النمو والاستجابة لمطالب المستهلكين ومن خلال ذلك يعالج الاختناقات، أما في حال استهدف السعر من أجل تثبيته فإن النتائج قد لا تكون هي المرجوة، حيث إن تثبيت السعر سينفر المستثمرين ويدفع بالاستثمارات بعيدا عن القطاعات التي ستواجه جهودا من قبل الجهات الرسمية لتثبيت الأسعار فيها، مما سيؤدي إلى تردي أحوال القطاع وصرف أنظار رجال الأعمال والمال ويجفف مصادر الاستثمار وقد يكون ذلك أسوأ ما يمكن عمله في ظروف ارتفاع الأسعار في أحد قطاعات الاقتصاد، ما هو مطلوب هو توجه الاستثمارات وجذب رجال الأعمال للاستثمار فيه من أجل زيادة المعروض لخفض السعر وتحسين الخدمات ورفده من قبل المبادرين وأصحاب المشاريع.
 ارتفاع معدل التضخم دليل على صحة الاقتصاد ونموه السريع، وعدم قدرة الاقتصاد على توفير متطلبات التنمية شيء طبيعي لا يدعو للهلع أو الذعر بل التروي ودراسة إمكانية الاستفادة القصوى من هذه الفرصة الثمينة، والعمل على التعامل مع الزيادة في الطلب بشكل إيجابي يمكن من تشييد المؤسسات والشركات وتطوير عمل الاقتصاد ودعم بناه الأساسية وزيادة قدراته الإنتاجية مما سيرفع من حجم الاقتصاد وقيمة الإنتاج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني، وإذا تمكنا من خلال هذه العملية أن ننقل المعرفة والتقنيات والكفاءات فقد نكون أوفينا بمتطلب آخر وهو إقامة الاقتصاد المعرفي، إذا يجب أن نرى أن هذه فرصه وليست مشكله ويجب ترويضها من أجل مشروع التنمية بدل الهلع والذعر والبرامج الارتجالية الساعية لحلول مؤقتة ترتد في قادم الأيام إلى مشاكل مزمنة.
 فكفاءة رأس المال هي أهم مؤشر إلى حسن توظيف الثروة الوطنية، والموجه الحقيقي لذلك هو ديناميكية الأسعار ففي حركة الأسعار جذب للمستثمرين والطامحين وأصحاب المبادرات، أو نفور من قطاعات تتراجع أو تثبت فيها الأسعار ويقل المردود، فينصرف رجال الأعمال لعدم توفر المردود المجزي، فيتراجع العرض وتزداد الأسعار فالسعر في النهاية هو نتيجة للعرض والطلب فمتى توفرت السلع والخدمات تراجع السعر ومتى زاد الطلب وقل المعروض ارتفع السعر، فالسعر والتضخم هما الوجه الظاهر لآليات الاقتصاد وكمؤشرين لا يتم استهدافها ولكن تتم متابعتهما لرؤية مدى فاعلية الحلول المطبقة ومدى تجاوبها مع الأوضاع الاقتصادية ومتى تم استهدافهما تم طمس بوصلة السياسات وبرامج تصحيح مسار الاقتصاد، لعدم القدرة على تقييم الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة وأجهزتها وعدم القدرة على تحديد فعالية القطاع الخاص وجهوده في دعم الاقتصاد.
 إن دافع الربحية هو أهم محرك للفرد لكي يضع طاقاته وإمكانياته تحت تصرف الأقدار ويأخذ أهم خطوه في حياته لكي يجرب القطاع الخاص ويدخل معترك الأعمال، وفي هذا مخاطرة بالمال والجهد والسمعة وكل ما يملك من أجل أن يحقق حلم حياته في أن يقيم شركة ويصبح رجل أعمال وتدر عليه الرغد وعائلته، ولذلك فإن السعر والربحية هما الدعامة الأولى لنمو الاقتصاد وتوفير مطالب المستهلك، لأن اقتصادات العالم تعتمد اعتمادا كليا على المبادرات والشركات الصغيرة من أجل توفير مطالب المستهلكين لأن أصحاب المبادرات هم من يستطيع أن يرقب التحولات في الأذواق عند المستهلك وهم من يستطيع تلبية تلك الحاجات وبكفاءة وبسرعة، والسعر هو أهم عامل للمنافسة بين الشركات ويميز شركة عن أخرى، ومتى تم تحديد السعر أعطى الشركات منعدمة الكفاءة إمكانية الاستمرار، ويعاقب الشركات التي تعمل لخفض الأسعار، فالمنافسة هي خير سبيل لمواجهة التضخم، ورفع وتيرة المنافسة من خلال تحرير التجارة وإقامة الشركات ودعم كل ما من شأنه أن يرفع من حدة المنافسة، وقد تكون الكثير من هذه المبادرات هي شركات المستقبل ووقود التنمية مما سيساعد على خفض الأسعار وتحسين المنتجات والخدمات، والمبادرات هي عملية التجديد والتحديث للبنى المؤسساتية وشركات القطاع الخاص، ولذلك فإن استهداف الأسعار من أجل التحكم في معدلات التضخم أمر محفوف بالمخاطر وينافي أبسط أسس العمل الحر والتجارة الحرة التي عرفها العرب من أيام سوق عكاظ ومجنه وذي المجاز ومن هناك تعلم العالم أصول الرأسمالية فكيف اليوم نسعى لتثبيت الأسعار تحت مسمى المسؤولية الاجتماعية، السعر والربح والتضخم ثلاثة عناصر ديناميكية لا تنفك عن بعضها البعض وكل عنصر يؤثر في العنصرين الآخرين، وتثبيت الأسعار سلاح شامل لا يأخذ خصوصيات كل قطاع أو منتج على حدة، ولذلك قد يشمل المحسن والمسيء، والأسعار في حركة دائمة ولذلك ما هو منطقي سعريا في زمن قد لا يكون معقولا في وقت آخر، وأهم محرك لكل هذه العناصر مجتمعة هو عمليات العرض والطلب، والمساهمون في عمليات العرض الطلب هم الشركات والمؤسسات على جانب العرض والمستهلك على جانب الطلب، ولذلك فإن الحل في حقيقة الأمر يقع في قدرة هذه الشركات والمؤسسات على توفير مطالب المستهلكين بقدر ما يسمح باستقرار الأسعار عند معدلات تضخم من اثنين إلى ثلاثة في المائة بحيث تسمح باستمرارية حافز الربحية لدخول أصحاب المبادرات الجدد للسوق ورفد السوق بمؤسسات جديدة تتماشى وتطورات السوق والتحولات في حاجات المستهلك وتغني روح المنافسة بين الشركات والمؤسسات في النهاية محاولة معالجة الظاهرة بدل معالجة الأسباب الباطنية غير مجد، ووضع منظومة قانونية تؤسس لثقافة تجذر الشفافية وتمكن المنافسة وتحارب الفساد والاحتكار والتواطؤ والغش وتدرس أسباب ارتفاع الأسعار وتقيم الشركات والمؤسسات والبرامج الهادفة لمعالجة الاختناقات والقصور في الاقتصاد وإن كانت شاقة وتأخذ الكثير من الوقت إلى أنها تضع حلولا ناجعة بدل الحلول المؤقتة والارتجالية والتي تعتمد على العواطف والانفعالات، في النهاية يجب ألا ننسى أن أهم حل بيد المستهلك فهو قادر على رفض الشراء من الشركات والمؤسسات التي يعتقد أنها لا تلتزم في أسعارها مع المستهلك، وهذا أكبر رادع لأي شركه أو جهة تحاول فرض رؤيتها الخاصة على المستهلك والسوق.

صحيفة الشرق القطرية

تعليقات

اكتب تعليقك