الاستثمار المتبادل بين الصين والعالم الغربي والتعاون في القضايا البيئية والأمنية المشتركة هو طريق الخلاص من الأزمة المالية
الاقتصاد الآنأكتوبر 11, 2011, 10:30 ص 266 مشاهدات 0
في عام 1992 قام مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، دينج شياو بينج، بجولة شملت بعض المدن في جنوب الصين. وخلال تلك الجولة، أدلى دينج بتصريحات دعا فيها البلاد إلى التحلي بالجرأة والشجاعة للدفع بالإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي. وكانت توجيهاته التاريخية تلك هي التي أدت إلى النمو الاقتصادي الكبير الذي عرفته الصين خلال العشرية بين 1992 و2002. غير أن بعض الأشخاص ُصدموا وتساءلوا بشأن الوجهة التي تتجه إليها الصين: فهل ستسير على خطى البلدان الصناعية أم ستحذو حذو الاتحاد السوفييتي؟ للإجابة على أسئلتهم وتخوفاتهم، خصصت جزءاً كبيراً من وقتي لدراسة التاريخ الصيني وتاريخ صعود القوى الكولونيالية السابقة والاتحاد السوفييتي.
ويمكن الاطلاع على خلاصة دراساتي في أطروحتي حول الصعود السلمي للصين، والتي قدمتها في 2002. وبالنظر إلى تجربة الدولة الصينية وتحولات الوضع الدولي، فقد جادلت بأن الصين لا تملك إلا أن تنهج طريق الصعود السلمي. ولأن صعود الصين السلمي لا يهم الصين وحدها، فإنني أعتقد أننا بحاجة إلى مقاربة جديدة في التعاطي مع العلاقات الدولية.
ولهذا السبب قلت إن على الصين أن تبني على 'المصالح المشتركة' مع بلدان أخرى وتركز جهودها لبناء 'تكتلات مصالح' في مجالات متنوعة وعلى مستويات مختلفة، فالعالم اليوم مختلف عن عالم القرنين التاسع عشر والعشرين. فبفضل العولمة، أضحت مصالح البلدان جد متداخلة ومتشابكة لدرجة أن أزمة بلد ما يمكن أن تنتقل أو تمتد تأثيراتها إلى بلدان أخرى. والواقع أن هناك عدداً متزايداً من المصالح المشتركة في العالم. والتركيز على المجالات، حيث تلتقي المصالح المتداخلة، يعني إضافة لبنات لبناء تكتلات للمصالح.
وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تُواجِه كل من الصين وأوروبا والولايات المتحدة تحديات كبيرة في الداخل، غير أن التحديات الداخلية تفوق التحديات الأمنية في الخارج.
وبالنسبة للصين، تظل التنمية والاستقرار في طليعة الأولويات الوطنية. ففي الوقت الحالي، يستدعي كل من ارتفاع معدل التضخم، وضغط معدل صرف العملة الصينية، وفقاعات القطاع العقاري، والهوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء... حلولاً عاجلة. وعلى المدى الطويل، تمثل إعادة الهيكلة الاقتصادية، والتقدم في العلوم والتكنولوجيا والتعليم، وتحسين الحكامة الاجتماعية، من قبيل خلق نظام صحي واجتماعي شامل، المهمات الثلاث الأساسية التي علينا أن ننجزها.
والمشكلة الأكثر إلحاحا في الولايات المتحدة ليست الأمن وإنما التحديات الاقتصادية الخطيرة، مثل الديون الحكومية المرتفعة جدا في المستويين الفدرالي والمحلي، والنمو الاقتصادي غير المستقر، والاستثمارات غير الكافية، وارتفاع معدلات البطالة، وفقدان الثقة في الدولار الأميركي.
أما فيما يخص أوروبا، فيمكن القول إن أكثر مشاكل أوروبا خطورة هي تلك التي تأتي من داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، وليس من أجزاء أخرى من العالم، حيث تواجه البلدان الأوروبية المهمة الملحة المتمثلة في وضع ميزانيات عامة تتسم بالتوازن، وتسديد الديون السيادية، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، وزيادة تنافسيتها الدولية.
