الشيعة في الكويت برأي الخضاري بين التحالف مع السلطة والوكالة عنها !
زاوية الكتابالشيعة كأقلية يردد لسان حالهم: 'أنا ومن بعدي الطوفان'
كتب سبتمبر 17, 2011, 1:11 م 5928 مشاهدات 0
خص الدكتور سليمان الخضاري بمقال عن الشيعة في الكويت، والتحالف مع السلطة والوكالة عنها، مثلما عنون مقاله، نص المقال أدناه، والتعليق لكم:
الشيعة في الكويت .. بين التحالف مع السلطة .. والوكالة عنها!
في واقع اقليمي وداخلي ملتهب، يزداد الحديث عن دور مكونات المجتمع الكويتي على اختلافها في ما نشهده من حراك سياسي وتجاذبات متنوعة، في ظل تساؤل واسع عن ماهية أي مشروع وطني جامع يستطيع أن يعبر عن آمال وطموحات الشريحة الأكبر من المواطنين الكويتيين، وهو التساؤل الذي يفتح الباب لتساؤلات فرعية كثيرة تتعلق بوضع كل شريحة على حدة، سواء فيما يتعلق بالحراك الداخلي الخاص بها، أو في جملة علاقتها بالشرائح الأخرى على النطاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
في ظل ما سبق، يبدو التساؤل مشروعا فيما يتعلق بوضع الطائفة الشيعية في الكويت، خصوصا في ظل التحالف القوي بينها وبين السلطة حاليا، وما يراه البعض من انفصال لهذه الطائفة عن السياق السياسي الجانح للتصعيد من قبل قوى سياسية وشبابية كثيرة، والذي يُنتظر أن يصعد من سقف المطالبات الاصلاحية إلى درجة المناداة بحكومة شعبية وعمل سياسي منظم.
والواقع أن قراءة وضع الطائفة الشيعية في الكويت لا ينفصل عن دراسة حالة الأقليات في السياق الأعم، مع تركيز لا بد منه على السياق الكويتي والاقليمي الأعم، فالشيعة وإن كانو ولازالو مكونا أساسيا من مكونات المجتمع الكويتي، الا أنهم يتحركون في الفضاء السياسي والاجتماعي وفق ما ركن إليه الوعي الجمعي مما استقرت عليه العلاقة بين الطوائف والمكونات المجتمعية الأخرى في بيئة لازالت مسكونة بنوع من التشوش في التعامل مع الآخر والشك في خلفياته الثقافية ومرجعياته العقدية، وتساؤل عميق حول منطلقاته الأخلاقية والمصلحية وتطلعاته المستقبلية.
في هذا السياق، لا يجب الاستغراب من أن الأقليات في عالمنا العربي والاسلامي تعيش هاجسا كبيرا بتعلق باشكالية الهوية وقضية الوجود، والشيعة في الكويت ليسو استثناء، فرغم ما تتمتع به الكويت من هامش كبير من الحرية السياسية، إلا أن جملة من الأحداث والمستجدات المحلية والاقليمية تلقي بظلالها دائما على وعي ووجدان الشيعة مذكرة اياهم بواقعهم كأقلية تحتاج لتحديد مساحات الفعل السياسي ونسج خيوط تحالفاتها بشيء من المرونة يضمن لها خيار التراجع وتبديل التحالفات وفق معطيات اللحظة التي تفرض نفسها عليهم.
لا بأس هنا من استرجاع بعض فصول تاريخ الحراك السياسي الشيعي في الكويت خصوصا لتوضيح المقصد، فالشيعة كانو منذ القدم ممن يحسبون على يمين السلطة، فتوفر الحريات الدينية والاقتصادية كان دائما مبعثا لامتنان الشيعة في الكويت واحساسهم بتمايز السلطة في الكويت عن مثيلاتها في المنطقة الأمر الذي يستتبع بالضرورة، وفق ديناميكيات الفعل السياسي والأخلاقي في إطار الأقليات، تنامي الارتباط والتأييد لسياسات الحكم وخياراته مادام ضامنا لتلك الحريات، وهو ما عمقه عدم السعي لاحتواء الشيعة من قبل النخب التجارية والثقافية الناشئة في بدايات التحرك المطالب بنظام حكم دستوري ذي مشاركة شعبية فاعلة، مما عمق احساس الشيعة بالعزلة والانفصال عن سياق التطور السياسي الكويتي، الأمر الذي زاد من حدته تنامي الاتجاه القومي العروبي في ظل المد الناصري، وهو التوجه الذي تعرض ، ضمن حدود معينة، للأصول الفارسية لمعظم الشيعة في الكويت بشيء من التعالي والازدراء.
وعلى الرغم من استمرار التحالف مع السلطة والذي امتد لأيام المجلس الرابع (1975) الا أن تيارا عريضا كان يتبلور في أوساط الشيعة، متأثرا بتنامي مدرسة الفقه السياسي الشيعي وحركة الامام الخميني الراحل، ومتفاعلا مع الشعارات العريضة المناهضة لما كان يسمى بالامبريالية العالمية ودولة اسرائيل، مدفوعا برغبة الكثيرين من الشيعة في التماهي مع الزخم الوطني والقومي التي تتناغم مع ميراث ثوري في التاريخ الشيعي ارتكز على شعارات رفض الظلم وصعوبة الاعتراف بشرعية الدول القائمة لا لأسباب مذهبية محضة بل لأسباب فقهية وعقدية ومثالية مرتبطة بمسألة الامام الغائب وانتظار دولته.
