نحن شعب يغض الطرف أو “يستعبط” بمزاجه، ثم يزعم أنه مصدوم بذمة فلان وعلّان من النواب..حمد نايف العنزي

زاوية الكتاب

كتب 977 مشاهدات 0


 

الجريدة

 

 

وجه النائب القبيض

 

حمد نايف العنزي

 

 

الحق أننا كشعب مشتركون في الجريمة ونتحمل الجزء الأكبر، فنحن من أوصل هذه الفئة إلى كرسي النيابة حين فضلنا مصالحنا الخاصة على المصلحة العامة، فمن أجل وظيفة ذات امتيازات للابن أو معاملة علاج غير مستحقة في الخارج أو وساطة لشأن من الشؤون هنا وهناك، قررنا أن يكون هو خيارنا من بين كل المرشحين ليمثلنا كشعب في مجلس الأمة.

 

قضية الإيداعات أو الرشاوى المليونية لعدد من نواب مجلس الأمة تثير العديد من الأفكار والتساؤلات، لعل أبرزها هي مسؤوليتنا المباشرة كشعب عن هذه الجريمة ومدى تورطنا في أحداثها، وثانيتها هي جدارة الحكومة بالاستمرار في إدارة أمور البلد إن ثبت أن لها يدا في هذه الإيداعات، وثالثتها مدى ولاء وانتماء هؤلاء الراشين والمرتشين إلى الوطن، وما الذي كان يمكن لهم أن يفعلوه مقابل المال لو أن جهات خارجية معادية حاولت شراءهم، فمن الواضح أن لكل شيء ثمنا عند القوم، وكله يهون في سبيل حبك يا “مليون”! والحق أننا كشعب مشتركون في الجريمة ونتحمل الجزء الأكبر، فنحن من أوصل هذه الفئة إلى كرسي النيابة حين فضلنا مصالحنا الخاصة على المصلحة العامة، فمن أجل وظيفة ذات امتيازات للابن أو معاملة علاج غير مستحقة في الخارج أو وساطة لشأن من الشؤون هنا وهناك، أو ربما لمجرد أن النائب الهمام ينتمي إلى نفس القبيلة أو الطائفة قررنا أن يكون هو خيارنا من بين كل المرشحين ليمثلنا كشعب في مجلس الأمة؛ مع علمنا التام بذمته الفاسدة، وهدفه الواضح من التنفع بالمزايا النيابية الشرعية منها وغير الشرعية، ثم بعد ذلك “يتفاجأ” البعض أن الرجل يقبض الثمن لمواقفه السياسية، مع أن الجميع يعلم علم اليقين ذلك من خلال مظاهر الثراء التي ظهرت عليه فور نجاحه في الانتخابات.

يعني نحن شعب يغض الطرف أو “يستعبط” بمزاجه، ثم يزعم أنه مصدوم بذمة فلان وعلّان من النواب، والواقع أن الصدمة كانت في المبالغ المليونية فقط، إذ كانت التقديرات تشير إلى تواضع هذه الذمم ورداءة قيمتها!

أما الحكومة، التي يوجه إليها الجميع أصابع الاتهام بالعبث بالمال العام، واستخدامه في شراء الولاءات والتصويتات، فمصيبتها مصيبة إن ثبتت عليها هذه التهم، فالأمر لا يقتصر على الرشوة فقط، لأنك تكون راشيا حين ترشي من مالك الخاص، أما حين ترشي من المال العام فأنت هنا سارق قبل أن تكون راشيا، وخائنا لأمانة اؤتمنت عليها، ومفسدا للأخلاق والقيم في بيت الشعب، ولا يجوز أن تستمر لحظة واحدة في إدارة شؤون بلد تسرق أمواله وتنهب خيراته وتدمر مستقبله، وإن كان ما تعطيه للنواب الموالين عشرات الملايين، فما مقدار ما يدخل جيبك الخاص؟! مليار ملياران أم أكثر؟!

الواقع المؤسف أن هذه الحكومة، وهذا المجلس هما مرآة لمجتمع نخر الفساد فيه في السنوات الأخيرة حتى العظم، وإن أردنا أن تتغير أخلاقيات وسلوكيات سياسيينا فعلينا البدء بأنفسنا، فمن غير المعقول أن نختار– ونحن في كامل قوانا العقلية- كل مرة من يمثلنا في البرلمان على نفس الأسس المصلحية والقبلية والطائفية، ثم نتوقع أن يكون هناك تغيير للأفضل، ومن غير المعقول أن نختار النائب على مبدأ “خله يفيد ويستفيد” مع علمنا أنه مرتش وقابض وبلا ذمة أو ضمير، ثم نتوقع منه أن يكون أمينا على وطنه وأمواله ومستقبله!

“الناس على دين ملوكها” في الدول الدكتاتورية الاستبدادية، أما في الدول الديمقراطية، فالواقع أن “الحكومات والبرلمانات على دين شعوبها” وما نمارسه من أخلاقيات وسلوكيات في حياتنا العامة ينعكس على حياتنا السياسية ويطبعها بطابعه، وإذا كان الموظف الصغير يسرق ويزور ويرتشي، والمسؤول الكبير ينهب ويختلس قدر المستطاع، وكل مواطن صغير أو كبير يريد أن تكون له الأولوية– بالواسطة- في العلاج والتوظيف والدراسة، فلا تتوقع سلوكا مغايرا من الكبار والمتنفذين والواصلين، بل توقع أن يكون السلوك أسفل، والذمم أعفن، والأخلاقيات “أوطى”، وهو ما يحدث اليوم وما سوف يحدث غدا إن استمررنا في اتباع نفس سلوكياتنا، وصدقني، سيأتي يوم تنظر فيه إلى المرآة فترى وجه النائب “القبيض” بدل وجهك، فلا تعجب كثيرا، فما صورته إلا انعكاس لصورتك… وربما أجمل!

 

 

 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك