حول ملايين النواب، يكتب الدعيج:
زاوية الكتابالرشوة تراث اجتماعي، فاقبلوا بها أو غيروا التراث
كتب أكتوبر 6, 2011, 8:46 ص 2746 مشاهدات 0
الرشوة تراث اجتماعي
«الشرهة» تعني الهبة او العطية التي يتفضل بها «شيخ القبيلة» على الزعامات العشائرية والاسرية. يقال ان عرب الشمال لا يعرفونها لانها اختراع يعود، كما يشاع، الى الملك عبد العزيز بن سعود، واصبحت بعدها تقليدا عرفته بقية شبه الجزيرة العربية خصوصا مع تفجر الثروة النفطية التي وفرت للشيوخ والامراء ما يعطون به. طبعا الحديث هنا عن الكلمة وليس التقليد الذي اعتقد انه يعود الى اقدم من ذلك وبين، ربما، كل قبائل العالم.
الكويت عرفت هذا التقليد مثل غيرها بالطبع، ووفق ما روى لنا، في احدى جلسات القبس شخصية رفيعة، انه اراد الدخول على احد الشيوخ منذ سنين، لكن المكتب كان مزدحما الى حد ما، فلما بيّن لمدير المكتب انه يخشى الا يسعفه الوقت للدخول على «الشيخ» نظرا للزحمة وحق من تواجد قبله في الاسبقية، رد مدير المكتب هامسا «هذولة بوخمسة عشر الف يستلمون {العادة} ما عليك انت تدخل قبلهم».
ولما استفسر من المدير عن معنى «بوخمسة عشر ألف، والعادة»، رد المدير بان هؤلاء هم الاعضاء الجدد في مجلس الامة، وجرت العادة ان يتسلم كل عضو المقسوم من الشيخ عندما يأتي للسلام عليه بعد نجاحه. طبعا هذا القطب كان شيخا، ولنا ان نتصور كم شيخا عندنا وكم سيكون نصيب عضو مجلس الامة وقتها عند ختام زياراته لكل الشيوخ و«الاقطاب».
انا لا اريد من هنا تبرئة الحكومة الحالية او الشيخ ناصر بالذات، الذي يتهم من قبل معارضيه بانه الذي يتحمل وحده وزر الايداعات المليونية، ولكن اريد ان اشير بقوة الى ان «الشرهة» او العطية او حتى الرشوة هي تقليد اجتماعي وليس اختراعا جديدا للوضع الحالي كما يزعم الكثيرون. بل هو لا ينحصر في القبيلة او العلاقة العشائرية كما قد يبدو، لان الكويتيين يقولون « اذا عطاك الشيخ مرق..حطه بشليلك»، وهذا يعني اولا ان العطية تقليد كويتي، وثانيا ان ليس بالامكان رد عطية الشيخ حتى لو كانت مرقا.
لهذا فان على من يريد مخلصا محاربة الفساد ان يتولى ذلك من خلال مَدْينة الدولة وتطبيق القوانين والغاء التقاليد والعادات التي لم تعد تتوافق والدولة المدنية الحديثة، واول هذه التقاليد، غير الحضارية، هي المنح والعطايا التي توفرها الدولة. المؤسف ان الاتجاهات التي تسعى بقوة كما الزعم لمحاربة الفساد هي الاتجاهات التقليدية التراثية ذاتها التي تجاهد للحفاظ على الثوابت والمحافظة على العادات والتقاليد والقيم القديمة. فهل من الممكن لفاقد الشيء ان يعطيه ؟!!
عبداللطيف الدعيج
تعليقات