أحمد سيلانيو المصلحة الوطنية لاغلب قوى العالم تستلزم قيام دولة 'الصومال'

الاقتصاد الآن

502 مشاهدات 0

أحمد سيلانيو

 
الجفاف، والمجاعة، واللاجئون، والقرصنة، وأعمال العنف والإرهاب التي استوطنت مدينة مقديشو الخربة التي دمرتها الحرب الأهلية: هذه هي الصور التي تتبادر إلى أذهان الناس في أيامنا هذه عندما يفكرون في القرن الإفريقي. ولكن مثل هذه التصورات، ليست متحيزة ومُغرِضة إلى حد مأساوي فحسب؛ بل إنها أيضاً خطيرة وتتسم بقِصَر النظر.
فوراء الصور المُغرِضة لمنطقة يحفها اليأس والفوضى، هناك اقتصاد ينمو، وإصلاح يُنتَهَج على نحو متزايد، وحكم يتحسن. ومع انهيار حكومة اليمن على الضفة المقابلة من البحر الأحمر، تحولت أهمية القرن الإفريقي الاستراتيجية لصناعة نقل النفط البحري إلى الشغل الأمني الشاغل على مستوى العالم. باختصار، نستطيع أن نقول إن القرن الإفريقي مكان أكثر أهمية من أن يكون موضع تجاهل أو محل سوء فهم.
بطبيعة الحال، لا ينبغي لأحد أن ينكر أهمية مكافحة المجاعة والقرصنة والجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب المتطرفة القاتلة. ولكن في الوقت نفسه رأينا وطني، أرض الصومال، وهو يشهد الانتخابات الرئاسية الحرة النزيهة الثالثة على التوالي. وبرزت اثيوبيا باعتبارها صاحبة واحد من أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.9 في المئة أثناء العام المالي 2010-2011، لتنافس الصين وتحمل لواء الريادة في إفريقيا. بل إن اثيوبيا واحدة من الدول القليلة على مستوى العالم التي اقتربت من تحقيق أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية في الوقت المناسب وبالكامل بحلول عام 2015.
وفي المنطقة الأوسع أيضا، تبدو الأمور في تحسن. فقد اكتسبت دولة جنوب السودان استقلالها في شهر يوليو بواسطة صناديق الاقتراع، كما اكتشفت أوغندا احتياطيات جديدة ضخمة من النفط والغاز وسوف تساعدها هذه الاحتياطيات على رفع اقتصادها.
وتعكس كل هذه التغيرات حقيقة مفادها أن شعوب القرن الإفريقي لم تعد راغبة في لعب دور الضحية السلبية للمصير والبيئة القاسية، بل إن الأمر على العكس من ذلك تماما، فهذه الشعوب عازمة على تشكيل مصائرها من خلال التحديث والاستثمار وتحسين الحكم.
وبعد عقود من العداوات الراسخة، تعلمت شعوب وأمم القرن الإفريقي كيف تتعاون وتوحد جهودها لتحقيق مصالحه المشتركة. على سبيل المثال، تتعاون أرض الصومال مع اثيوبيا لتمديد خط أنابيب لتصدير الغاز من منطقة أوجادين في اثيوبيا، الأمر الذي يَعِد بخلق فرص عمل جديدة وزيادة دخول الناس في واحدة من أشد مناطق العالم فقراً وأقلها نموا.
ورغم أننا نستطيع أن نفعل الكثير لمساعدة أنفسنا، فإن القرن الإفريقي من الممكن أن يستفيد من المساعدات الدولية. ولكن يتعين على المجتمع الدولي أن يضطلع بما هو أكثر من مجرد تقديم الطعام والدواء لضحايا المجاعة والجفاف. فرغم أهمية هذه المساعدات فإننا نحتاج إلى استثمارات داعمة للنمو وقادرة على المساعدة في توفير فرص العمل لشعوبنا وتقديم منتجاتنا ومواردنا للعالم. وهذا يعني التركيز على تشجيع اقتصاد السوق والحكم المستقر، وليس دعم الفشل والدول الفاشلة.
