الاقتصادي الامريكي إيان فليتشر يعتقد بفشل سياسة التجارة الحرة عالميا ويدعو حكومته لعودة تعريفات جمركية إلزامية
الاقتصاد الآنأكتوبر 18, 2011, 1:34 ص 426 مشاهدات 0
لقد حان الأوان لنواجه حقيقة مرة بخصوص الاقتصاد الأميركي: ذلك أنه حتى في حال لم يعجل ارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية بمفاقمة وتكريس أزمتنا الاقتصادية، فإن رخاءنا المستمر منذ قرابة 200 عام قد انتهى لأن اَلة الوظائف الأميركية العظيمة دُمرت بسبب سياسة طائشة ومتهورة للتجارة الحرة. فمنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وبشكل أسرع بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين بلدان أميركا الشمالية المعروفة اختصاراً ب’’نافتا’’، اتبعت واشنطن اقتصاداً معولماً أتاحته اتفاقاتُ التجارة ’’الحرة’’ التي أخذت تزداد أكثر من أي وقت مضى. والحال أن هذه السياسة تمثل عاملًا رئيسياً في مظاهر اللامساواة المتزايدة في أميركا، وازدياد مديونيتنا، والتخلي عن المجتمع، وضعف القوة الصناعية لأمننا القومي.
الخبر السار هو أن هذا النظام العالمي للتجارة الحرة بات على وشك الانهيار في غضون العشر سنوات المقبلة على أكثر تقدير - والواقع أن العجز التجاري الأميركي وحده يجعل من هذا الأمر نتيجة شبه مؤكدة. غير أنه في الوقت الراهن مازال الاقتصاد الأميركي يكافح لأن عجزنا التجاري الذي يوجد في حدود 500 مليار دولار سنوياً منذ عقد من الزمن بات بمثابة ’’مخطط حفز عملاق عكسي’’، يتسبب في ذهاب جزء ضخم من الطلب الداخلي ليس إلى الوظائف الداخلية، وإنما إلى الأجور الأجنبية. فعجزنا التجاري يساعد جوانجدو ، وسيول، ويوكوهاما، بل وحتى ميونخ- ولكن ليس ’’جاري’’ في إينديانا، و’’فونتانا’’ في كاليفورنيا، وغيرهما من التدهور الصناعي لأميركا. كيف ردت واشنطن على ذلك؟ بمزيد من الحفز الذي يؤدي إلى زيادة عبء الدين، سواء الخارجي أو الداخلي، الذي تترك كلفةُ تسديده تأثيرها الخاص على الجهود الرامية إلى استعادة الاقتصاد لعافيته. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من ال216 ألف وظيفة التي أضيفت الشهر الماضي، إلا أن الاقتصاد الأميركي خسر كلياً في الحقيقة القدرةَ على خلق الوظائف في القطاعات الاستثمارية. وهذه الحقيقة المفرحة أتت مباشرة من وزارة التجارة; فكل وظائفنا الجديدة الخالصة هي في قطاعات غير استثمارية: عدد من الأطباء جراحي القلب، وجيش من الندل وحراس الأمن الذين يفتقر معظمهم إلى تأمين صحي أو مزايا التقاعد. ثم إن هذه الوظائف اَفاقها مسدودة في الغالب، بل إن اقتصادنا برمته يُدفع حالياً على نحو مماثل نحو قطاعات مسدودة الاَفاق. ماذا عن وظائف المستقبل الخضراء؟ لقد رحلت إلى بلدان مثل الصين، حيث تقدم الحكومات دعماً أكبر مما تستطيع ماساتشوسيتس تقديمه. وماذا عن تكنولوجيا النانو؟ ربما تكون هذه التكنولوجيا الأولى منذ قرن من الزمن التي ليس لأميركا قصب السبق فيها. ومما لا شك فيه أن المعونات الخارجية غير قانونية بموجب قوانين منظمة التجارة العالمية، ولكن لا يهم، إذ من سيقوم بفرض هذه القوانين عندما تكون أميركا الشركات نفسها مستفيدة من ذلك؟ والواقع أن جزءاً من المشكلة يكمن في حقيقة أن نظام التجارة الحرة اليوم بات عبارة عن خليط غريب من التجارة الحرة التي تمارسها الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأخرى بالفعل مع المذهب التجاري التكنوقراطي لمنطقة شرق اَسيا الصاعدة وأوروبا الألمانية- الاسكندنافية. ولكن الأمر لم يكن دائماً كذلك. فمن 1790 إلى 1945، نمت أميركا وحققت رخاء وازدهاراً في بيئة اقتصادية محمية إلى حد كبير. حينئذ، لم تكن تجارتنا ’’حرة’’، غير أنه بعد الحرب العالمية الثانية ابتعدنا عن رؤية ألكسندر هاملتون أول وزير خزينة في تاريخ الولايات المتحدة لاقتصاد أميركي مستقل ومكتف ذاتياً ولو نسبياً من أجل الانتصار في الحرب الباردة; فعمدنا إلى فتح أسواقنا أمام بلدان العالم كنوع من الرشوة حتى لا تتحول تلك البلدان إلى الشيوعية. والحال أننا إذا فشلنا في العودة إلى سياسة انفتاح اقتصادي استراتيجي، ليس بدون شروط، فإننا قد نخسر في الحرب الباردة المقبلة-أمام سلطوية كنفوشية ليس أقل معارضة لفكرة مجتمع حر من الماركسية، وأكثر نجاحاً في واقع الأمر. ولا شك أن ثمة سياسات مناسبة يمكن أن نرد بها على ذلك، وفي مقدمتها ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بتطبيق تعريفات إلزامية ضد الواردات المدعومة والمستفيدة من التلاعبات بقيمة العملة، وهي فكرة تعود إلى كيفن كرنز من مجلس الصناعة والتجارة الأميركي وقد مررت مؤخراً من قبل مجلس النواب. إن حقيقة التجارة الحرة هي أنها تريح أميركا الشركات من أي علاقة أساسية بالرخاء الاقتصادي للأميركيين العاديين. ذلك أنه إذا كانت أميركا الشركات تستطيع إنتاج منتجاتها في أي مكان وبيعها في أي مكان، فإنه ليس لديها في تلك الحالة أي حافز للاهتمام بقدرة الأميركيين على الإنتاج أو الاستهلاك. أما إذا كانت مقيدة بجني الأرباح عبر بيع سلع مصنوعة من قبل أميركيين للأميركيين، فإنه سيكون لديها في تلك الحالة حافز طبيعي للاهتمام بالإنتاجية والاستهلاك الأميركيين. إن الإنتاجية والاستهلاك هما الرخاء; أما البقية، فليست سوى تفاصيل.
تعليقات