هذا التيار أصبحت له الغلبة في الأوساط الشيعية تنظيميا وسياسيا فيما بعد، كانعكاس طبيعي لانتصار الثورة الاسلامية في ايران ومشروع ولاية الفقيه، وفي ما يشبه إعادة اكتشاف للذات تبين لكثير من الشيعة أن وجودهم في صفوف المعارضة الكويتية سيكون أكثر تماهيا مع إرثهم الثقافي المشار إليه سابقا، ومدخلا كانتزاع اعتراف الحركات السياسية الأخرى بدورهم كشريك، وإن كان متأخرا، في تطوير الحياة السياسية في الكويت، ومعلوم أن هذا التحول في توجهات بعض الحركات السياسية الشيعية لم يكن بلا ثمن، فجميعنا يتذكر مرحلة الثمانينات وآثارها التي خلنا أننا تجاوزناها، لكن تجربة الغزو ساهمت كثيرا في نزع فتيل الانفجار الطائفي الذي فجرته الحرب العراقية الايرانية وتشظياتها.
لا يجب أن نغفل حقيقة أن الشيعية استمروا في سوادهم الأعظم غير مسيسين بالمعنى التنظيمي، ولا يجب أن نغفل دور جماعات سياسية أو فعاليات اجتماعية أو اقتصادية ممن استمر قريبا من خط السلطة لاعتبارات شتى، لكن التيار المعارض كان الأكثر تنظيما والأعلى صوتا، وهذا الحراك والتباين نتجت عنه صراعات داخلية كان لبعضها ومازال بعض الأثر الذي ينتج نفسه في ما نراه من طبيعة تشكيل القوائم على مستوى الجمعيات التعاونية والمجالس البلدية ومجلس الأمة.
إلا أن جملة من الأحداث الداخلية والخارجية التي حدثت في السنوات الأخيرة كانت من الحجم بمكان بحيث نسفت ما استُقر عليه من ثوابت في البيت الشيعي في العقود الثلاث الأخيرة، فمن قضية التأبين، وهي ما أزعم أنها كانت قضية مفصلية في تاريخ الحراك السياسي الشيعي وستلقي بظلالها لفترة طويلة على واقعنا السياسي، وما سبقها ولحقها من جهود جبارة قادها الأمين العام للتحالف الوطني الاسلامي الشيخ حسين المعتوق والجناح المؤيد له في تنظيمه السياسي لاعادة صياغة العلاقة بينهم وبين التيارات الشيعية الأخرى، إلى أحداث الثورتين البحرينية والسورية والتناقض الشديد لردود فعل الحركات الاسلامية السياسية السنية منهما لدوافع لا يستطيع أي منصف تفسيرها إلا أن تكون منطلقة من توجهات طائفية محضة، كل هذا يحصل في بيئة محلية واقليمية تشهد تناميا مفزعا لخطاب الكراهية واستعداء الآخر المخالف، خصوصا مذهبيا.
كل هذا أدى بالشيعة للعودة للمربع الأول، وهو المتمحور حول سؤال الهوية والوجود، وكون قناعة معينة لدى القطاع الأعرض من الشيعة بانفصال هموم ما يمكن تسميته بالبيت الشيعي عن كثير مما يتم طرحه وتبنيه من قضايا في المحيط السياسي الأعم، الأمر الذي تعاملت معه السلطة بذكاء كبير من خلال فتحها ذراعيها لجميع فعاليات السياسية الشيعية وحركاتها، بما فيه من كان يحسب على خط المعرضة الشديدة لسياسات السلطة، في إحياء للتحالف القديم الذي أعيد انتاجه، والضامن للسلطة توسيع قاعدة تأييدها شعبيا وبرلمانيا، وللشيعة جملة من المكاسب وأهمها استيعاب هاجس الوجود لديهم.
الأمر الذي هو مثار تساؤل عميق لدى الكثير من الشيعة هو سؤال المستقبل، في ظل وجود ملاحظات كثيرة على أداء السلطة في إدارة الجهاز التنفيذي في الدولة، واستمرار الحراك الشعبي المناهض للتوجهات الحكومية والمطالب بإصلاحات نوعية في النظام السياسي ككل، ففي ظل الوضع الراهن لن يتم لوم الحكومة فقط على أخطائها، بل سيمتد لجميع من يوفر لها غطاء سياسيا يقيها تشظيات الربيع العربي المنعكس داخليا، الأمر الذي ينبغي معه للنخب الشيعية من حفظ مسافة ما بينها وبين السلطة لألا تكون تكلفة الموالاة باهظة الثمن.
أقول هذا وأنا مدرك تماما لصعوبة الأمر، ففي ظل أجواء مفعمة بالكراهية وتستعدي الآخر وتحرض عليه، لن يكون للأقليات في أي مكان إلا اتباع المبدأ القائل: 'أنا .. ومن بعدي الطوفان'!!
د. سليمان ابراهيم الخضاري
طبيب وأستاذ جامعي كويتي
تعليقات