يشرح بن طفلة زنقة القذافي

زاوية الكتاب

كتب 979 مشاهدات 0


شوارع  وأسماء وزنقة

  أسماء الشوارع بالمدن العربية تعكس جزءا من فكرنا وتفكيرنا، وبل ولعلها تعكس حالة الذهنية العربية التي نمر بها جميعا في هذه المرحلة، لكن التسميات تعكس أيضا المراحل التي يمر بها مجتمع أو دولة عربية ما.
 في الكويت شارع رئيسي لجمال عبالناصر، وقد ثار نقاش حول سبب تخليد الزعيم الراحل، هل هو صموده أم انقلابه على الملكية ثم على رفاق الانقلاب- محمد نجيب وآخرين؟ هل هو تخليد للنكسة أم لرفض الاستسلام واللاءات الثلاث؟
في الكويت أيضا، شارع ليس بفرعي وإنما رئيسي في ضاحية بمدينة الكويت باسم حسن البنا، وهنا التناقض: البنا فكرا كان عدوا لعبدالناصر؟ وحزب البنا حاول اغتيال عبدالناصر بحادثة المنشية الشهيرة التي قادت عبدالناصر وثواره الأحرار إلى مواجهات وتصفيات لحركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا. يتساءل الواحد منا: كيف نخلد عبدالناصر ونخلد نقيضه في آن واحد؟ والإجابة تتطلب فهم كل مرحلة: في قمة الزخم القومي الناصري، سمي شارع باسم عبدالناصر، وفي ظل هيمنة الحركات الدينية السياسية وتغلغلها في ثقافة المجتمع- وبالذات حركة الإخوان المسلمين، سمي شارع باسم البنا.
 وأسماء الشوارع والمدن والأماكن والمساجد والمؤسسات والمباني التي سميت بأسماء 'الزعماء' الذين هربوا أو خُلعوا أو قتلوا، تتلاشى باختفاء 'الزعيم' من المشهد السياسي، فمعروف أنه لم يعد هناك بعراق اليوم شيء باسم صدام حسين بالعراق، وذلك بعد أن كان كل شيء يرتبط باسمه فقط: كان شرق بغداد يسمى مدينة صدام، أصبح اليوم يسمى مدينة الصدر (كأنك يا بوزيد ما غزيت!!)، وكان مطار بغداد مطار صدام وجامعة صدام وجسر صدام وووو...الخ.
 وكذا الحال في مصر وتونس، انتشرت أسماء الشوارع والمدارس والمؤسسات المختلفة التي سميت باسم باسم حسني مبارك وبن علي أو زوجتيهما، ولكن أسماؤهم مسحت من ذاكرة الشوارع، وبقيت في زوايا السجون وغياهب المعتقلات.
 للشارع رمزية معقدة، فالشارع مشتق من شرع، ومنها الشرعة والشريعة، وهو اسم علم في مناطق الخليج، وتتفاوت تسمياته حسب اللهجات وطول الشارع وسعته، فهو الطريق والنهج في المغرب، وهو السكة والدرب في الخليج، وهو الزقاق في الحجاز، وهو الزنقة-أي السكة الضيقة- في ليبيا. والزنقة جاءت من زنق، أي تضييق الرباط تحت حنك الفرس. وفي لهجة الخليج يقولون 'زنط' بمعنى خنق ولا أصل لها في اللغة لكنها شائعة، والزنقة باللهجة المصرية تعني المشكلة المعقدة، والعلاقة بين معناها الأصلي ومعناها باللهجة المصرية واضحة وجلية.
بالعودة لأسماء الشوارع ثمة تساؤل: هل يمكن أن توجه أسماء الشوارع من يسير فيها نحو معنى اسمها؟ ماذا لو سمينا شوارعنا ومدننا بأسماء الحرية والكرامة والعزة؟ أستذكر أسماء الشوارع في سوريا الحديثة فأشك في أن لأسماء الشوارع علاقة بمعانيها! فكم من شارع هناك ليس له من اسمه نصيب، وكم شارع 'حرية' في عواصمنا ومدننا العربية سحقت فيه الكرامة وداست الدبابات فيه على جثث البشر. وكم من زنقة لم تشكل مسارا لمتظاهر، بل تحولت إلى زناق يخنق من يتجرأ على صرخة حرية أو كرامة.
 اشتهرت خطبة العقيد القذافي الأولى التي هدد بها معارضيه بفبراير الماضي بملاحقتهم من مكان إلى مكان 'ودار دار، وبيت بيت وزنقا زنقا'، وخلّد العقيد كلمة زنقا كما خلّد الحجاج 'رؤوسا أينعت'، لكن التطورات تشير إلى أن العقيد في ورطة، وأن أيام حكمه وطغيانه أصبحت معدودة، وأن فسحة الخلاص أصبحت أضيق من أضيق 'زنقة' في حارة في طرابلس، وأن الزنقة بالنسبة للعقيد أصبح معناها مصريا، ولم يعد هناك 'زنقة' ولا مخرج له!
سعد بن طفلة العجمي

 

الاتحاد

تعليقات

اكتب تعليقك