إن ثورة البرجوازية التي أطاحت بالإقطاعيين حلفاء الكنيسة في أزمنة سلفت، قد تكون الأداة نفسها التي تسقط ''إقطاعية القرن الحادي والعشرين'' حلفاء الساسة برأي عبد المحسن بن إبراهيم البدر

الاقتصاد الآن

601 مشاهدات 0


بغض النظر عما يحدث من مظاهرات ''غضب اقتصادي'' حول العالم هذا الأسبوع، خصوصا في العواصم والمدن الأقوى اقتصاديا، وخصوصا في ''وول ستريت''، حيث مركز الرأسمالية العالمية وشرارة انطلاق الأزمة المالية العالمية الحالية، تلك المظاهرات والاحتجاجات تأتي نتيجة طبيعية - من وجهة نظري - لما جرى ويجري في العالم ماليا واقتصاديا خلال السنوات القليلة الماضية، فالطبقات الوسطي اضمحلت بشكل كبير وأصبح الاقتصاد بين الرأسماليين الجشعين وبين الفقراء العاملين، الذين إن رضوا بـ ''الهم'' سنوات طويلة أراها بدأت في ستينيات القرن الماضي، وأصبحت أكثر وضوحاً في الثمانينيات الميلادية إلا أن ''الهم'' لم يرض بهؤلاء الفقراء بداية من عام 2008، عام النكسة الاقتصادية التي سببها الأساسي الفساد المالي والإداري العالمي، ودفع ثمنها الطبقات العاملة، التي فقدت المسكن والمال والأمان من ويلات أزمة الائتمان.
ما يحدث أخيرا، هو امتداد لما حدث من احتجاجات ضد منظمة التجارة العالمية ''دعه يعمل دعه يمر''، التي قاد ركابها الرأسماليون الغربيون باسم دولهم، واستطاعوا تكوين تجارة دولية تفيد إمبراطورياتهم المالية، كيف لا وأموالهم تنصب الرؤساء، وإعلامهم يخفيهم من الوجود في لحظات، فقوة المال وسلطة الإعلام أعلى من أصوات الناخبين الضعفاء، لكن الفرق بين تلك التظاهرات واليوم هو حجم الضرر وتوقيته، فمظاهرات منظمة التجارة كانت على أسس تحليلية ويحركها اطلاع البعض على أبعاد التجارة العالمية، بينما اليوم المحرك هو الضرر المباشر لعامة الناس. عموما هذا الامتداد هو الامتداد الطبيعي لخروج الرأسمالية عن رسمها الأساسي الذي يدعم نجاح الفرد ويدعم التميز والابتكار والمنافسة ويقوم على أساس السوق الحرة والعرض والطلب، فأصبحت النسخة الجديدة منها بعد السقوط شبه النهائي للاشتراكية أواخر القرن الماضي، هي إعادة رسم مطور للإقطاعية ''الاقتصادية'' القديمة إبان العصور الوسطى، كما يماثل المحافظون الجدد في السياسة فإن وصف الإقطاعيين الجدد هو الوصف الصحيح للرأسماليين الجدد في القرن الواحد والعشرين.
المتابع للشأن الاقتصادي العالمي يلاحظ أن العالم يتحرك بقوة المال وسطوة الإعلام، ونرى أن الكوارث المالية العالمية التي أوصلت العالم إلى قمة أزمته حاليا، هي ببساطة نتاج ممارسات غير أخلاقية في القطاعات المالية والاقتصادية المختلفة، يدعمها - مع الأسف - التشكيلة المنقوصة للمؤسسات الدولية نتاج ''بريتون وودز''، لكنها كانت، أي التركيبة العالمية مقبولة منذ الستينيات من القرن الماضي، واستطاعت العيش لأكثر من 50 عاماً من دون خطر حقيقي يتهددها على الرغم من الأخطاء الكبيرة والواضحة في التعاطي مع الأحداث العالمية، بسبب السيطرة الجزئية لقوى الحرب العالمية الثانية. لكن العالم بدأ بالتغير الحقيقي لأسباب كثيرة منها الترابط التقني والإنتاجي، وكذلك ظهور أقطاب اقتصادية جديدة، وأصبح الخلل في نيويورك تجد من يدفع ثمنه في أثينا وخلال ساعات فقط، لكن الاتفاق الوحيد في هذه الحالة، أن من يدفع الثمن هم الطبقة الكادحة العاملة.
وما زلت عند وجهة نظري التي ذكرتها كثيراً، لن تنفع المهدئات في استئصال مرض الأزمة الاقتصادية، وإن لم تكن هناك حلول جذرية حقيقية، فإن ثورة البرجوازية التي أطاحت بالإقطاعيين حلفاء الكنيسة في أزمنة سلفت، قد تكون الأداة نفسها التي تسقط ''إقطاعية القرن الحادي والعشرين'' حلفاء الساسة، وأبناء السياسة الواحدة مع اختلاف الظروف وثبات المتضررين.
قد يكون التاريخ يمر بنا، وسيذكره لاحقا غيرنا، كما نحن الآن نذكر تاريخ من سبقنا

الآن-صحيفة الاقتصادية السعودية

تعليقات

اكتب تعليقك