ولكن من المؤسف أن هذه ليست الحال، على الأقل في ما يتصل بأرض الصومال. فعلى مدى عشرين عاما، منذ أعدنا ترسيخ استقلالنا -فقد انضممنا طوعاً إلى أرض الصومال الإيطالية لتشكيل الصومال في عام 1960- دأب المجتمع الدولي على التغافل عن الديمقراطية الناجحة التي أقمناها. بل والأمر الأكثر شذوذاً أن يطالبنا المجتمع الدولي للخضوع لسيطرة الحكومة -إن كان هناك أي حكومة- التي تحكم (أو تسيء حكم) ما تبقى من الصومال من تحت أنقاض مقديشو.
إن تجاهل تجربتنا الديمقراطية الناجحة يرجع جزئياً إلى حكم عتيق صادر قبل نصف قرن عن منظمة الوحدة الإفريقية، سلف الاتحاد الإفريقي اليوم. فآنذاك، وفي ظل زوال الإمبراطوريات الاستعمارية الذي أذكى المخاوف من الخصومات القَبَلية والحروب الأهلية العديدة، قضت منظمة الوحدة الإفريقية بضرورة احترام الحدود التي رسمتها القوى الاستعمارية إلى الأبد.
ولا يزال ذلك المحظور يحظى بالدعم الروتيني من جانب العديد من الزعماء الأفارقة. ورغم ذلك فإن انفصال إريتريا عن إثيوبيا لم يؤد إلى نشوء حركات انفصالية جديدة في إفريقيا. وعلى نحو مماثل، لم يؤد انفصال جنوب السودان سلمياً وبدعم دولي عن السودان الى دعوات جديدة لإعادة ترسيم الحدود في إفريقيا.
إن التقرير الصادر في عام 2005 عن باتريك مازيماكا، نائب رئيس الاتحاد الإفريقي الأسبق، يلقي بظلال ثقيلة من الشك على تطبيق هذه القاعدة على أرض الصومال. فكما أشار مازيماكا، لم يتم التصديق رسمياً قط على الاتحاد الذي تم في عام 1960 بين أرض الصومال والصومال في أعقاب انسحاب القوى الاستعمارية البريطانية والإيطالية. ولكن تقريره تُرِك في أحد الأدراج منذ ذلك الوقت.
متى إذن يستطيع أي شعب أن يعلن استقلاله ويكتسب الاعتراف الدولي؟ كان القرار الذي اتخذه الفلسطينيون برفع قضيتهم إلى الأمم المتحدة سبباً في الدفع بهذه القضية إلى الصدارة. فالقانون الدولي غير ذي جدوى هنا؛ بل إن محكمة العدل الدولية لم تقدم في هذا السياق سوى قدر ضئيل من التوجيه.
إن المبادئ الأساسية التي ينبغي لها أن تسود في اعتقادي، والتي نجحت أرض الصومال في تلبيتها، هي كالتالي:
• يجب ألا يكون الانفصال ناتجاً عن تدخل أجنبي، ولابد أن تكون الحواجز التي تعوق الاعتراف بالانفصال مرتفعة.
• يجب ألا يتم الاعتراف بالاستقلال إلا إذا اختارته أغلبية واضحة (أكثر من 51 في المئة من الأصوات) بكل حرية، وفي استفتاء غير متحيز.
• لا بد من ضمان المعاملة اللائقة لكل الأقليات.
والواقع أن كل الأحزاب الثلاثة في أرض الصومال تدعم الاستقلال بشدة، وهو ما تأكد بأغلبية كاسحة في استفتاء عام 2001. ليس هناك إذن أي تساؤل بشأن

محاولة عشيرة أو فصيل ما فرض الاستقلال على الآخرين. ورغم أن أرض الصومال تعمل على تعميق نظامها الديمقراطي بمرور كل يوم، فإن شعبنا يتكبد ثمناً باهظاً نتيجة لعدم الاعتراف الدولي.
ومن المؤسف أن تصب أموال التنمية القادمة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي في الثقب الأسود المسمى الصومال، لأنها ببساطة الحكومة المعترف بها. إن أهل أرض الصومال، الذين يكاد عددهم يعادل عدد سكان الصومال، لا يحصلون إلى على جزء ضئيل من الأموال التي تهدرها الصومال على نحو ثابت.
إن العدالة تقضي بتغيير هذا الوضع. والمصلحة الوطنية لأغلب قوى العالم تستلزم قيام دولة أرض الصومال الراغبة والقادرة على توفير الأمن على طول حدودها وفي أعالي البحر قُبالة سواحلها. إن شعبنا راغب في الاستقلال، ولكن على حد تعبير ونستون تشرشل: “أعطونا الأدوات، والاعتراف الدولي، حتى يتسنى لنا أن ننجز

المهمة”.

الآن - الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك