هل دبي هي المستقبل؟
الاقتصاد الآنكيف يمكن لدبي وهي قليلة النفط أن تضحي مثالا للاقتصاد المنوع المتحرر من التبعية النفطية ينقلها أميل أمين
نوفمبر 1, 2011, 10:12 ص 598 مشاهدات 0
الكاتب إميل أمين
طوال عقدين من الزمن أو يزيد قليلا، جسدت إمارة دبي في واقع الأمر نموذجا مبتكرا، وحالة فريدة من حالات الإبداع الفكري والتنموي، الذي يعتمد في طموحاته على ترقية البشر، ومن ثم تنمية الحجر إن جاز التعبير، ولهذا فقد أضحت دبي موقعا وموضعا، تجسيدا إيجابيا لفكرة العولمة.
والشاهد أن المنحة الربانية لدبي، والمتمثلة في موقعها الجغرافي، كانت بمثابة محور أو منصة عالمية، مكنتها بسرعة من أداء دور جوهري في التقاء العالم عندها.
غير أن هذا كله لم يكن ليمضي قدما من دون الرجال القادة الذين استشرفوا عن بعد، كيف يمكن لإمارة قليلة النفط أن تضحي مثالا للاقتصاد المنوع المتحرر من التبعية النفطية، وذلك بالاستناد إلى قطاعات مغايرة، مثل النقل البحري والجوي، وفن السياحة والتسوق، والخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات، والقطاع السكني الفاخر، وربما كان كل ما تقدم معروفا ومقرا به من القاصي والداني.
على أن رؤية جديدة مغايرة طرحها مؤخرا الكاتب والمؤرخ الأمريكي 'زاكري كارابل'، تجعلنا نتوقف مع دبي من خلال رؤية مغايرة جديدة، لا تنتقص من نجاحات دبي المالية المتقدمة، لكنها تضيف إليها بعدا فكريا وروحيا ناجحا آخر، يجعل من دبي فعلا وقولا نموذجا مستقبليا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين البشر، من كل الملل والنحل والأديان، وبعيدا عن نظريات هنتنغتون للصراع القائم على أسس دينية وثقافية أو حضارية.
في كتابه الجديد 'أهل الكتاب.. التاريخ المنسي لعلاقة الإسلام بالغرب'، يتناول الكاتب والمؤرخ الأمريكي 'زاكري كارابل' الكثير من الأحداث والذكريات الإيجابية، والتي عفا عليها الزمان أو طواها النسيان، من عادات وأعراف كانت تسم العلاقة بين الإسلام والغرب، وذلك من خلال أسلوب تحليلي سردي رائع. وضمن ما يطرحه من علامات استفهام؛ هل باتت دبي هي نموذج المستقبل؟
يحدثنا المؤرخ الأمريكي، كيف أن دبي ارتفعت فوق الصغائر وفي مواجهة الازدواجية الغربية عامة والأمريكية خاصة، عندما يلفت النظر إلى ما تعرضت له منذ بضعة أعوام، من ظلم واضح وفاضح خلال أحداث صفقة موانئ دبي، والتي لم يقتصر الانتقاد من جرائها على الخصوم الديمقراطيين لإدارة بوش الجمهورية، بل كان في الواقع لحظة من السخط المشترك، رافقته خطب حماسية انفجرت في أنحاء البلاد ضد الصفقة المعروضة.
في نهاية الأمر ألغيت صفقة موانئ دبي، لكن الحضاري في المشهد أن القضية لم تنح نحو الصراع العقائدي أو العرقي، بل استطاع حاكم دبي ورجاله بمهارة فائقة، تجاوز الازمة واحتواءها، والتعويض عبر استثمارات هائلة في قطاعات أخرى على الأراضي الأمريكية.
لم يتحول الصخب الذي حدث بعد صفقة موانئ دبي في الولايات المتحدة، إلى معركة دوغمائية تستنفر فيها المذهبيات، ولم تصبح دبي موقعا أو موضعا لرقصات الموت كما في العديد من دول الشرق الأوسط.
كانت التوقعات المنطقية تقول بأن إلغاء الصفقة سوف يهدد العلاقات بين الولايات المتحدة والأنظمة المساندة للغرب في الشرق الأوسط، لكن هذا لم يحدث، وسرعان ما عادت الأعمال خلال بضعة أسابيع كما كانت من قبل.
هل من نتيجة منطقية لهذه التصرفات العقلانية؟
لم يعد سكان دبي كما كان الحال عشية الاستقلال، بضعة آلاف، لكن بدلا عن ذلك صارت دبي اليوم مأوى لأكثر من مليون شخص، ومن أكبر المناطق العمرانية في العالم.
لم تعد دبي مكانا مهملا، بل أصبحت منطقة خلابة، أصبحت تتصدر أعدادا ضخمة من مجلات السفر والمخططات الإعلامية، لرصد حياة الأغنياء والمشهورين، وفي دبي بطولات رياضية ونواد تجذب الممولين العالميين والمشاهير، كما فيها منتجعات ومجمعات سكنية تنبثق من وسط الكثبان الرملية، بالإضافة إلى سوق مالية عامرة تثير اهتمام المستثمرين العالميين.
لماذا باتت دبي هي النموذج الإنساني الخلاق المترفع عن نغمة صدام الحضارات؟
ببساطة ويسر شديدين، لأنها لم تعط آذانها لألحان الصدام والافتراق، لكنها أعلت من شأن الوئام والاتفاق. ورغم أن دبي لم تعط حقها كلحن مغاير لقرع طبول الحرب بين الحضارات، إلا أنها تبقى دليلا دامغا على قدرة أتباع الأديان السماوية، بل والنواميس والشرائع الوضعية، على إيجاد مصالح مشتركة فيما بينهم، والتعايش السلمي الخلاق لخير الإنسانية جمعاء.
إن حكام دبي كما يؤكد 'كاربل'، نجحوا في تحويل طموحاتهم إلى حقيقة، لأنهم لم يتأثروا بتاريخ الصراع. لقد تخلصوا من أعباء الماضي، واستبدلوها بميزات الفرص التي يبدعها ولطالما أبدعها التعاون والتعايش. إنهم لا يحاولون استرجاع عصر ذهبي، ولا ينساقون وراء الشكوى، بل ببساطة يعملون مع العالم من حولهم، يبحثون عن الأفضل لمواطنيهم.
يبقى القول قبل الانصراف، انه إذا كان النزاع أفضل للحس الدرامي ويثير عاطفة أكبر، إلا أن الحقيقة التي تبقى أبدا، هي أن السلام يصاغ في ماضينا الجماعي، بحيث يرى في حاضرنا الفوضوي، وسوف يكون موجودا في مستقبلنا المشترك.. في نموذج دبي.

تعليقات