المسار الاستراتيجي ومؤسسة البترول الكويتية

الاقتصاد الآن

الإدارة العليا منقسمة فيما بينها ولا تعرف كيف تواجه وكيف توجه !

1705 مشاهدات 0


يعيش القطاع النفطي الكويتي حاليا في أزمة مع نفسه و تحديدا ما بين أعضائه في الإدارة العليا حول كيفية التعامل مع الاستثمارات النفطية الخارجية وخاصة مع المشاريع التي تعتبر قيد التنفيذ مثل مشاريع بناء مصفاة التكرير في فيتنام و الصين وكذلك مشروع إنشاء مصفاة في أندونسيا التي تعتبر من أكبر الدول الآسيوية في استهلاك المشتقات النفطية وكانت قد بدأت علاقاتها التجارية معنا في أواخر السبعينيات.

إن الدلائل تشير أن الإدارة العليا منقسمة فيما بينها و لاتعرف كيف تواجه وتوجه المسار الاستراتيجي لمؤسسة البترول الكويتية حيث أنه من المفترض ' إيجاد منافذ آمنة و مستقرة للنفط الخام الكويتي على المدى البعيد و بناء مصافي مشاركة و مناصفة مع الدول المستهلكة للنفط '.

كما أن التساؤل الآن هو ما مصير المشاريع الحالية؟! مثل مصفاة فيتنام أو أننا في انتظار الشريك الأجنبي كما الحال مع مصفاة الصين وهل ستتغير سياسات المؤسسة مع كل تغيير في القيادات العليا.

إن الإدارة العليا مازالت لا تعرف كيف تتعامل مع المستجدات الحالية و لا تعرف أي فريق تراضي ,كل ذلك مع وجود زبائن و مشترين جدد للنفط الخام الكويتي بأسعار جديدة حسب معدلات الأسعار العالمية و لمدد تتجاوز ال10 سنوات, وأيضا مع إحتمالية أن هذه العقود ممكن  إلغاؤها وفي اقل من سنة واحدة إن لم يتم الاتفاق مثلا على معدل سعر ثابت للنفط  أو لم يتم التوافق على فترة الدفع وتوفير طلب المشتري مثال ذلك تحديد الفترة بأكثر من 30 يوما .

إن تجربة الكويت في هذا المجال معروفة ومعلومه حيث أنه في أحد السنوات الماضية لم تستطع الكويت أن تنتج أكثر من 600 ألف برميل في اليوم من النفط الخام وذلك بسبب أن معظم الزبائن رفضوا أسعار النفط المعلنة في تلك الفترة التي كانت في سنة 1981. ومن بعد تلك الفترة الصعبة بدأت فكرة إستراتيجية الاستثمار في المصافي و الأسواق الخارجية الآمنة والمستقرة سياسيا ومن دون مخاطر.

و في عام 1983 ومع شراء محطات الوقود في أوروبا من شركة جلف Gulf الأمريكية . وتكوين شركة ' كيوأيت 'Q8 ، وفي نفس الفترة تم بناء مصافي مشتركة في ايطاليا شُرط عليها استعمال النفط الكويتي , بل إنه في معظم الأحيان كان لا يتم ذلك إذا كان بالإمكان بيع النفط الكويتي بسعر أفضل و استعمال نفوط أقل كلفة.  

إن حيرة الإدارة العليا تكمن في اعتقادها بأن عقود النفط الحالية دائمة و أنها ستضل معنا إلى الأبد ناسية تجاربنا السابقة ومتناسية دخول العراق و إيران  إلى الأسواق النفطية بقوة ,وخاصة العراق وذلك بزيادةِ يفوق إنتاجها ال6 ملايين دولار. بالإضافة إلى تمكن هذه الدول من بيع النفط مقابل الغذاء و المواد الضرورية الأخري , تلك الإمكانية التي لا تتوفر لدى الكويت ,ولذلك توجهت الكويت إلى الدخول في مساهمات نفطية مشتركة مع الطرف الأجنبي  الذي شاركنا بأمواله في بناء مصفاة تستعمل النفط الخام الكويتي لسنوات تمتمد مع امتداد عمر المصفاة. وكان لزاما على الكويت التأكد أن هذه الشركات لا تبني مصافي لتصدير المنتجات إلى الخارج لمنافستنا في الاسواق النفطية المختلفة.

يجب أن تتذكر الإدارة العليا أن أهم عامل في المشاركة الإستراتيجية هو معرفة الغرض من بناء أو تحديث مصفاة وهل يكون من أجل الاستهلاك المحلي أم من أجل التصدير الخارجي. بديهيا الاستهلاك المحلي هو أهم العوامل فقط لا غير. أما بما يتعلق في منافسة المنتجات النفطية المكررة فما على الإدارة التنفيذية العليا سوى النظر في قوة الطلب العالمي  مابين  5 إلي 10  سنوات القادمة ومن ثم معرفة الطلب المحلي لكل دولة تستورد حاليا المشتقات النفطية من الكويت. ولعل البيوت الاستشارية المختلفة تملك المعلومات الكافية و الكفيلة بتحديد العرض و الطلب لكل دولة حسب طلبات المؤسسة و احتياجاتها.

لا تبدأ الشراكة الإستراتيجية إلا على أرضية صلبة برؤية مشتركة و مذكرة تفاهم على أهم المتطلبات و المقومات الضرورية  الأساسية من أهداف و اقتصاديات المشروع وتوقعات العائد المالي ونسبة الشراكة ، كل هذه الافتراضيات تكوٍن اللبنة الأولية لتكوين المشروع ومن ثم الدراسات المختلفة من جميع الأطراف و الأطياف.

أما بما يتعلق بحصة الكويت في منظمة 'اوبك' فهذه المشاريع لاعلاقات لها بالمنظمة لأن مايهم المنظمة هو حصة الكويت من النفط الخام والتزامها بحصص الإنتاج أما فيما يتعلق بأن تُحول الكويت جميع إنتاجها إلى منتجات و مشتقات بترولية فهذا لا يهم  المنظمة بالدرجة الأولى بل إن ما يخصها هو استمرارية زيادة معدلات الإنتاج من النفط الخام ماضيا وحاضرا و مستقبلا.

الأهم من كل هذا وذاك هو إيجاد شريك استراتيجي في دولة آسيوية نامية تكون نسبة طلبها على المنتجات النفطية في تزايد و يكون المشروع بهدف تلبية الحاجة المحلية لتلك الدولة وليس مثلا للتصدير الخارجي لعى أن يكون له عائد مالي مناسب حسب المتطلبات المالية لمؤسسة البترول  الكويتية .

يجب أن يكون لدى مؤسسة البترول الكويتية أجوبة مناسبة ومعقولة عن عدم محاولتهم للدخول في مشاركات خارجية مع شركات محلية أو عالمية. وأما عن التمسك بأنها قادرة على بيع جميع إنتاج الكويت من  النفط الخام  'فوب' (FOB) في الموانئ الكويتية فهو نوع من المجازفة و يجب علينا أن نتعلم من دروس الماضي.

إن القرار السليم هو العودة إلى السبورة السوداء و الجلوس حول المائدة لتحديث و تجديد الخطط و الأهداف الإستراتيجية للقطاع النفطي الكويتي وليس التسابق والتنافس من اجل البروز أو من أجل البقاء.

كامل الحرمي   
كاتب ومحلل نفطي مستقل

الآن - كتب كامل الحرمي

تعليقات

اكتب تعليقك