ومن أجل معالجة تحدياتنا المختلفة، فإننا بحاجة جميعاً إلى بيئة خارجية مستقرة، وإصلاح تدريجي للنظام الدولي، ومقاربة معتدلة للحكامة العالمية. وهنا تكمن أكبر مصلحة مشتركة بيننا؛ ذلك أنه إذا اعتبرت الصين والولايات المتحدة وأوروبا جميعا استقرار الطرف الآخر واستقرار النظام الدولي كمصلحة لها، فإن أساساً صلباً وقوياً يمكن إرساؤه لبناء تكتلات مصالح بيننا. فالصين تعتبر شريكاً تجارياً لكل من الولايات المتحدة التي تعد أكبر اقتصاد في العالم، وأوروبا التي تمثل أكبر تكتل اقتصادي في العالم. واقتصاداتنا متداخلة ومتشابكة مع بعضها البعض؛ حيث تمتلك الصين، على سبيل المثال، احتياطيات من العملة لأجنبية تعادل قيمته 3.2 تريليون دولار.
إن الاستثمار مفيد للجميع. فالولايات المتحدة وأوروبا تبذلان جهوداً حثيثة من أجل خلق الوظائف؛ وإذا استطاعت الشركات الصينية زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة وأوروبا، فسيكون ثمة مزيد من الوظائف للأميركيين والأوروبيين. وبالمثل، فهناك أيضاً فرص هامة لرجال الأعمال الأميركيين والأوروبيين للاستثمار في الصين. لكن المهم هو تقليص، بل وإزالة الحواجز التي تعترض سبيل التجارة والاستثمارات. ومن أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي، فإننا بحاجة أيضاً إلى تعزيز المشاورات حول إصلاح النظام النقدي ونظام التنظيم المالي.
والواقع أن ثمة العديد من المجالات الأخرى حيث تلتقي مصالحنا؛ ومن ذلك تغير المناخ والطاقة النظيفة اللذين يمثلان مجالين واعدين للتعاون على اعتبار أن الصين والولايات المتحدة تعتبران أكبر مستهلكين للطاقة ومستوردين للنفط ومتسببين في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم. ومن جانبها، تعتمد أوروبا اعتماداً كبيراً على واردات النفط التي ستمثل 70 في المئة من استهلاكها للطاقة في 2030.
وعليه، فإن التعاون في مجال الطاقة النظيفة يمكن أن يقدم فرصاً كبيرة لنمونا الاقتصادي وابتكارنا التكنولوجي بما يخدم مصلحة جميع الأطراف. ومن المجالات الأخرى حيث تلتقي مصالحنا، هناك الأمن في الفضاء الإلكتروني، والفضاء الخارجي، والمناطق البحرية. وكلها مجالات لديها تأثير على أمن البشرية جمعاء وينبغي التعاطي معها باعتبارها 'فضاءات مشتركة' أو باستعمال مصطلح اقتصادي، 'سلعا عامة عالمية'. وبالتالي، فمن الضروري وضع قواعد وطرق مشتركة في كل هذه المجالات عبر الإجماع.
وإضافة إلى ذلك، لدينا أيضاً مصلحة مشتركة في مجالات الأمن غير التقليدي، مثل محاربة الإرهاب، والحفاظ على استقرار الشرق لأوسط ووسط وجنوب آسيا.
أما فيما يتعلق بالأمن في شرق آسيا (شمال شرقها، وجنوب شرقها أيضاً)، فهناك الكثير مما تستطيع الصين والولايات المتحدة القيام به معا للحفاظ على الاستقرار هناك والحؤول دون تطور أي حادث إلى أزمة دولية في شبه الجزيرة الكورية. ورغم وجود مصالح متضاربة ونزاعات، إلا أن كل البلدان المعنية تدرك أن الحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية سلامة الملاحة البحرية في بحر جنوب الصين، يصب في صلب مصالحها الوطنية.
جينج بيجيان - مستشار وأكاديمي صيني، نائب سابق لرئيس «كلية الحزب المركزية»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»
تعليقات