إذا حكم الشارع فعلى الدنيا السلام.. عبدالرحمن العوضي
زاوية الكتابكتب سبتمبر 22, 2011, 11:32 م 1714 مشاهدات 0
الأنباء
إذا حكم الشارع فعلى الدنيا السلام
الجمعة 23 سبتمبر 2011 - الأنباء
تعيش الامة العربية، ونعيش معها في الجو نفسه الذي استبد الشارع فيه بالحكم بدلا من ان يتحكم النظام والحكم في الشارع، وهذه الموجة بطبيعة الحال ستكون لها اضرار كبيرة في الوقت الحالي او المستقبل، ففي كل بلد عربي هناك نوع من التحكم الشوارعي في امور البلد يختلف عن البلد الآخر.
لكن في هذه المقالة، اود التعرض للوضع في الكويت، وكيف ان الصورة العامة الظاهرة المتحكمة في البلد هي الشارع، فاذا كان لديك اي مطلب فما عليك الا ان تنزل للشارع اولا والقيام بمظاهرة وان لم تنجح فعليك بالاعتصام، واذا لم تنجح فعليك بالاضراب، كل هذه الاساليب تسمى في الاساس بالعصيان المدني، والعصيان هو وصف غياب الحكومة عن السيطرة على الامور، حيث تعم الفوضى ويتحول البلد الى «حارة كل مين ايده اله»، لكن الغريب في العصيان المدني هو اننا اتكلنا على زيادة مداخيلنا بغض النظر عن مدى قدرة الدولة على تحقيق مطالبنا ليس اليوم فقط بل في المستقبل القريب والقريب جدا.
نعم، كل يوم نسمع عن جماعة اتخذوا أحد هذه الاساليب اداة للضغط على الحكومة حتى تتحقق مطالبهم، وآخر هذه الحالات ما حصل بالنسبة لعمال النفط، فهؤلاء العمال الذين يتقاضون في نظري اعلى الرواتب مقارنة بنفس الوظائف في الدول المجاورة، واذكر في مرة من المرات كنت احضر اجتماع منظمة العمل الدولي الذي يحضره عادة ممثلو التجار والصناعيين والعمال وممثلو الحكومة برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية، وكان مندوب احد العاملين في القطاع النفطي يتقاضى اعلى راتب فينا مع انني كنت في ذلك الوقت وكيل وزارة مساعد، ولم يتعد ذلك الشخص درجته العلمية ما يعادل الدبلوم الفني، وكان يبتسم دائما ويضحك ويقول: احنا الي بأيدينا خير الكويت وعلى كيفنا نحدد رواتبنا، اما انتم الباقون فتعملون لخدمتنا فقط!
قد يكون هذا الموقف غريبا بل مستهجن، وكنا نضحك على ذلك ونعتبره نكتة عابرة، وكان ذلك قبل ثلاثين عاما، لكن ما شاهدناه بالنسبة لتهديد عمال النفط بالاضراب هو اكبر دليل على استهتار القوى العاملة بالنفط، وكذلك اصول العلاقة بين العامل وصاحب العمل، فمن المفروض ان تكون هذه العلاقة بين العمال وشركات النفط، واذا كان هناك خلاف او عدم اتفاق بينهما فإن الامر يرفع الى المجلس الاعلى للنفط، ومتى اتخذ المجلس القرار فعلى الحكومة التنفيذ، لكن المفاجأة كانت ان ديوان الخدمة المدنية هو المسؤول عن جميع المرتبات والدرجات لجميع العاملين في الدولة من الوزير حتى الخفير هو المرجع الاخير بالنسبة الى راتب الفرد وذلك حسب انتاجه ودوره في التنمية، اي لديه كل الاعتبارات التي تحدد دخل الفرد حسب انتاج الفرد ومكانته ووظيفته، وفوجئنا بأن قرار الخدمة المدنية رفض من قبل نقابة العمال التي استمرت بالتهديد والاضراب ورفض قرار الخدمة المرسل، الامر الذي اضطر الحكومة كالعادة الى ان تتدخل وان تقبل بمطالب العمال على شكل منحة وتتنازل ارضاء للنقابة.
هذا التصرف دليل واضح على ضياع هيبة الحكومة وتخبطها في اتخاذ القرارات، الامر الذي جعل باقي العاملين في القطاعات المختلفة يلجأون للتهديد بالاضراب، وآخر هؤلاء ما سمعته على لسان رئيس نقابة القانونيين العاملين في الدولة في مقابلة تلفزيونية، ورغم ان كل الحجج التي ابرزوها كانت غير منطقية لأن المكافأة لكل فرد يجب ان تكون مقابل ادائه، والقانونيون يختلفون في مناصبهم، وتوحيد رواتبهم لا يكون منصفا بأي شكل من الاشكال، الا أنني على يقين من ان الحكومة سترضخ وستلبي طلباتهم، ومن بعد هؤلاء سنجد الكثير من العاملين سيطالبون بكوادر خاصة ومساواة من دون حق، لأن الامر اصبح في يد الشارع، وحتى مجلس الامة يستغل مثل هذا التحرك ويركب موجة الشارع واثارة القلاقل والتجمعات والخطب الرنانة حتى يكسبوا من هذا الوضع في انتخاباتهم المقبلة.
هذه الصورة ليست الوحيدة فقط، بل نسمع عن خلافات بين المعلمين، واساتذة الجامعة مع وزير التربية رغم انه رجل مخلص ومتفهم لقضاياهم ويتحاور معهم، كثيرا دون الوصول الى قرار نهائي معهم، كما نسمع عن عمال الكهرباء قضية اخرى وسنسمع لسواق الباصات مطالب اخرى ايضا، وكل مجموعة سنسمع انها ستستغل وظيفتها لتحقيق مآربها ما دام لا يوجد رادع لوضع حد لإنهاء الفوضى في الشارع، وقد يصل الامر الى حفاري القبور، وعندها تتراكم الجثث من دون دفن وترضخ الوزارة لمطالبهم، والحبل على الجرار ولن يقف عند حد معين ما دمنا لا نطبق القانون.
يا ناس ان ما فينا يكفينا، وان ما نجده حولنا من تهديدات وغيره والتسيب في العمل والغياب عن اداء الوظائف والاستهتار في جميع تصرفاتنا في اداء واجباتنا او في قيادة سياراتنا او في اي مجال آخر من الحياة، فالكل اصبح لا يتردد في مخالفة اي قانون ولا يجد اي رادع لأنه يعتمد على ان هناك واسطة من قبل النواب او المستفيدين لإعفائهم من العقوبة، ولأننا قد وصلنا تقريبا الى هذه المرحلة من الانفلات، فما علينا الا ان نقول كان الله في عون الكويت وعلى الدنيا السلام.
تعليقات