أكثر من عقد على رحيل سامي المنيس
زاوية الكتابمصنع شامخ وصلب ولين وهين للمثل والقيم الوطنية النقية
كتب أغسطس 23, 2011, 3:57 ص 1623 مشاهدات 0
تمر علينا في هذا الشهر الفضيل ذكرى رحيل الإنسان و المعلم و المربي و السياسي و الوطني المخلص و الخصم الشريف سامي المنيس رحمه الله. ففي الثالث والعشرين من أغسطس ، في مثل هذا اليوم فُجعنا وفُجعت الساحة السياسية و الاجتماعية والإعلامية بفقدان رجل قل نظيره في العمل العام الكويتي ، فأبو أحمد رحل عنا في مثل هذا اليوم و ترك بصمة واضحة في تاريخ الكويت والمنطقة السياسي و الإعلامي. أستذكر أبا احمد في مثل هذا اليوم من كل عام و أكتب لعل كتابتي عنه تثمر و تؤدي إلى المزيد من التمعن في ذكراه و تقويم الاعوجاج الذي أصاب مسيرة العمل المدني بعد رحيله.
تمر ذكراه هذه السنة على غير العادة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ففي الشهر الفضيل من كل عام على مدى العشرين سنة التي قضيتها معه بجولات دواوينية لا تنتهي، تبدأ بعد انتهاء صلاة التراويح حتى منتصف الليل، و من أول يوم من رمضان إلى الخامس و العشرين منه، و كانت تلك الجولات فيها ما يستحق أن يذكر من جهد بذله سامي المنيس بالتواصل مع كافة طبقات وفئات وطوائف المجتمع الكويتي من الجهراء إلى ضاحية عبد الله السالم و حتى الفحيحيل، فقد كان منهكا دؤوبا بجولاته التي لا تنتهي بالتواصل مع الجميع: الكبير و الصغير و الغني و الفقير ، لقد دخلنا دواوين 'تتطارد بها الخيل' كما يقال ودواوين لا تتعدى مساحتها ثلاثة بثلاثة أمتار و جلستها أرضية وفي هذه النوعية من الدواوين لاحظت بأنه كان يطيل الجلوس، و تحلو له الأحاديث وكنت أتحسب للوقت، و عندما نخرج أعتب عليه بالتأخير بالجلوس و كان يرد علي: 'يا أبا خالد هؤلاء هم عزوتي محبتهم لي ليس نابعة من مصلحة يريدونها مني فهؤلاء غير الآخرين الذين تشتم منهم رائحة التزلف'.
رحل عنا أبا أحمد رحمه الله بمثل هذه الأيام، و كان لرحيله وقع الصاعقة لأنه رحل عنا بدون مقدمات ولم نكن مهيئين لتلقي صدمة بهذا الحجم، قبيل رحيل أبا أحمد و أثناء الاستعداد لخوض الانتخابات الأخيرة التي دخلها وهو لم يكن ينوي الترشح و قال لنا بالحرف الواحد كلجنة تعمل معه: 'لقد تعبت و أريد أن أستريح لتختاروا منكم مرشح'، ولكن رفضنا كان رفضا جماعيا لم نكن نتصور أن يتخلى أبا أحمد عن صهوة جواده الذي امتطاه منذ أن كان شابا و أجبرناه على المضي قدما في الانتخابات التي فاز بها وكان يخطط للتقاعد بعدها ، فبعكس الآخرين الذين ما أن تجدهم يصلوا للكرسي البرلماني حتى يتمسكوا به حتى الرمق الأخير، و البعض منهم أمضى أكثر من ثلاثين عاما 'مرتزا' على الكرسي البرلماني و البعض ينزل في كل انتخابات حتى وان كانت لجنته تنصحه بعدم النزول، مما يؤكد بأن هناك من يستفيد من هذا الكرسي، أما الذي لا يستفيد من هذا الكرسي- مثلما كان أبو أحمد- فيتخلى عنه ويتعفف، و هذا ما أراد أبا احمد إثباته بشكل مباشر.
يمثل سامي المنيس تاريخا جميلا و ممتعا تعلمنا على يديه الكثير من القيم و المبادئ الجميلة و الإنسانية التي تشعرك بأنك أمام مصنع شامخ و صلب و لين و هين بنفس الوقت للمثل وللقيم الوطنية النقية، فقد كان صلبا في مواجهة الأخطاء و التعدي على الغير و لينا هينا متسامحا مع من يخطيء في حقه، كان هذا تاريخ عشناه و تعايشنا معه طوال عشرين عاما صادفنا فيها أبا أحمد بمختلف الظروف والمراحل.
نستذكرك في مثل هذا اليوم يا أبا أحمد، ونحن نشهد اختطاف الحركة الوطنية، ونرى من يحاول استثمار تاريخك ومصادرته والمتاجرة به، ونرى شبابا في الحركة الوطنية يصدرون بيان براءة انتصارا للقيم التي آمنت بها ودافعت عنها، ويمثل هؤلاء الشباب نبراسا يضيء دربك الوطني الشريف، ولطمة لكل من يحاول تشويه مسيرتك العطرة، ومصادرة ديوانك العامر بالقيم الوطنية والمثل المدنية.
إن الأمل بإبقاء شعلة مواقفك يمثلها الشباب أمثال عثمان الشعلان وعبدالله مجعد ونافع الحصبان وأحمد سعود وعبدالوهاب النجدي ومحمد الحسن وجواد سعود، الذين أصدروا بيان براءة من أولئك الذين حولوا العمل الوطني إلى سوق نخاسة تباع فيه المواقف، وتصادر فيها السيرة الوطنية بالصفقات التجارية.
رحمك الله يا أبا أحمد، فمن رفعوا شعار 'على الدرب سائرون'، انحرفوا عن دربك ومسيرتك، وتاجروا بمواقفك وإرثك الشريف، لكننا نعاهدك يا أبا أحمد بالبقاء مخلصين لميراثك الزاهر، مستمدين قوتنا من صلابة تاريخك الصلب الذي لا يلين.
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.
أنور الرشيد
تعليقات